الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ظفر بمبتغاه، وكان ابن سعود يلازم الصلوات في أوقاتها، وذلك شأن غيره من أمراء الوهابية، وقيل: بل قتله عبد القادر المذكور آخذًا بثأر عياله، وقد هلكت بحد السيف حين أخذ عبد العزيز كربلاء. وخلف عبد العزيز ابنه سعود الآتي ذكره، انتهى ما في "الآثار"، وسيأتي له ذكر في غير هذا الموضع من هذا الكتاب، وإنما فرقناه، وإن كان الجمع مناسبًا؛ حفظًا لأخباره عن مؤرخي حاله على حالها.
333 - أبو عبد الله، سعود بن عبد العزيز
(1).
خلف أباه سنة 1803 للميلاد.
قال في "آثار الأدهار": وكان شهمًا، كريمَ النفس، ثابتَ العزم، عاليَ الهمة، وسيمًا، حسنَ البِزَّة، غايةً في الذكاء والاستقامة، أديبًا وقورًا عالمًا، متفننًا، خبيرًا بتقلبات الأيام، شجاعًا مقدامًا، يتجشم صعاب الأمور، ويتحمل هولَ المشاق.
وكان له عند أبيه مكانة أرفعُ من مكانة إخوته، وعقدَ له غيرَ مرة على قيادة للجيش الوهابي، وأنفذه به إلى داني البلاد وقاصيها، فخدمه الحظ، وساعدته الأيام على بلوغ غايته، وكان فيه من التدين والحلم والعدل ما استمال إليه الخاصة والعامة من الناس، فارتفع مقامُه عندهم، وكان صارمًا في إنفاذ الأحكام، يعاقب المجرمين أشدَّ العقاب، وقد جهد وسعَه [على] إبطال الطلاق، وشدد في حفظ فريضة رمضان، ولقي منه مغايرو ذلك عظيم عناء، [و] ظل السعد خادمًا له أيام إمارته، مرافقًا له في دولته إلى أن توفي، فحل البلاء في أهل بيته، وتفرقت كلمتهم.
وكان ذا نعم وافرة، وبيت واسع كثير الحشم، وكان جثيلَ شعر العِذار
(1) هو الإمام سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، خلف أباه، وبدأ حكمه (1218 هـ 1803 م) إلى (1229 هـ 1813 م).
والشارب، سماه أهل الدرعية بأبي الشوارب، ولد له من امرأته الأولى ثمانية بنين، ومن الثانية ثلاثة.
ولما توفي والده عبد العزيز، كان سعود هذا في الحجاز مشتغلاً بمحاربة غالبٍ الشريف، فضيق عليه المسالك، وألزمه التسليم، وكان غالبٌ قد عاد إلى مكة على حين غفلة، وقد حدثته نفسه أن يستأثر بها على رغم من الوهابية، فأحسن سعود معاملته، وقربه منه، ثم غزا بني حرب، وأثخن في بلادهم، ونزل على بلد ينبع، فسلمت له، ثم قصد المدينة المنورة، ونازلها أيامًا، فدخلها، وألزم أهلها الجزية، وجرَّد ضريح النبي صلى الله عليه وسلم مما في خزائنه وذخائره، ونقلها إلى الدرعية، قيل: بلغت مقدار ستين وقر جمل، هكذا فعل أيضًا بضريحي أبي بكر وعمر رضي الله عنهما.
وعقد على المدينة لمزين شيخ بني حرب، وألزم أهلَها الدخول في الدعوة الوهابية، وهمّ سعود بتخريب قبة الضريح النبوي، ولم يفعل، وأمر ألا يحج إلى البيت إلا من كان وهابيًا، وشدَّد بمنع العثمانيين من دخولها، فانقطع الحج بضعة سنين، وتوقف حجاج الشام والعجم عن إتمام فريضتهم؛ مخافةَ إضرار الوهابية بهم (1).
وفي أواخر سنة 1804 أنفذ سعود أبا نقطة شيخَ العسيريين برجالته إلى بلاد صنعاء اليمن، فعاثوا في خلال ديارها، واستباحوا مدينتي "لحيا"، و"حديدة"، ثم عادوا إلى بلادهم، فالتزم حمود - صاحب صنعاء - الدخولَ في الدعوة الوهابية؛ ليأمن شرهم، ودانت لسعود بلاد الحجاز، فنفذ أمره فيها، وانبسطت سطوته على جميع بلاد العرب، إلا حضرموتَ وقسمًا من اليمن، فاتسع نطاق ولايته، وامتدت أرجاؤها.
