الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
119 - الإمام أبو حنيفة، النعمانُ بنُ ثابتٍ رضي الله عنه ابنِ زوطي بنِ ماه، مولى تيمِ الله بنِ ثعلبة، وهو من رهط حمزة الزيات
.
كان خزازًا - يبيع الخز -، وجده زوطي من أهل كابل، وقيل: من أهل بابل، وقيل: من أهل الأنبار، وقيل: من أهل نَسا، وقيل: من أهل ترمذ، وهو الذي مسَّه الرق، فأُعتق، وولد ثابت على الإسلام.
وقال إسماعيل بن حماد بن أبي حنيفة: أنا من أبناء فارس من الأحرار، والله! ما وقع علينا رَقٌّ قطُّ، ولد جدي سنة 80، وذهب ثابت إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو صغير، فدعا له بالبركة فيه وفي ذريته، ونحن نرجو أن يكون الله تعالى قد استجاب ذلك لِعَلِيّ فينا.
قال الخطيب في "تاريخه" - والله أعلم -: أدرك أبو حنيفة أربعةً من الصحابة، وهم: 1 - أنس بن مالك بالبصرة، 2 - وعبد الله بن أبي أوفى بالكوفة، 3 - وسهل بن سعد الساعدي بالمدينة، 4 - وأبو الطفيل عامر بن واثلة بمكة. ولم يلق أحدًا منهم، ولا أخذ عنه. وأصحابه يقولون: لقي جماعة من الصحابة، وروى عنهم، ولم يثبت ذلك عند أهل النقل، وذكر الخطيب في "تاريخ بغداد": أنه رأى أنس بن مالك، وأخذ الفقه عن حماد بن سليمان، وسمع عطاء بن أبي رباح، وأبي إسحاق السَّبيعي، ومحارب بن دثار، والهيثم بن حبيب الصراف، ومحمد بن المنكدر، ونافعًا مولى عبد الله بن عمر رضي الله عنهم، وهشام بن عروة، وسِماكَ بن حرب، وروى عنه: عبد الله بن المبارك، ووكيع بن الجراح، والقاضي أبو يوسف، ومحمد بن الحسن الشيباني، وغيرهم.
وكان عالمًا عاملًا زاهدًا عابدًا ورعًا تقيًا؛ كثيرَ الخشوع، دائمَ التضرع إلى الله تعالى، وأراد أبو جعفر المنصور أن يوليه القضاء، فحلف ألا يفعل، فأمر به إلى الحبس. وكان يزيد بن عمر بن هبيرة الفزاري أميرَ العراقين أراده أن يلي القضاء بالكوفة أيام مروان بن محمد آخرِ ملوك بني أمية، فأبى عليه، فضربه مئة سوط وعشرة أسواط، كل يوم عشرة أسواط، وهو على الامتناع، فلما رأى ذلك، خلَّى سبيله.
وكان أحمد بن حنبل إذا ذكر ذلك، بكى، وترحم على أبي حنيفة، وذلك بعد أن ضُرب أحمد على القول بخلق القرآن.
وكان أبو حنيفة حسنَ الوجه، حسنَ المجلس، شديدَ الكرم، حسنَ المواساة لإخوانه، وكان ربعةً من الرجال؛ وقيل: كان طوالًا تعلوه سمرة، أحسنَ الناس منطقًا وأحلاهم نغمة. وذكر الخطيب في "تاريخه": إن أبا حنيفة رأى في المنام: كأنه ينبش قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبعث مَنْ سأل ابنَ سيرين، فقال: صاحب هذه الرؤيا يثور علمًا لم يسبقه إليه أحد قبله.
قال الشافعي: قيل لمالك: هل رأيت أبا حنيفة؟ فقال: نعم! رأيت رجلًا لو كلمته في هذه السارية أن يجعلها ذهبًا، لقام بحجته. وقال الشافعي: من أراد أن يتبحَّر في الفقه، فهو عيال على أبي حنيفة، وكان أبو حنيفة ممن وفق له الفقه.
وقال جعفر بن ربيع: أقمت على أبي حنيفة خمس سنين، فما رأيت أطولَ صمتًا منه، فإذا سئل عن الفقه، تفتح وسال كالوادي، وسمعت له دويًا وجهارةً في الكلام، وكان إمامًا في القياس. وقال علي بن عاصم: دخلت على أبي حنيفة وعنده حجام يأخذ من شعره، فقال للحجام: تتبع مواضع البياض، فقال الحجام: ولا تزد، فقال: ولم؟ قال: لا يكثر؛ قال: فتتبعْ مواضعَ السواد لعله يكثر، وحكيت لشريك هذه الحكاية، فضحك، وقال: لو ترك أبو حنيفة قياسه، لتركه مع الحجام.
وقال ابن المبارك: قلت لسفيان الثوري: يا عبد الله! ما أبعد أبا حنيفة عن الغيبة! ما سمعته يغتاب عدوًا له قط، فقال: هو أعقل من أن يسلط على حسناته ما يذهبها، ومناقبه وفضائله كثيرة، وقد ذكر الخطيب في "تاريخه" منها شيئًا كثيرًا، ثم أعقب ذلك بذكر ما كان الأليق تركه والإضراب عنه، فمثل هذا الإمام لا يشك في دينه، ولا في ورعه وبحفظه، ولم يكن يُعاب بشيء سوى قلة العربية.
ولد سنة 80، وتوفي سنة 150، وكانت وفاته ببغداد في السجن ليليَ القضاء فلم يفعل، هذا هو الصحيح. وقيل: إنه لم يمت في السجن، وقيل: توفي في