الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بعض تصانيفه: أن الإحداد على الميت بترك الطيب والزينة لا يجوز بحال، ويجوز للنساء على أقاربهن ثلاثة أيام، دون زيادة عليها، وعلى زوجها المتوفَّى عنها أربعة أشهر وعشرًا، انتهى.
201 - يحيى بن محمد بنِ هُبيرة، الوزيرُ، العالمُ، العادلُ، صدرُ الوزراء عونُ الدين، أبو المظفر
.
ولد سنة 499، دخل بغداد شابًا، وقرأ القرآن بالروايات على جماعة، وسمع الحديث الكثير من جماعة.
قال ابن الجوزي: وكان متشددًا في اتباع السنة وسير السلف، قال ابن رجب صنف الوزير كتاب "الإفصاح في معاني الصحاح" في عدة مجلدات، وهو شرح "صحيح البخاري" و"مسلم"، ولما بلغ فيه إلى حديث:"من يُردِ الله به خيرًا، يُفقهه في الدين" شرح الحديث وتكلم على معاني الفقه، وآل به الأمر إلى أن ذكر مسائل الفقه؛ المتفَق عليها، والمختلف فيها بين الأئمة الأربعة المشهورين، وقد أفرده الناس من الكتاب، وسموه بكتاب الإنصاح، وهو قطعة منه، وهذا الكتاب صنفه في ولايته الوزارة، واعتنى به، وجمع عليه أئمة المذاهب، وأوفدهم من البلدان إليه لأجله، بحيث إنه أنفق على ذلك مئة ألف دينار، وثلاثة عشر ألف دينار، فاجتمع الخلق العظيم لسماعه عليه، وكتب به نسخة لخزانة المستنجد، وبعث ملوك الأطراف ووزراؤها وعلماؤها، فاستنسخوا لهم نسخًا، ونقلوها إليهم، حتى السلطان نور الدين الشهيد، واشتغل به الفقهاء في ذلك الزمان على اختلاف مذاهبهم، يدرِّسون منه في المدارس والمساجد، ويعيده المعيدون، ويحفظ منه الفقهاء. وله مؤلفات كثيرة غير ذلك، وصنف كتاب "العبادات الخمس" على مذهب الإمام أحمد، وحدث به بحضرة من أئمة المذاهب.
وكان في أول أمره فقيرًا، فاحتاج إلى أن دخل في الخدم السلطانية إلى أن استدعاه المقتفي بالله، وقلده الوزارة، وخلع عليه، وخرج في أبهة عظيمة، ومشى أرباب الدولة وأصحاب المناصب كلهم بين يديه، وهو راكب إلى الإيوان في الديوان، وحضر القراء والشعراء، وكان يومًا مشهودًا، وخوطب: بالوزير
العالم العادل عون الدين جلال الإسلام الصفي الإمام شرف الأنام معز الدولة مجير الملة عماد الأمة مصطفى الخلافة تاج الملوك والسلاطين صدر الشرق والغرب سيد الوزراء ظهير أمير المؤمنين، انتهى.
قال محرر هذه السطور: وحالي صارت كحاله في هذه الحال، فإني كنت إمرأً فقيرًا في أول أمري، واحدًا من الخدم الرياسية [الدولة] منسلكًا في زمرة الإنشاء، ثم في نظارة المدارس إلى أن اقتنت الرئيسة إياي من بينهم لهذا الشأن الذي تراه، وعملت في هذه الحالة تفسيرًا في أربع مجلدات، وأنفقت عليه من المعلوم ما بلغ خمسًا وعشرين ألفًا [ربية]، ولله الحمد.
قال ابن رجب: ولما ولي الوزارة، بالغ في تقريب خيار الناس من المحدِّثين والفقهاء والصالحين، واجتهد في إكرامهم، وإيصال النفع إليهم، وارتفع به أهل السنة غاية الإرتفاع. قال ابن الجوزي: وكان إذا استفاد شيئًا، قال: أفادنيه فلان. وكان بعض الفقراء يقرأ القرآن في داره كثيرًا، فأعجبه، فقال لزوجته: أريد أن أزوجه ابنتي، فغضبت الأم من ذلك.
