الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بسم الله الرحمن الرحيم
مقدمة إدارة الشؤون الإسلامية
إن الحمد لله نحمده، ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.
عودًا على بدء
نواصلُ المسيرةَ في ظل قيادة حكيمة، ترى تراث الأمة أمانة، وجديرة بالعناية والرعاية، كانت هذه المجموعة من
مطبوعات الشيخ علي بن عبد الله آل ثاني رحمه الله
حيث طبعت متلاحقة على نفقته الخاصة، كسائر مطبوعاته التي أتحف بها العالم الإسلامي كله، وها نحن نقدمها متوافقة، تجديدًا للصلة، في مساراتها الأربعة:
الأول: "الدين الخالص".
معالم التوحيد، مؤسسةٌ على النصوص الخالدة من الكتاب والسنة، إنه الدين في صورته الحقيقية.
الثاني: "التاج المكلل من مآثر الطراز الآخر والأول".
تراجم جملة من علماء الإسلام الأعلام الهداة الأئمة، مآثر واضحة، فضائل لائحة، مناقب سائرة.
الثالث: "الموعظة الحسنة بما يُخطب في شهور السنة".
نماذج فاعلة بكلماتها الجميلة للخُطب كافة، بدايةً من خُطبة الجمعة،
والعيدين، والاستسقاء، والكسوف والخسوف، حيث المناسبة، مع ذكر الأحكام الشرعية المتعلقة، فجاء الكتاب حافلًا مهمًا في بابه.
الرابع: "رحلة الصديق إلى البلد العتيق".
صورة شائقة لهذه الرحلة المباركة، من الهند على ظهر سفينة، وصولًا إلى جدة، ومن ثم إلى مكة المكرمة، مع ذكر الأحكام الخاصة بالحج والعمرة والزيارة، وأحكام وفضائل مكة والمدينة، جامعة بين المتعة بذكر جملة مما وقع له من حوادث أثناء الرحلة، وتلك الروح العلمية. لهذا كله وقع الاختيار عليها بعد نصف قرنٍ من نشرتها الأولى.
حيثُ عهدت إدارة الشؤون الإسلامية إلى دار النوادر لصاحبها نور الدين طالب للعمل عليها لإخراجها في حلتها الجديدة، وفق خطة علمية، تلخصت في الآتي:
1 -
إعادةُ تنضيد الكتب على أفضل وأرقى البرامج الطباعة الحالية.
2 -
تصحيح الكتب بما ورد فيها من أخطاء مطبعية سابقة، وقد بلغت مئات الأخطاء.
3 -
كتابةُ الآيات القرآنية بالرسم العثماني، منقولة من المصحف الشريف، إضافة إلى عزوها عقب الآية بين معكوفتين.
4 -
ضبطُ النصوص المهمة والمشكلة بالشكل الضروري، كالأحاديث النبوية الشريفة، وأبيات الشعر، وغريب اللغة.
5 -
إعادةُ تقسيم الكتاب، وتفصيل فقراته، بما يتناسب مع سهولة تناوله وقراءته.
6 -
وضعُ علامات الترقيم المناسبة للنص، حتى يخرج نصًا صحيحًا من حيث اللغة والإعراب.
وإنا لنرجو الله تعالى أن يكون في عملنا هذا الإفادةَ لطلبة العلم وأهله.
وصلى الله وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه.
إدارة الشؤون الإسلامية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله على سوابغ نعمائه، وضوافي آلائه، حمدًا يملأ مكان الإمكان، وأركان الأمكنة، ويعطر شذاه خياشيم العصور والأزمنة.
والصلاة والسلام على عبده ورسوله، محمدٍ أكرمِ رسله، وأفضل أنبيائه صلاة تبلغ قائلَها والآتي بها مَأْمَنَه؛ وسلامًا يحله بشفاعته في جنة الفردوس الأعلى وأسكنه.
وعلى آله وصحبه سادة نجبائه، وأهل الحديث قدوة علمائه، وحفاظ هديه قادة أصفيائه، الذين استمعوا القول فاتبعوا أصوبه وأحسنه، ودعوا إلى سبيل ربهم بالحكمة والموعظة الحسنة، ونستغفره سبحانه من حصائد الألسنة.
