الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
73 - الإمام أبو عبد اللَّه، مالكُ بنُ أبي عامرِ بنِ عمرِو بنِ الحارث، الأَصْبَحيُّ، المَدَنيُّ، إمامُ دار الهجرة، وأحدُ الأئمة الأعلام
.
أخذ القراءة عرضًا عن نافع بن أبي نعيم، وسمع الزهري، ونافعًا مولى ابن عمر، وروى عنه: الأوزاعي، ويحيى بن سعيد، وأخذ العلم عن ربيعة الرأي، وأفتى معه عند السلطان، وقال مالك: قلَّ رجلٌ كنت أتعلَّمُ منه ما مات حتى يجيئني ويستفتيني.
وكان مالك إذا أراد أن يحدث: توضأ، وجلس على صدر فراشه، وسرَّحَ لحيته، وتمكن في جلوسه بوقار وهيبة، ثم حدَّث، فقيل له في ذلك، فقال: أحبُّ أن أُعَظِّم حديثَ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم، ولا أحدث به إلا متمكنًا على طهارة.
وكان يكره أن يحدث على الطريق، أو قائمًا، أو مستعجلًا، ويقول: أحبُّ أن أتفهم ما أحدِّثُ به عن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم.
وكان لا يركب في المدينة، مع ضعفه وكبر سنه، ويقول: لا أركب في مدينة فيها جثةُ رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم مدفونة.
وكان يأتي المسجدَ ويشهد الصلوات والجمعة والجنائز، ويعود المرضى، ويقضي الحقوق، ويجلس في المسجد، ويجتمع إليه أصحابه، ثم ترك الجلوس في المسجد، فكان يصلي وينصرف إلى مجلسه، وترك حضورَ الجنائز، فكان يأتي أهلها فيعزيهم، ثم ترك ذلك كله، فلم يكن يشهد الصلوات في المسجد، ولا الجمعة، ولا يأتي أحدًا يعزيه، ولا يقضي له حقًا، واحتمل الناس له ذلك حتى مات.
وكان ربما قيل له في ذلك، فيقول: ليس كل الناس يقدر أن يتكلم بعذره. وسعي به إلى جعفر بن سليمان بن علي بن عبد اللَّه بن عباس رضي الله عنهما، وهو عم أبي جعفر المنصور، وقالوا له: لا يرى أيمانَ بيعتِكم هذه بشيء، فغضب جعفر، ودعا به وجرده، وضربه بالسياط، ومدت يده حتى انخلعت كتفه، وارتكب منه أمرًا عظيمًا، فلم يزل بعد ذلك الضرب في علو ورفعة، وكأنما كانت تلك السياط حليًا حُلِّي به.
وذكر ابن الجوزي في "شذور العقود"، في سنة 147: وفيها ضُرب مالك بن أنس سبعين سوطًا؛ لأجل فتوى لم توافق غرضَ السلطان، واللَّه أعلم.
كانت ولادته في سنة خمس وتسعين للهجرة، وحُمل به ثلاث سنين، وتوفي في شهر ربيع الأول سنة 179 رضي الله عنه، فعاش أربعًا وثمانين سنة.
قال الواقدي: مات وله تسعون سنة. وقال ابن الفرات في "تاريخه" المرتب على السنين: توفي مالك بن أنس الأصبحي لعشر مضين من ربيع الأول سنة 179.
وقيل: إنه توفي في سنة 178، وقيل: إن مولده سنة تسعين للهجرة. وقال السمعاني في كتاب "الأنساب": إنه ولد في سنة ثلاث، أو أربع وتسعين، واللَّه أعلم.
وحكى الحافظ أبو عبد اللَّه الحميدي في كتاب "جذوة المقتبس"، قال: حدث القَعْنبيُّ، قال: دخلتُ على مالك بن أنس في مرضه الذي مات فيه، فسلمتُ عليه، ثم جلست، فرأيته يبكي، فقلت: يا أبا عبد اللَّه! ما الذي يُبكيك؟ فقال لي: يا بن قعنب! وما لي لا أبكي؟ ومن أحقُّ بالبكاء مني؟ واللَّه! لوددتُ أني ضُربت بكل مسألة أفتيت فيها برأيي بسوط سوط، وقد كانت لي السعة فيما قد سبقت إليه، وليتني لم أفت برأيي، أو كما قال.
وكانت وفاته بالمدينة - على ساكنها أفضل الصلاة والسلام - ودفن بالبقيع.
وكان شديدَ البياض إلى الشقرة، طويلًا، عظيمَ الهامة، أصلعَ، يلبس الثياب العدنيةَ الجيادَ، ويكره حلقَ الشارب، ويعيبه، ويراه من المُثْلَة، ولا يغير شيبه.
ورثاه أبو محمد جعفر بن أحمد بن الحسين السراج، بقوله:
سقى جَدَثًا ضَمَّ البقيع لمالك
…
مِنَ المُزْنِ مِرْعادُ السَّحائِبِ مِبْراقُ
إمامٌ مُوَطَّاهُ الذي طبقتْ به
…
أقاليمُ في الدنيا، فِساحٌ وآفاقُ
أقامَ به شرعَ النبيِّ محمدٍ
…
له حذرٌ من أن يُضام وإشفاقُ
له سَنَدٌ عالٍ صحيحٌ وهيبةٌ
…
فللكلِّ منه حينَ يرويه إطراقُ