الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال الذهبي: غلب عليه الوسواس في المياه والنجاسة، وله في ذلك حكايات وأخبار تخرج بها أئمة، وكان لا يسلك المراء في بحثه، بل يتكلم بكلمات يسيرة بسكينة، ولا يراجع. قال الحلبي: كان حافظًا للحديث وعلومه، يُضرب به المثل في ذلك، وكان آية في الإتقان. قال ابن الزملكاني: إمامُ الأئمة في فنه، وعلامةُ العلماء في عصره، بل ولم يكن من قبله من سنين مثلُه في العلم والدين، والزهد والورع، تفرد في علوم كثيرة، وكان يعرف التفسير والحديث، ويحقق المذهبين - يعني: مذهب مالك، والشافعي -، ويعرف الأصلَين، وكان السلطان لاجين ينزل له عن سريره، ويقبل يديه. قال ابن سيد الناس: له تخلق وبكرامات الصالحين تحقق، وبعلامات العارفين تعلق، ولو لم يدخل في القضاء، لكان ثوريَّ زمانه، وأوازعيَّ أوانه. قال ابن حجر: واستمر فيه إلى أن مات سنة 704 - رحمه الله تعالى -.
487 - محمد بن محمد بن عبدِ اللهِ، الخيضريُّ
.
ولد سنة 821 ببيت المقدس، ونشأ بدمشق، وأخذ عن جماعة، وسمع الحديث من مشايخ بلده، والقادمين إليها، وتدرب بالحافظ ابن ناصر، ثم ارتحل إلى القاهرة، فسمع من ابن حجر، له مصنفات، منها:"البرق اللموع لكشف الحديث الموضوع". ترجمه السخاوي ترجمة طويلة كلُّها ثلبٌ وشتم؛ كعادته في أقرانه، ومن أعجب ما رأيته فيها من التعصب: أنه قدح في مؤلفات الخيضري، ثم قال: إنه ما رآها، وهذا غريب. ولعل موته بعد كمال المئة التاسعة، انتهى ما في "البدر الطالع".
488 - محمد بنِ محمدِ بنِ محمدٍ، المعروفُ بابنِ سيد الناس، الإمامُ، العالمُ، الحافظُ، المحدِّثُ، فتحُ الدين، أبو الفتح اليعمريُّ
.
سمع وقرأ، وارتحل وكتب، وحدث وأجاز، قال في "آثار الأدهار" كان إمامًا محدثًا حافظًا فصيحًا، وهو من بيت علم، أجاز له جماعة من الشيوخ، له كتاب:"المنقح الشذي في شرح الترمذي"، وكان ينظم الشعر، وله فيه حسنات، انتهى. ولد في سنة 671، وهو من بيت رئاسة بإشبيلية، قال الذهبي:
لعل مشيخته يقاربون الألف. قال الصلاح الكتبي: وكان عنده كتب كبار، وأمهات جيدة، وشعره رقيق، سهلُ التركيب، منسجمُ الألفاظ، عذبُ النظم بلا كلفة، ومن شعره:
عَهدي به والبينُ ليس يَروعُه
…
صَبٌّ براهُ نُحولُه ودموعُه
لا تطلبوا في الحبِّ ثأرَ مُتَيَّمٍ
…
فالموتُ من شرعِ الغرامِ شروعُه
عن ساكنِ الوادي سَقَتْه مدامعي
…
حَدَّثْ حديثًا طابَ لي مسموعُه
أفد الذي عَنَتِ الوجوهُ لحبِّهِ
…
إذ حلَّ معنى الحسن فيه جميعُه
البدرُ من كَلَفٍ بهِ كَلِفٌ به
…
والغصنُ من عَطْفٍ عليه خضوعُه
أَهواهُ معسولَ المراشِفِ واللَّمى
…
حلُو الحديثِ ظريفُه مطبوعُه
دارتْ رحيقُ لِحاظِه، فلنا بها
…
سكرٌ يجلُّ عنِ المُدامِ صنيعُه
يَجْني فاضم (1) عَتْبَهُ فإذا بَدَا
…
فجمالُه مِمَّا جناهُ شفيعُه
انتهى.
قال البرزالي: كان أحدَ الأعيان إتقانًا وحِفظًا للحديث، وتفهمًا في عِلَله وأسانيده، عالمًا بصحيحه وسقيمه، مستحضرًا للسيرة، له الشعرُ الرائق، والنثرُ الفائق، وكان مُحِبًا لطلبة الحديث، ولم يخلف في مجموعه مثله، له تصانيف، منها:"السيرة النبوية"(2)، و"شرح الترمذي".
قال الصفدي: أقمت عنده بالظاهرية قريبًا من سنتين، فكنت أراه يصلي كل صلاة مرات كثيرة، فسألته عن ذلك، فقال: خطر لي أن أصلي كل صلاة مرتين، ففعلت، ثم ثلاثًا، ففعلت، وسهل علي، ثم أربعًا ففعلت، قال: وأشك هل قال: خمسًا؟ انتهى.
قال الشوكاني: وهذا وإن كان فيه الاستكثار من الصلاة التي هي خير موضوع، وأجر مرفوع، ولكن الأولى أن يتعود النوافل بعد الفرائض على غير
(1) كذا في المطبوع.
(2)
طبعت السيرة باسم: "عيون الأثر في فنون المغازي والشمائل والسير"، في جزأين، ص 668، بالقاهرة 1356 هـ.