وبعد: فهذا تذكارُ عصابة مباركة من أهل العلم بالحديث الشريف النبوي، وذوي العمل بالأثر المصطفوي، ومآثرهم الجليلة التي يحتاج إليها طلبة العلم في معرفة ما كان عليه سلف هذه الأمة وخلفُها الأئمةُ من العمل بالدليل، وطرح التقليد ورفض القال والقيل، وتحريرُ بعض فوائدهم الجميلة التي لا مندوحة عنها لمريد سلوك سبيلهم السوي الجليل؛ من كتب طبقات المحدِّثين الحفاظ المجتهدين، وصحائف زبر العلماء المتقدمين والمتأخرين، على غير ترتيب لذكر ذوي الباقيات الصالحات، وتبويب لسنين مواليدهم والوفيات، كما هو صنيع بعض أهل العلم والأدب؛ كالعلامة ابن رجب؛ لأني لم أرد استيعاب جميع ذلك، ولا جمع جملة ما هنالك؛ فإن الدواوين المبسوطة المؤلفة في هذا الشأن تغني عن الإطناب والإطالة، وطولُ الكلام يفضي بالناظر الناقد البصير إلى السآمة والملالة.
وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما روينا عنه: "ما قَلَّ وكفى خيرٌ مما كثير وألهى"، فهم - وإن كانوا في هذا الكتاب قليلين في العدد -؛ فإنهم كثيرون بسبب أنهم ذريعة للمَدَد في كل المُدَد.
وقد يقال: إن أعداد الكبار الشم الأنوف ربما عدلت عشراتها بالمئين، ومئوها بالألوف، وأضفت إليهم: أخبار بعض الملوك والشعراء والزهاد، من أعيان الأعيان وأمجاد الأمجاد.
ولما كان الشروع ملزمًا، وإتمام ما شرعت فيه متحتمًا، لم أر بدًا من إلحام ما أسديتُه، وإصماء ما أنميته، فتذكرت من الكلام أوائلَه، وألحقت بكل منه ما شاكَلَه، وما أقدمني على هذا الشأن إلا تخلُّفُ أبناء الزمان، عن إحراز فضيلة السبق في هذا الميدان.
وليس غرضي إلا أداءَ بعض حقهم المفترض، وأبرأ إلى الله من تهمة الغرض، وإني وإن قصرت في مواضع من تراجمهم، فما قصرت وإن طولت في مجال، فما تطولت، وغاية النصفة في هذا المقام هو الاعتراف بقصوره، والإقرار بعدم شعوره؛ فإن المرء ولو بلغ جهده، فالإحاطةُ بهذا الشان وتراجم أهله لله وحده.
ولا أعتقد أني وفيتُ بالمقصود، أو أتيت بالمراد على الوجه الموعود، بل كل ما آمل من هذا الصنيع هو نيل ثواب في المبدأ ونجاة في اليوم المشهود.
فقد ذكر غير واحد من العلماء؛ كابن فهد المكي وغيره، أن الاشتغال بنشر أخبار الأخيار، من أهل العلم والآثار، من علامات سعادة الدنيا وسيادة الآخرة؛ إذ هم شهود الله في أرضه، ولهم المراتب الفاخرة.
والذين ذكرتهم في هذا المختصر - إنما هم بالنسبة إلى من تركتُ ذكرهم من الحفاظ العالمين بالكتاب والسنة، العاملين بهما من بين الأمة، كحركات العوامل، أو عدد الأنامل.
فهاك - أيها المتفضل عليّ - كتابًا لطيفًا يحاكي في حسنه وجماله غصنَ البان، وفنن الجِنان، ويرد ورودَ ماء عذب بارد فراتٍ على الظمآن، ودونك أيها
المحسن إليّ - خطابًا شريفًا يرد ما شاع على ألسنة جماعة من الرعاع؛ من اختصاص سلفِ هذه الأمة بإحراز فضيلة البلوغ إلى ذروة الاجتهاد والتجديد، وتعذُّر وجودِ المجتهدين بعد المئة السادسة أو السابعة على التعيين والتحديد، وكانت هذه المقالة بمكان من الجهالة، لا تخفى على مَنْ له أدنى حظ من علم، وأنزرُ نصيب من عرفان، وخصر حصة من فهم وجلالة؛ لأنها كما قال العلامة الرباني، مجتهدُ القطر اليماني، مجددُ المئة الثالثة عشرة في إحياء الأمر الإيماني، شيخُنا وبركتنا قاضي القضاة شيخُ الإسلام، وحسنةُ الليالي والأيام، محمدُ بنُ علي بن محمدٍ الشوكاني رضي الله عنه: قصرٌ للفضل الإلهي والفيض الرباني على بعض العباد دون البعض، وعلى أهل عصر دون عصر، وعلى أبناء دهر دون دهر، بدون برهان ولا قرآن، على أن هذه المقالة المخذولة، والحكاية المرذولة، تستلزم خلو هذه الأعصار المتأخرة عن قائم بحجج الله، ومترجم عن كتابه العزيز، وسنة رسوله المطهرة، ومبين لما شرعه الله لعباده.