ثم أنفذ سعود رجالته غيرَ مرة إلى البصرة وما بين النهرين، فأثخنوا في
(1) هذه الأخبار بعيدة عن الصحة، وليست هي إلا من دعابة الأعداء، الّتي أذيعت ضد الموحدين؛ كي ينفر منهم الناس.
البلاد، ونزلوا البصرة، فامتنعت عليهم، ثم سير حرك غلامه إلى صحراء الشام، فأوقع فيها بالعرب، وتعقبهم إلى "حلب"، فعبر بعض رجاله الفرات، ووطئوا الأرض، والنهرين، ودوخوا ديارها، وما بقي بينهم وبين بغداد إلا مسافة قليلة، بأثناء ذلك كانت الحرب منتشبة بين أبي نقطة العسيري، وحمود صاحبِ صنعاء.
وفي سنة 1809 ولي الشام يوسف باشا، فجهد نفسه في محاربة الوهابية، ولم ينجح، وفي هذه السنة أيضًا أتى الخليج العجمي أسطولٌ للإنكليز، ورمى بلد "رأس الخيمة (1) " بالقنابل، فخربها، وكان أهلها، لصوصًا (2) - يقطعون البحر على التجار الإنكليز.
وفي سنة 1810 قصد سعود بلاد الشام بستة آلاف فارس، فأثخن فيها، وخرب 45 بلدًا من حوران، وتوغل في البلاد إلى أن بقي بينه وبين دمشق مسيرة يومين، فخشي أهلُها قدومه، ولم يكن ليوسف باشا - واليها - طاقةٌ في ردعه، إلا أنه ارتد قبل وصوله إليهم غانمًا ظافرًا، وقد بلغه أن بعض مشايخ بلاد حارك تواطؤوا على نبذ طاعته وإثارة الفتن، فعاجلهم الحال ببعض جنده، ودخل بلادهم، واكتسحها، وخرب مدنها وقراها، ودخل بلد حتوة عنوةً، فمكَّن السيف من أهلها كابر وصاغر، وكان عددهم عشرة آلاف نسمة، فلم يسلم منهم أحد.
ولما استفحل أمر الوهابية في أيامه، وتفاقم خطبُهم على البلاد، عمد السلطان محمود خان [العثماني] إلى تنكيلهم، وكف شرهم، فأنفذ أمره إلى محمد علي باشا - خديو مصر - أن يكرههم على إخلاء البلاد الحجازية، ويرفع ولايتهم عنها، فأذعن، وادخر الميرة والعدد، وجهز جيشًا، عقد قيادته لابنه طوسون باشا، وأرسله في أسطول من 28 سفينة من السويس إلى ينبع، فنزلها
(1) هي أخصب منطقة في الساحل المائي، حاكمها الشيخ صفر بن محمد القاسمي 50، وعدد سكانها 40 ألف نسمة تقريبًا.
(2)
الذين يأتون من الخارج هم اللصوص، والحقيقة أن أهلها حاولوا الدفاع عن وطنهم ضد الغزاة المستعمرين الغربيين.
الجيش في تشرين الأول من سنة 1811 [الموافق 1226 هـ]، ثم خرج الجيش من ينبع قاصدًا المدينة المنورة، وفي طريقها استولى على بدر، والصفراء، ثم دهم عبد الله بن سعود وأخوه فيصل هذا الجيش في مضيق الحديدة على نحو مرحلة من المدينة، فأوقعا به، وأكثرا القتل فيه، فانهزم إلى بدر.
وقد غنم الوهابيون العُدَد والميرةَ، وأربعة مدافع، ثم أتى طوسون باشا نجدة، فجدد السير إلى المدينة، ونزل عليها في تشرين الأول سنة 1812، وشدد عليها الحصار، ودخلها عنوة في تشرين الثاني من السنة المذكورة، ومكن السيف من الوهابيين، وأطلق المدينة للنهب، وامتنع بعض الجند في قلعتها، فضيق عليهم، ولما نفد زادهم، استأمنوا إليه، فأمنهم، فخرجوا من القلعة، حتى إذا صاروا على بعد من المدينة، طاردتهم العساكر، وأوقعت بهم، فلم يسلم منهم إلا من ساعده الفرار.
وفي كانون الثاني من سنة 1814 تمكن طوسون باشا من فتح مكة المكرمة، واستولى على جدة والطائف، وجرى بينه وبين الوهابيين مناوشات ومحاربات، انجلى أكثرها عن ظفر الوهابيين، وفي آذار من سنة 1814 استولى المصريون على قنفذة، ولم يلبثوا أن دهمهم فيها الوهابيون، فأجفلوا، وأركنوا إلى الفرار، ودخل الوهابيون البلد، وأعملوا السيف فيها.
