الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
غفرت لي فأَعْلِم محمداً وأصحابه، وإلا فأرسل عليَّ ناراً من السماء فأحرقني بها، ونجِّني من عذاب الآخرة، فجاء جبريل، فقال: السلام يقرئك السلام، فقال: هو السلام وإليه يعود السلام، قال: يقول: أأنت خلقت خلقي؟ قال:
بل هو الذي خلقهم. قال: يقول: ترزقهم؟ قال: بل هو الذي يرزقهم، قال: يقول: أأنت تتوب عليهم؟ قال: بل هو الذي يتوب عليهم. قال: فتب على عبدي، فإني تبتُ عليه، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم الشاب، وتاب عليه، وقال: إن الله هو التوّاب الرحيم. هـ. ذكره السمرقندي والثعلبي «1» .
ثم أمر باتباع القرآن بعد الإنابة، فقال:
[سورة الزمر (39) : الآيات 55 الى 59]
وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (58) بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ (59)
يقول الحق جل جلاله: وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ أي: القرآن، فإنه أحسن الحديث، ولا أحسن منه لفظاً ومعنى، أو: المأمور به دون المنهي، أو: العزائم دون الرُخص، كقوله: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ «2» ، أو: الناسخ دون المنسوخ، ولعله ما هو أعم، فيصدق بكل ما يُقرب إلى الله، كالإنابة، والطاعة، ونحوهما، مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذابُ بَغْتَةً: فجأة، وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ بمجيئه لتداركوا وتتأهبوا.
أمرتكم بذلك كراهة أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ، والتنكير للتكثير، كما في قوله: عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّآ أَحْضَرَتْ «3» ، أو:
يراد به بعض الأنفس، وهي نفس الكافر، أو: يُراد نفس متميزة إما بلجاج في الكفر شديد أو بعقال عظيم:
(1) غفر الله لشيخنا ابن عجيبة، لقد كان فى غنى عن ذكر هذه الرّواية الغريبة.
(2)
من الآية 18 من سورة الزمر.
(3)
من الآية 14 من سورة التكوير.
يا حَسْرَتى، بألف بدل من ياء الإضافة لأن العرب تقلب ياء المتكلم ألفاً في الاستغاثة، فيقولون: يا ويلتا، يا ندامتا، فيخرجون ذلك على لفظ الدعاء، وربما ألحَقوا بها الهاء، فيقال: يا رباهُ، يا مولاهُ، وربما ألحقوا ياء المتكلم، جمعاً بين العوض والمعوض، وبذلك قرأ أبو جعفر:«يا حسرتاي» أي: يا ندامتاه ويا حزناه. عَلى ما فَرَّطْتُ قصَّرت. و «ما» : مصدرية، أي: على تقصيري وتفريطي فِي جَنْبِ اللَّهِ أي: جانبه وحقه وطاعته، أو: في ذاته، أي: معرفة ذاته، أو في قربه، من قوله: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ «1» ، أو: في سبيل الله ودينه، والعرب تسمي السبب الموصل إلى الشيء جنباً، تقول: تجرّعت في جنبك غُصَصاً، أي: لأجلك، أو: في الجانب الذي يؤدي إلى رضوانه، وهو توحيده والإقرار بنبوة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم. وقرىء «في ذكر الله» . وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ أي: المستهزئين بدين الله. قال قتادة: لم يكفهِ أن ضيّع طاعة الله حتى سخر بأهلها. و «إن» : مخفقة، والجملة: حالية، أي: فرطت وأنا ساخر.
أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدانِي: أعطاني الهداية، لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ: من الذين يتقون الشرك. قال الإمام [أبو منصور]«2» : هذا الكافر أعرفُ بهداية الله من المعتزلة. وكذلك أولئك الكفرة، الذين قالوا لأتباعهم:
لَوْ هَدانَا اللَّهُ لَهَدَيْناكُمْ «3» يقولون: لو وفقنا الله للهداية، وأعطانا الهدى لدعوناكم إليه، ولكن عَلِمَ منا اختيار الضلالة والغواية فخذلنا ولم يوفقنا. والمعتزلة يقولون: بل هداهم وأعطاهم التوفيق لكنهم لهم يهتدوا. انظر النسفي.
أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً أي: رجعة للدنيا، فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ: الموحِّدين الطائعين. و «أو» : للدلالة على أنها لا تخلو من هذه الأقوال، تحيُّراً وتحسُّراً، وتعليلاً بما لا طائل تحته.
فردَّ الله عليهم بقوله: بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكافِرِينَ أي: قد جاءتك آياتي، وبيّنت لك الهدايةَ من الغواية، وسبيلَ الحق من الباطل، فتركت ذلك، وضيعت، واستكبرت عن قبوله، وآثرت الضلالة على الهدى، واشتغلت بضد ما أمرت به، وإنما جاء التضييع من قِبلك، فلا عذر لك.
و «بلى» : جواب لنفي مقدر، وهو نتيجة القياس الاستثنائي، أي: لو أن الله هدانى لا هتديت وكنت متقياً، لكنه لم يهدني، وإنما أخّره لأنه لا بد من حكاية أقوال النّفس على ترتيبها، ثم يذكر الجواب في الجملة. والله تعالى أعلم.
(1) مِنْ الآية 36 من سورة النّساء.
(2)
فى الأصول [ابن منصور] والمثبت هو الذي فى النّسفى.
(3)
كما جاء فى الآية 21 من سورة إبراهيم.