الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فخرج إليهم، وقال: لولا أن في منزلي من هو أبغضُ إليَّ منكم، ما خرجتُ إليكم. وقال له داود بن عمر الحائك: ما تقول في الصلاة خلف الحائك؟ فقال: لا بأس بها على غير وضوء، فقال له: ما تقول في شهادة الحائك؟ فقال: تقبل مع عدلين.
ويقال: إن الإمام أبا حنيفة رحمه الله عاده يومًا في مرضه، فطوَّل القعودَ عنده، فلما عزم على القيام، قال له: ما كأني إلا ثقلت عليك، فقال: والله! إنك لثقيلٌ عليّ وأنت في بيتك. وعاده أيضًا جماعة، فأطالوا الجلوس عنده، فضجر منهم، فأخذ وسادته وقام، وقال: شفى الله مريضَكم بالعافية. وقيل عنده يومًا: قال صلى الله عليه وسلم: "من نام عن قيام الليل، بال الشيطان في أذنه"، فقال: ما عمشت عيني إلا من بول الشيطان في أذني. وكانت له نوادر كثيرة.
وقال أَبو معاوية الضرير: بعث هشامُ بنُ عبد الملك إلى الأعمش أن: اكتبْ لي مناقبَ عثمان، ومساوىء علي بن أبي طالب، فأخذ الأعمشُ القرطاس في فم شاة، فلاكَتْها، وقال لرسوله: قل له: هذا جوابك، فقال له الرسول: إنه قد آلى أن يقتلني إن لم آتِه بجوابك، وتحمل عليه بإخوانه، فقالوا له: يا أبا محمد! نَجِّه من القتل، فلما ألحوا عليه، كتب له: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، أما بعد: يا أمير المؤمنين! فلو كانت لعثمان مناقبُ أهل الأرض، ما نفعتك، ولو كانت لعلي رضي الله عنه مساوىء أهل الأرض، ما ضرتك، فعليك بخوَيِّصة نفسك، والسلام.
مولده سنة 60 للهجرة، وتوفي سنة 148 في شهر ربيع الأول، قال زائدة بن قدامة: تبعتُ الأعمشَ يومًا، فأتى المقابرَ، فدخل في قبر محفورٍ، فاضطجعَ فيه، ثم خرج منه وهو ينفضُ التراب عن رأسه، ويقول: واضيقَ مسكناه!
31 - أَبو داود، سليمانُ بنُ الأشعث بن إسحق بن بشير بن شداد بن عمرو بن عمران، الأزديُّ السجستانيُّ
.
أحدُ حفاظ الحديثِ وعلمِه وعللِه، وكان في الدرجة العالية من النسك والصلاح، طوَّف البلاد، وكتب عن العراقيين، والخراسانيين، والشاميين،
والمصريين، والجزريين، وجمعَ كتاب "السنن" قديمًا، وعرضه على الإمام أحمد بن حنبل رح، فاستجاده، واستحسنه، وعدَّه الشيخ أَبو إسحق الشيرازيُّ في "طبقات الفقهاء" من جملة أصحاب الإمام أحمد بن حنبل.
وقال إبراهيم الحربي لما صنف أَبو داود كتابَ "السنن": أُلين لأبي داودَ الحديثُ كما أُلين لداود الحديد، وكان يقول: كتبتُ عن رسول الله صلى الله عليه وسلم خمس مئة ألف حديث، انتخبتُ منها ما ضمَّنته هذا الكتابَ؛ يعني:"السنن"، جمعت فيه أربعة آلاف وثمانَ مئة حديث، ذكرت الصحيحَ وما يشبهه ويقاربه، ويكفي الإنسانَ لدينه من ذلك أربعةُ أحاديث.
1 -
أحدها: قولُه صلى الله عليه وسلم: "إنما الأعمال بالنيات".
2 -
والثاني: قوله "من حُسْنِ إسلام المرء تركُه ما لا يعنيه".
3 -
الثالث: قوله: "لا يكون المؤمن مؤمنًا حتى يرضى لأخيه ما يرضاه لنفسه".
4 -
والرابع: قولُه: "الحلالُ بَيِّنٌ، والحرامُ بينٌ، وبينَ ذلك أمورٌ مشتبهات" الحديث بكماله.
وجاء سهلُ بنُ عبدِ الله التُّسْتَريُّ، فقيل له: يا أبا داود! هذا سهلُ بنُ عبد الله قد جاءك زائرًا، قال، فرحَّبَ به وأجلَسَه، فقال له: يا أبا داود! لي إليك حاجة، قال: وما هي؟ قال: حتى تقولَ: قضيتُها مع الإمكان، قال: قد قضيتُها مع الإمكان، قال: أخرج لسانَك الذي حدَّثْتَ به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أُقبله، قال: فأخرج لسانه، فقبله.
وكانت ولادته في سنة 202، وقدم بغداد مرارًا، ثم نزل إلى البصرة، وسكنها، وتوفي بها يوم الجمعة منتصفَ شوال سنة 275 رحمه الله.
وكان ولده أَبو بكر، عبدُ الله بنُ أبي داود سليمان من أكابرِ الحفاظ ببغداد، عالمًا متفَقًا عليه إمامٌ بنُ إمام، وله كتاب "المصابيح"، وشارك أباه في شيوخه بمصر والشام، وسمع ببغداد، وخراسان، وأصبهان، وسجستان، وشيراز.