الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
465 - محمد بن أبي بكر بنِ أيوبَ، الدرعيُّ، الدمشقيُّ، شمسُ الدين، ابنُ القَيِّم
.
قال ابن رجب: الفقيه الأصولي النحوي المفسر العارف، شمس الدين، أبو عبد الله، شيخُنا، سمع من الشهاب النابلسي، وفاطمة بنت جوهر، وأبي بكر بن عبد الدائم، وجماعة، وتفقه في المذهب، وبرع وأفتى، ولازم الشيخ تقي الدين بن تيمية، وأخذ عنه، وتفنن في علوم الإسلام، وكان عارفًا بالتفسير لا يجارى فيه، وبأصول الدين، وإليه فيها المنتهى، وبالحديث ومعانيه وفقهه، ودقائق الاستنباط منه، لا يلحق في ذلك، وبالفقه وأصوله، وبالعربية، وله فيها اليد الطولى، وبعلم الكلام، وغير ذلك، وكان عالمًا بعلم السلوك، وكلام أهل التصوف وإشاراتهم ودقائقهم، له في كل فن من هذه الفنون اليد الطولى.
وكان ذا عبادة وتهجُّد، وطول صلاة إلى الغاية القصوى، وتألُّهٌ ولهجٌ بذكر، وشغف بالمحبة والإنابة، والافتقار إلى الله تعالى، والانكسار له، والاطراح بين يديه على عتبة عبوديته، لم أشاهد مثلَه في ذلك، ولا رأيت أوسعَ منه علمًا، ولا أعرفَ بمعاني القرآن والسنة وحقائق الإيمان منه، وليس هو بالمعصوم، ولكن لم أر في معناه مثله.
وقد امتحن وأُوذي مرات، وحُبس مع الشيخِ تقي الدين في المرة الأخيرة منفردًا عنه، ولم يُفرج عنه إلا بعد موت الشيخ، وكان مدةَ حبسه مشتغلاً بتلاوة القرآن بالتدبر والتفكر، ففُتح عليه من ذلك خيرٌ كثير، وحصل له جانب عظيم من الأذواق والمواجيد الصحيحة، وتسلط بسبب ذلك على الكلام في علوم أهل المعارف، والدخول في غوامضهم، وتصانيفه ممتلئة بذلك، وحج مرات كثيرة، وجاور بمكة.
قال: ولازمتُ مجالسه قبل موته سنة، وسمعتُ عليه قصيدته النونية الطويلة في السنة، وأشياء من تصانيفه، وغيرها، وأخذ عنه العلمَ خلقٌ كثير من حياة شيخه وإلى أن مات، وانتفعوا به، وكان الفضلاء يعظمونه، ويتلمذون له؛ كابن عبد الهادي، وغيره.
قال القاضي برهان الدين الزرعي: ما تحتَ أديم السماء أوسعُ علمًا منه، صنف في أنواع العلم، وكان شديد المحبة للعلم، وكتابته ومطالعته وتصنيفه، واقتناء كتبه، واقتنى من الكتب ما لم يحصل لغيره، ثم ذكر تصانيفه زيادة على ثلاثين كتابًا، منها:"شرح منازل السائرين"(1)، وكتاب "زاد المعاد"، وكتاب "إعلام الموقعين عن رب العالمين"، وكتاب "حادي الأرواح"، وكتاب "مفتاح دار السعادة" وكتاب "تفضيل مكة على المدينة"، وكتاب "الصراط المستقيم في أحكام أهل الجحيم"، وكتاب "رفع اليدين في الصلاة"، وكتاب "نقد المنقول والمحك المميز بين المردود والمقبول"، قال: توفي رحمه الله ليلة الخميس ثالث عشرين رجب سنة 751، وشيعه خلق كثير، ورئيت له منامات كثيرة حسنة، قال ابن رجب: قرأ عليَّ شيخُنا الإمام العلامة أبو عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب، وأنا أسمع هذه القصيدة من نظمه في أول كتابه "صفة الجنة":
وما ذاكَ إلا غيرةً أن ينالَها
…
سوى كُفْوِها والربُّ بالخلقِ أعلمُ
إلى آخرها، قلت: ولقد لخصت كتابه هذا في صفة الجنة، وفيه هذه القصيدة بتمامها، سميته:"مثير ساكن الغرام إلى روضات دار السلام". والشيخ العلامة ابن رجب ختم كتابه "الطبقات" على ترجمة شيخه ابن القيم، وعلى هذه القصيدة له - رحمه الله تعالى -، وقد أورد في "الطبقات" جماعة عظيمة من أهل الحديث والسنة البالغين إلى درجة الإمامة والاجتهاد، ويعبر عنهم تارة بقوله: كان أثري المذهب، وتارة بقوله: كان على طريقة السلف، وتارة بما في معنى هذه الألفاظ، أخذت منه في هذا المختصر تراجم جمع من المحدثين بالإيجاز، وتركت كثيرًا منهم خشية الإطالة، وبالله التوفيق.