وذلك هو ضياع الشريعة الحقة بلا مِرْية، وذهاب الدين المتين بلا شك، وهو تعالى قد تكفل بحفظ دينه القويم، وليس المراد به حفظه في بطون الصحف والدفاتر، بل إيجاد من يبينه للناس في كل وقت وعند كل حاجة، فليعلم صاحب تلك المقالة: أن الله تعالى - وله المنة - قد تفضل على الخلف كما تفضل على السلف، بل ربما كان في العصور المتأخرة من العلماء المحيطين بالمعارف العلمية، والمدارك الشرعية، على اختلاف أنواعها، من يقل نظيرُه من أهل العصور المتقدمة، انتهى.
وسوق هذا الكلام منه - أعلى الله منزلته في دار السلام - فيمن يعرف الكتاب والسنة وعلومهما، دون من لم يرفع رأسه إليهما، بل أضاع عمره في الفروع سرمدًا، فإنه لا يكون مجتهدًا ولا مجددًا للدين أبدًا.
وسيقف على ذلك من أمعن النظر في هذا "الكتاب"، وحل من عنقه عرا التقليد والارتياب، والمذكورون في هذا "المختصر" هم صميم الكرام، الذين
هم صميم الكرام من العلماء وأكابر الزمان، من أهل القرون الأولى ومَنْ بعدهم إلى الآن، مع ذكر فوائد نافعة غريبة، وبيان عوائد نفيسة عجيبة.
ومن أمعن النظر في مطالعة كتب القوم: 1 - كتاريخ الإسلام، 2 - وتذكرة الحفاظ، 3 - والنبلاء، 4 - وكامل ابن الأثير، 5 - وتاريخ القاضي ابن خلكان، 6 - وفوات الوفيات، 7 - وتاريخ ابن الوردي، 8 - وطبقات ابن رجب، 9 - ونفح الطيب للمَقَّري، 10 - والدرر الكامنة، 11 - والنور المسافر، 12 - وخلاصة الأثر، 13 - والضوء اللامع، 14 - والبدر الطالع، ونحو ذلك، علم أن الفيض الإلهي لم ينقطع، وأن اللطف الرباني لم يتم، وأن الرحمة العامة لم تنصرم، وأن التفضل الرحماني لم يختم، وأن الجود المهيمني لم يبخل، وسميت هذا المختصر:
التاج المكلل من جواهر مآثر الطراز الآخر والأول
وما أنا فيما أوردت فيه من التراجم والأخبار بمعتقد كمالي، ولا معتصم من إخلالي، على أني بجسارة أقول: إنه حوى صفوة أقوال الرواة العدول، ونخبة أحوال الأعلام الفحول، دون عدول يجيء به تعصب ديني، أو ميل غرضي.
ولقد سلكت في هذا الكتاب مسلك أبناء العصر، ومهيع أولاد الدهر؛ فإن الناس بزمانهم، أشبهُ منهم بآبائهم.
ولو أخذت فيه أخذ الأدباء، وألبسته من براعة الكلام وبلاغة المعاني الإزار والرداء، فأبرزت فيه من المعاني الجزلة كلَّ بديع، في قوالب مبان فحلة ولفظ رفيع، لما عرف أحد قدره، ولا التفت إليه، ولا عوّل لقصور الأفهام والهمم عليه.
ولما كانت المجازات خيرًا من الحقائق، والغلط المستعمَل أولى من الصواب في الدقائق، حررته في عبارات يسيرة، وإشارات رقيقة غير عسيرة، ولنعم ما قيل شعرًا:
إذا أحسستَ في لفظي قُصورًا
…
وحظي والبراعةِ والبيانِ
فلا ترتَبْ لفهمي إنَّ رقصي
…
على مقدار إيقاعِ الزمانِ
وقد انقلب الآن بأهله الزمان، فصار حاملُ الأدب والفضل من رهطه، والمنسلك من العلم في نظمه وسمطه، وصار فيه باقلٌ جريرًا، وجريرٌ جاهلًا كبيرًا، وليتني كنت في هذا وذاك كفافا، ومن خير الزمان وشره معافى. وإنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، من الحسنات والسيئات.
وقد جعلت هذا الكتاب خدمة لأحبابي، ونصيحة لأخلافي - الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، ويحبون العمل بالكتاب والسنة، والإتيان بالموعظة الحسنة، ملتمسًا من ذوي الانتقاد أن يُقيلوا العِثار، ويقبلوا الأعذار، فيشدوا أسره، ويجبروا كسره، ويرقعوا خلَلَه، ويحققوا أملَه، متوسلًا إليه سبحانه وتعالى أن ينفع به قارئه من الفحول، فإنه أكرم مسؤول، وخير مأمول، حرسنا الله تعالى من التمادي في مهاوي الغواية، وجعل لنا من العرفان بأقدارنا أمنعَ وقاية، وسلك بنا مسلك أهدى هداية، وصلى الله تعالى على سيدنا محمد عبده ورسوله وآله وصحبه - ما ذَرَّ شارِق، ولمع بارِق.
***