وبأثناء ذلك قضي على سعود بن عبد العزيز - المترجَم له - بإثر حمى أصابته، وذلك في الثامن من جمادى الأولى سنة (1229 للهجرة - 28 نيسان سنة 1814 للميلاد)، وله من العمر ثمانٍ وستون سنة.
334 -
[الأمير] عبد الله (1) بن سعود" - المتقدم ذكرُه -.
خلف أباه سنة 1814، وكان شهمًا شجاعًا - اعتمده أبوه في أيامه، وعول
(1) هو الأمير عبد الله بن سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، خلف أباه، وفي معركة الدرعية التاريخية انهزم، وأخذ إلى مصر، ثم إلى إستانبول، وقُتل هناك عند باب همايون، وأتباعه أيضًا قتلوا في نواح أخرى سنة (1233 هـ 1817 م)، وهذه الفاجعة حدثت في دور حكومة السلطان محمود خان الثاني.
عليه في صعاب الأمور، وقد فاق أباه في علو الهمة وشدة البأس، إلا أنه كان أقل عزمًا ونظرًا منه، انشبك في محاربة محمد علي باشا - عزيز مصر -، وكان قد قدم الحجاز يتفقد حالة جيشه، ويأخذ بنصرته، فأثخن في بلاد الحجاز الجنوبية، وتغلب على الوهابية، وأمن الناس من شرهم، ثم عاد العزيز إلى مكة في آذار سنة 1818، عرض على ابن سعود الصلح مشترطًا عليه رد أسلاب الضريح النبوي الشريف، وإن لم يفعل، قصده في جيشه إلى الدرعية، فلم يجبه ابن سعود، بل سار في عرب نجد للقاء طوسون باشا، فإنه كان نازلاً في "خبرة" من القصيم. فنزل هو في شنانة على بعد ساعات من "خبرة"، وقطع المسالك على المصريين، وأحاط بهم، فخشُوا كثرة العدد، ورغبوا في المسالمة، ودسوا إلى ابن سعود في ذلك، فصغى لهم؛ لأنه كان قد أعجزه أمرهم، وانحاز إليهم كثير من قبائل الحجاز ونجد؛ لما بذلوه لهم من المال، فأبرم ابن سعود صلحًا مع طوسون باشا على شروط تقررت بينهما، منها: إخلاء [مكة] من الوهابية، وإباحة الحج لهم بدون معارضة، وإخلاء القصيم من المصريين، ورد مشايخ العرب الذين كانوا قد نبذوا عهده، وانحازوا إلى المصريين، والإقرار بسلطنة السلطان، وغير ذلك، وعاد طوسون باشا بجيشه من "خبرة" إلى الرص، ثم إلى المدينة، فدخلها في أواخر حزيران سنة 1815، ولم يجد أباه فيها، فإنه كان قد عاد إلى مصر لشاغل بدا له فيها، فسار رسولا ابن سعود إلى مصر، ولحقا بالعزيز فيها، وطالبا إليه التوقيع على صك المصالحة، فأبى إلا إعطاء "الأحساء" إلى الدولة، وكانت أجود بلاد الوهابية تربةً، وأوفرها خصبًا، فعاد الرسولان إلى ابن سعود، وأخبراه بما كان، فأنكر على المصريين فعلَهم، وتجهز ثانية لقتالهم، ودامت الحال هذه إلى سنة 1816.
وفي شهر آب من السنة المذكورة: سار إبراهيم باشا بن محمد علي باشا في مقدمة الجيش إلى الحجاز، وبذل وسعه في محاربة ابن سعود، والتغلب على بلاده، فآتاه الله بالفتح، وجرى بين ابن سعود، وإبراهيم باشا عدةُ وقعات انجلت عن انهزام الوهابيين، ومنها وقعة الماوية، حصلت في 12 أيار من سنة 1817،
ووقعة عنيزة، والشقراء في 14 كانون الثاني من سنة 1818، ثم ضرمة، ثم الدرعية، وتدخر ابن سعود الميرة والعدد في الدرعية، وتحصن بها، فنزل عليها إبراهيم باشا، وأقام على حصارها مدة إلى أن تم له فتحها، فدخلها، وقبض على ابن سعود، وأهل بيته، فلم يفلت منهم سوى ابنه تركي.