قال العلامة الشوكاني في "البدر الطالع" في ترجمة الحافظ ابن القيم - رحمه الله تعالى -: العلامة الكبير، المجتهد المطلق، ولد سنة 691، قرأ على المجد الحراني، وابن تيمية، ودرَّس بالصدرية، وأمَّ بالجوزية، وأخذ الأصول
(1) الشرح المذكور سماه "مدارج السالكين" وهذا الشرح يفوق على الشروح كلها.
عن الصفي الهندي، وابن تيمية أيضًا، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، واشتهر في الآفاق، وتبحر في معرفة مذاهب السلف، وغلب عليه حب ابن تيمية؛ حتى كان لا يخرج عن شيء من أقواله، بل ينتصر له في جميع ذلك، وهو الذي نشر علمه بما صنفه من التصانيف الحسنة المقبولة، واعتُقل مع ابن تيمية، وأُهين، وطيف به على جمل مضروبًا بالدرة.
فلما مات ابن تيمية، أُفرج عنه، وامتحُن محنة أخرى بسبب فتاوى ابن تيمية، وكان ينال من علماء عصره، وينالون منه.
قال الذهبي في "المعجم المختص": حُبس مدةً لإنكار شد الرحل لزيارة الخليل، ثم تصدر للاشتغال ونشر العلم، ولكنه معجب برأيه جرى على أمور، انتهى.
قلت: بل كان يتقيد بالأدلة الصحيحة، معجبًا بالعمل بها، غيرَ معوِّل على الرأي، صادعًا بالحق، لا يحابي فيه أحدًا، ونعمَتْ تلك الجرأة، وكان مغرًى بجمع الكتب، فحصل منها ما لا يحصى، وله من التصانيف:"الهدي"، و"إعلام الموقعين"، و"بدائع الفوائد"، و"جلاء الأفهام"، و"مصائد الشيطان"، و"الداء والدواء"، و"كتاب الصلاة"، و"كتاب تحفة النازلين بجوار رب العالمين"، و"الصواعق المرسَلَة على الجهمية والمعطلة" في مجلدات، وكتاب "نزهة المشتاقين وروضة المحبين"، وكتاب "اجتماع الجيوش الإسلامية على غزوة الفرقة الجهمية"، و"عدة الصابرين"، و"الفتح القدسي"، و"أقسام القرآن"، و"أيمان القرآن"، وكتاب "إغاثة اللهفان من مصائد الشيطان". ذكر له نعمان ترجمته في "الروضة الغناء"، وقال: الأصولي النحوي المفسر، المفنن في علوم كثيرة، دفن تجاه المدرسة الصابونية، وبني على قبره قبة، انتهى. وقال السخاوي: العلامة الحجة، المتقدم في سعة العلم، ومعرفة الخلاف، وقوة الجنان، ورئيس أصحاب ابن تيمية الإمام، بل هو حسنة من حسناته، والمجمع عليه بين المخالف والموافق، وصاحب التصانيف السائرة، والمحاسن الجمة، انتفع به الأئمة، ودرَّس بأماكن، ثم سرد تصانيفه، فذكر منها اثنين وخمسين