الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجاور بمكة. وكان عالمًا عاملاً متصوفًا شاعرًا مجردًا، له تصانيف، منها: كتاب "الغرر من كلام سيد البشر". كان الناس يدخلون عليه بيته والكتب عن يمينه وشماله، ومن شعره:
أَسيرُ الخطايا عندَ بابِكَ واقفٌ
…
له عن طريقِ الحقِّ قلبٌ مخالِفُ
قديمًا عصى عَمْدًا وجَهْلاً وغِرَّةً
…
ولم يَنْهَهُ قلَبٌ من الله خائِفُ
تزيدُ سِنوه وهو يزدادُ ضِلَّةً
…
فها هو في ليلِ الضلالةِ عاكِفُ
تَطَلَّعَ صبحُ الشيبِ والقلبُ مظلِمٌ
…
فما طافَ منه من سنى الحقَّ طائِفُ
ثلاثون عامًا قد تَوَلَّتْ كأنها
…
حلومٌ تَقَضَّتْ أو بُروقُ خواطِفُ
وجاءَ المَشيبُ المُنْذِرُ المرءَ أنه
…
إذا رحلتْ هذي الشبيبةُ تالِفُ
فيا أحمدَ الخوان! قد أدبرَ الصِّبا
…
وناداكَ من سِنَّ الكُهولة هاتِفُ
فهل أَرَّقَ الطرفَ الزمانُ الذي مضى
…
وأبكاه ذنبٌ قد تقدَّمَ سالِفُ
فَجُدْ بالدموعِ الحُمرِ حُزنًا وحسرةً
…
فدمعُك يُنْبِي أَنَّ قلبَك آسِفُ
قال المقري في "نفح الطيب": وقد وافق في أول هذه القطعة قول أبي الوليد بن الفرضي، أو أخذه منه نقلاً. توفي سنة 550، وقيل: سنة 551 - رحمة الله عليه -.
363 - الشيخ أحمد بن محمد بنِ أحمدَ، المَقَّرِيُّ التلمسانيُّ المولد، المالكيُّ المذهب، نزيلُ القاهرة
.
قال في "خلاصة الأثر": حافظ المغرب، جاحظ البيان، ومن لم ير نظيره في جودة القريحة، وصفاء الذهن وقوة البديهة.
وكان آية باهرة في علم التفسير والحديث، ومعجزًا باهرًا في الأدب والمحاضرات، له المؤلفات الشائعة، منها:"عَرْف الطيب في أخبار ابن الخطيب"، انتهى.
قلت: وذكر في "كشف الظنون" أنه سماه بعد ذلك: "نفح الطيب عن غصن الأندلس الرطيب"، انتهى. وله "إضاءة الدجنة في عقائد أهل السنة". ولد بتلمسان، ونشأ بها، وحفظ القرآن، وقرأ على عمه سعيد بن أحمد المقري -
مفتي تلمسان ستين سنة -، ومن جملة ما قرأ عليه "صحيح البخاري" سبع مرات، وروى عنه الكتب الستة، وأن الفتوى صارت إليه في زمنه، ارتحل تاركًا للمنصب والوطن إلى حج بيت الله الحرام سنة 1027، ثم ورد إلى مصر، وتزوج بها من السادة الوفائية سنة 1028
ثم زار بيت المقدس سنة 1029، وكرر الذهاب إلى مكة، وأملى بها دروسًا، وفد على "طيبة" سبع مرات، وأملى الحديث النبوي بمرأى منه صلى الله عليه وسلم ومسمع، ثم رجع إلى مصر سنة 1039، ثم ورد إلى دمشق، وأملى "صحيح البخاري"، وحضره غالب أعيان دمشق من العلماء، وأما الطلبة، فلم يتخلف منهم أحد، وكان يوم ختمه حافلاً جدًا، اجتمع فيه الألوف من الناس، وعلت الأصوات بالبكاء، وأُتي له بكرسي الوعظ، فصعد عليه، وتكلم بكلام في العقائد والحديث لم يسمع نظيره أبدًا، وتكلم على ترجمة البخاري، وأنشد له بيتين، وأفاد أن ليس للبخاري غيرهما، وهما:
اغتنمْ في الفراغِ فَضْلَ رُكوعٍ
…
فعسى أن يكونَ موتُك بَغْتَهْ
كَمْ صَحيحٍ قدْ ماتَ قبلَ سقيمٍ
…
ذهبتْ نفسُه النفيسةُ فَلْتَهْ
وكانت الجلسة من طلوع الشمس إلى قرب الظهر، ثم ختم الدرس بأبيات قالها حين ودَّع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وهي قوله:
يا شفيعَ العُصاةِ أنتَ رجائي
…
كيف يخشى الرجاءُ عندَك خَيْبَهْ
وإذا كنتَ حاضرًا بفؤادي
…
غيبةُ الجسمِ عنكَ ليسَ بِغَيْبَهْ
ليسَ بالعيشِ في البلادِ انقطاعٌ
…
أطيبُ العيشِ ما يكونُ بِطَيْبَهْ
ونزل عن الكرسي، فازدحم الناس على تقبيل يده، وكان ذلك نهار الأربعاء سابع عشر رمضان سنة 1039، ولم يتفق لغيره من العلماء الواردين إلى دمشق ما اتفق له من الحظوة وإقبال الناس، وكان بعد ما رأى من أهلها ما رأى، كثر الاهتمام بمدحها، وقد عقد في كتابه "نفح الطيب" فصلاً يتعلق بها وبأهلها، وأورد في مدحها أشعارًا، وجرى بينه وبين أدبائها وعلمائها مطارحات شتى، ودخل مصر، واستقرَّ بها مدة يسيرة، ثم طلق زوجته الوفائية، وأراد العودة إلى