وقال بعضهم: إن ابن سعود لما يئس من النجاة، وقد دهم الدرعية الخراب، من قنابر وكرات المصريين مدةَ الحصار، أرسل يستأمن إلى إبراهيم باشا، فأمنه، وكان ذلك في الثامن من ذي القعدة سنة (1244 هجرية - 19 أيلول سنة 1818 ميلادية)، فأتى ابن سعود إبراهيم باشا، وسلم عليه، وطلب منه أن يمهله إلى الغد، فأمهله، وأحسن معاملته، وبالغ في إكرامه، وفي الغد عاد إليه قيامًا بحق كلمته، ورضي بالمسير إلى مصر إجابة لأمر السلطان، فسار ابن سعود إلى مصر في خفر من الجند في 14 ذي القعدة، ووصلها في 18 من المحرم، فأكرمه محمد علي باشا عزيزُ مصر، وألبسه خلعة، ثم أنفذه إلى الآستانة العلية، فبلغها في 17 صفر 16 كانون الأول من السنة المذكورة، فشوهر، وأميت صبرًا، هو وسري خزنداره، وعبد العزيز بن سلمان كاتبه، انتهى.
335 -
[الإمام شيخ الإسلام] محمد بن عبد الوهاب (1)[رحمه الله].
قال كرنيل يوسف قنديك الأميركاني في كتابه "المرآة الوضية في الكرة الأرضية" في الفصل الرابع - في بلاد العرب - في صفحة 226، ما لفظه:
(1) الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب بن سليمان بن علي بن محمد بن أحمد بن راشد بن بريد بن مشرف، ولد سنة (1115 هـ 1703 م)، ببلدة العيينة، قاعدة إمارة آل معمر، الذين كانوا تحت نفوذ حاكم "الأحساء" سليمان بن محمد بن عزيز الحميدي، والشيخ عبد الوهاب - أبو الشيخ محمد - كان قاضي البلدة. الشيخ محمد نشأ هناك. وبدأ يتعلم على أبيه، وحفظ القرآن قبل السنة العاشرة، ومن جملة أشياخه الشيخ محمد حياة السندي، درس عليه أيامه في الفترة التي كان إقامته بالمدينة المنورة سنة (1165 هـ 1751 م)
وفي أوائل هذا القرن قويت الطائفة الوهابية، وهي منسوبة إلى رجل من تميم، يقال له: محمد بن عبد الوهاب سكن في الدرعية بنجد.
وكان يومئذ سعود (1) بن عبد العزيز العنزي - من ربيعة الفرس - شيخَ البلد، ومحمد بن عبد الوهاب من المساليخ، من ولد علي (2)، ولهذه القبيلة بواقي في نواحي زبيد على خليج المعجم، فاتفق سعود مع ابن عبد الوهاب على إذاعة تعاليمه، وكان ذلك (3) نحو سنة 1760 مسيحية، وقام بعده عبد العزيز بن سعود (4)، واستظهر على كتيبتين أرسلهما إليه وزير بغداد، وظفر بجيش عظيم تحت راية زيد بن مساعد شريف مكة سنة 1794، وقوي هذا الحزب في العراق، واستولى على مسجد علي، وأخربه.
وفي سنة 1804 بعث عبد العزيز بابنه سعود، ومعه 12000 رجل، فاستملك الطائف ومكة، ثم تقدم إلى جدة، وحاصرها، وهناك بلغه خبر وفاة أبيه، فرجع إلى الدرعية، وفي سنة 1804 رجع إلى الحجاز، وأخذ المدينة المنورة، وتسلط على تلك الأطراف إلى سنة 1815، فنهض لطرده إبراهيم باشا - صاحب مصر -، وانتصر عليه في وقائع عديدة إلى أن أخرجه من الحجاز.
ومات (5) سعود في الدرعية بمرض الحمى - وقد ناهز الخمسين من عمره -، ولم يزل نسله متسلطًا على نجد وما يليها إلى الآن، وقصبتهم مدينة "الرياض"
(1) هو الأمير محمد بن سعود، وليس كما ذكره المؤلف.
(2)
أبو جد الشيخ محمد، اسمه: علي بن محمد.
(3)
بايع الأمير محمد بن سعود، الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، على نصرة الدين والجهاد في سبيله، وإقامة الشريعة الإسلامية، والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، سنة (1158 هـ 1745 م).
(4)
تولى الإمام عبد العزيز بن محمد بن سعود بعد وفاة أبيه سنة 1179 هـ 1765 م.
(5)
توفي الإمام، "سعود" بن عبد العزيز بن سعود بن محمد بن سعود سنة (1229 هـ 1814 م).