الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي الحديث: إن عيسى عليه السلام ينزل على ثنية بالأرض المقدسة، يقال لها: أَفِيق، وهي عقبة بيت المقدس، وعليه مُمَصَّرتان «1» ، وشعر رأسه دهين، وبيده حربة يقتل بها الدجال، فيأتي بيت المقدس، والناس في صلاة العصر، والإمام يؤم بهم، فيتأخر الإمام، فيقدمه عيسى، ويصلي خلفه على شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ويقتل الخنزير، ويكسر الصليب، ويخرب البيعَ والكنائس، ويقتل النصارى إلا مَن آمن به وبمحمد صلى الله عليه وسلم «2» .
وقيل: الضمير للقرآن لأن فيه الإعلام بالساعة، فَلا تَمْتَرُنَّ بِها فلا تشكنَّ فيها، من المرْية، وهو الشك، وَاتَّبِعُونِ أي: اتبعوا هداي وشرائعي، أو: رسولي، وقيل: هو قول نبينا صلى الله عليه وسلم مأموراً به من جهته تعالى:
هذا أي: الذي أدعوكم إليه صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ موصل إلى الحق. وَلا يَصُدَّنَّكُمُ الشَّيْطانُ عن اتباعي إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ بيِّن العداوة، حيث أخرج آباءكم من الجنة، وعرضكم للبلية.
الإشارة: الوعظ والتذكير لا تسري أنواره في القلوب إلا مع التسليم والتصديق، والسكوت والاستماع، كما كان الصحابة- رضي الله عنهم مع الرّسول صلى الله عليه وسلم كأنَّ على رؤوسهم الطير، وأما إن دخل معه الجدال واللجاج ذهبت بركته، ولم تسْر أنواره، ولذلك قيل: مذهب الصوفية مبني على التسليم والتصديق، ومذهب الفقهاء مبني على البحث والتفتيش، لكن مع الإنصاف، وخفض الصوت، وحسن السؤال من غير ملاججة ولا غضب.
ثم ذكر بعثة عيسى ودعوته إلى الله، فقال:
[سورة الزخرف (43) : الآيات 63 الى 66]
وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (63) إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (64) فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ (65) هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَاّ السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ (66)
(1) ممصرتان: تثنية «ممصّرة» . وهى الثياب التي فيها صفرة خفيفة. انظر النّهاية فى غريب الحديث (مصر 4/ 336) .
(2)
ذكره بلفظه القرطبي فى تفسيره (7/ 6109) وعزاه للثعلبى، وأخرجه بلفظ مقارب أبو داود فى (الملاحم، باب خروج الرّجال، 4/ 498 ح 4324) . عن أبى هريرة. وأصل الحديث فى الصحيحين. انظر البخاري (كتاب الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم عليهما السلام ح 3448) ومسلم (الإيمان، باب نزول عيسى ابن مريم حكما بشريعة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1/ 135 ح 155) .
يقول الحق جل جلاله: وَلَمَّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ بالمعجزات أو: بآيات الإنجيل أو: بالشرائع الواضحات قالَ لبني إسرائيل: قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ بالشريعة، أو: بالإنجيل المشتمل عليها وَلِأُبَيِّنَ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ وهو ما يتعلق بأمور الدين، وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فليس بيانه من وظائف الأنبياء- عليهم السلام كما قال صلى الله عليه وسلم:«أنتم أعلمُ بدُنياكم» «1» ، وهو عطف على مقدر، ينبئ عنه المجيء بالحكمة، كأنه قيل: جئتكم بالحكمة لأعلمكم إياها، ولأُبيّن لكم ما تختلفون فيه، فَاتَّقُوا اللَّهَ فى مخالفتى وَأَطِيعُونِ فيما أُبلغكم عن الله تعالى:
إِنَّ اللَّهَ هُوَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ بيان لما أمرهم به من الطاعة، وهو اعتقاد التوحيد، والتعبُّد بالشرائع، هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ لا يضل سالكه فهذا تمام كلام عيسى عليه السلام، وقيل: قوله: هذا.... الخ من كلام الله تعالى، مُقرر لمقالة عيسى عليه السلام.
فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ أي: الفرق المتحزِّبة بعد عيسى، وهم: اليعقوبية والنسطورية، والملكانية، والشمعونية، مِنْ بَيْنِهِمْ أي: من بين النصارى، أو: من بين مَن بُعِثَ إليهم من اليهود والنصارى، أي: اختلافاً ناشئاً من بينهم، من غير حجة ولا برهان، فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا من المختلفين، حيث قالوا في عيسى ما كفروا به، مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ وهو يوم القيامة هَلْ يَنْظُرُونَ أي: ما ينتظر أولئك الكفرة، أو قوم عيسى إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ: بدل من «الساعة» أي: هل ينتظرون إلا إتيان الساعةُ بَغْتَةً فجأة وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ غافلون عن الاستعداد لها، لاشتغالهم بأمر دنياهم، أو: منكرون لها، غير مترقبين وقوعها.
الإشارة: كانت الرسل- عليهم السلام يُبينون لأممهم ما يقع فيه الاختلاف من أمر الدين، سواء تعلّق ذلك بالظاهر أو بالباطن، بما يوحى إليهم من إلهام، أو بملَك مرسل، فلما ماتوا بقي خلفاؤهم من العلماء والأولياء، فالعلماء يُبينون ما اختُلِف فيه من الشرائع والعقائد، بما عندهم من القواعد والبراهين، والأولياء يُبينون الحقائق، وما يتعلق بالقلوب من الشكوك والخواطر، وسائر الأمراض، بما عندهم من الأذواق والكشوفات. فالعلماء يرجعون إلى كتبهم وعلومهم، والأولياء يرجعون إلى قلوبهم وأذواقهم، حتى كان فيما سلف من العلماء إذا توقفوا في مسألة عقلية أو قلبية أخذوا صوفيّاً أُميّاً فيسألونه، ويجبرونه على الجواب، فيجيبهم عن كل ما يسألونه، كقصة أبي الحسن النوري مع القاضي، وغيره، وقد كان الشعراني يسأل شيخه الخواص- وهو أُمي- عن أمور معضلة، فيجيب عنها، حتى إن كتبه كلها مطرزة بكلامه- رضي الله عنهم أجمعين.
(1) أخرجه مسلم فى (الفضائل، باب وجوب امتثال ما قاله شرعا، 4/ 1835 ح 2363) عن السيدة عائشة- رضي الله عنها وسيدنا أنس رضي الله عنه بلفظ: «أنتم أعلم بأمر دنياكم» .