وكان يقرأ عنده الحديث كل يوم بعد العصر، وكان يكثر مجالسة العلماء والفقراء، وقال: ما وجبت عليَّ زكاة قط. قلت: وفي ذلك يقول بعض الشعراء:
يقولون يحيى لا زكاةَ لمالِه
…
وكيفَ يزكِّي المالَ مَنْ هو باذِلُهْ
إذا دار حولٌ لا يُرى في بيوته
…
من المال إلا ذكرُه وفضائلُهْ
وكان يتحدث بنعم الله تعالى عليه، ويذكر في منصبه شدة فقره القديم، ويجتهد في اتباع الحق، ويحذر من الظلم، ولا يلبس الحرير، وكان مبالغًا في تحصيل التعظيم للدولة العباسية، قامعًا للمخالفين بأنواع من الحيل.
قال صاحب سيرته: وكان لا يلبس ثوبًا يزيد فيه الإبريسم على القطن، فإن شك في ذلك، سل من طاقاته، ونظر هل القطن فيه أكثر أم الإبريسم؟ فإن استويا، لم يلبسه، قال له بعض الفقهاء: يا مولانا! إذا استويا، جاز لبسُه في أحد الوجهين لأصحابنا، فقال: إني لا آخذ إلا بالأحوط. وذكر يومًا بين يديه أنه
كان للصاحب ابن عباد دست من ديباج، فقال: قبيحٌ والله بالصاحب أن يكون له دستٌ من ديباج؛ فإنه وإن كان زينة، فهو معصية ومحنة. وقال ابن الدبيتي في "تاريخه": كان فاضلاً عالمًا عاملًا، ذا رأي صائب، وسريرة صالحة، وكان يقرأ عنده الحديث عليه وعلى الشيوخ بحضوره، ويجري من البحث والفوائد ما يكثر ذكره وكان مقربًا لأهل العلم والدين.
وقال ابن القطيعي: كان جميل المذهب، شديد التظاهر بالسنة، ومن كثرة ميله إلى العمل بالسنة، كان كلما اجتاز في سوق بغداد، قال:"لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير". وللوزير من الكلام الحسن، والفوائد المستحسنة، والاستنباطات الدقيقة من كلام الله ورسوله ما هو كثير جدًا، وله في أصول السنة وذم مَنْ خالفها شيء كثير.
قال ابن الجوزي في "المقتبس": سمعته يقول في قوله تعالى {فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ} [الحجر: 37] ليس هذا بإجابة سؤاله، وإنما سأل الإنظار، فقيل له: كذا قدر، لا أنه جواب سؤالك، لكنه ما فهم، وسمعته يقول في قوله تعالى {حِجَابًا مَسْتُورًا} [الإسراء: 45] أهل التفسير يقولون: ساترًا، والصواب حمله على ظاهره، وأن يكون الحجاب مستورًا عن العيون فلا يرى، وذلك أبلغ. قال: وقد تدبرت قوله تعالى {لَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّه} [الكهف: 39] فرأيت ثلاثة أوجه: أحدها: أن قائلها يتبرأ من حوله وقوته، ويسلم الأمر إلى الله، والثاني: أن يعلم أنه لا قوة للمخلوقين إلا بالله، فلا يخاف منهم؛ إذ قواهم لا تكون إلا بالله، وذلك يوجب الخوف من الله وحده، والثالث: أنه رد على الفلاسفة والطبائعين الذين يدعون القوى في الأشياء بطبعها؛ فإن هذه الكلمة بينت أن القوى لا تكون إلا بالله، وسمعته يقول في قوله تعالى {فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا} [الكهف: 97] قال: التاء من حروف الشدة، تقول في الشيء القريب: ما اسطعته، وفي الشديد: ما استطعته، فالمعنى: ما أطاقوا ظهوره لضعفهم، وما قدروا على نقبه لقوته وشدته.
قال ابن الجوزي: كان الوزير يتأسف على ما مضى من زمانه، ويندم على