الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ووصل إلى صنعاء، وأخذ عني في فنون الحديث، ثم انتقل إلى رحمة الله تعالى في رجب سنة 1223، انتهى.
463 - محمد بن أحمد، الشاطبيُّ، الصنعانيُّ
.
ولد تقريبًا سنة 1210، وقرأ على المشايخ في الآلات والحديث، وله قراءة عليَّ في "السيل الجرار".
وهو قوي الفهم، صحيح التصور، من عباد الله الصالحين، ومن العاملين بالأدلة، الماشين على الطريقة النبوية، المؤثرين لها على الرأي، وكذلك والده العالم الفاضل الزاهد العابد - أكثر الله في أهل العلم من أمثالهما -. وقرأ عليّ أيضًا في مؤلفي "نيل الأوطار"، و"فتح القدير"، و"إرشاد الفحول"، وفي غير ذلك، وحصلها بخطه، وفي كثير من مجاميع الحديث من الأمهات وغيرها، وهو الآن من أكابر العلماء، ومحاسن الفضلاء، وله سماع عليَّ في دواوين الإسلام سماعًا محققًا، مع معرفة تامة بعلم السنة، وحفظ لها، ومعرفة حالها، والحاصل: أنه الآن من أفراد علماء صنعاء ومحققيهم.
464 - السيد محمد بنُ إسماعيلَ بنِ صلاح، الأميرُ الكحلانيُّ، ثم الصنعانيُّ
.
قال في "البدر الطالع": الإمام الكبير، المجتهد المطلق، ولد سنة 1099 بكحلان، ثم انتقل مع والده إلى مدينة صنعاء، وأخذ عن علمائها، ورحل إلى مكة، وقرأ الحديث على أكابر علمائها، وعلماء المدينة، وبرع في جميع العلوم، وفاق الأقران، وتفرد برئاسة العلم في صنعاء، وتظهر بالاجتهاد، وعمل بالأدلة، ونفر عن التقليد، وزيف ما لا دليل عليه من الآراء الفقهية، وجرت له مع أهل عصره خطوب ومحن، وحفظه الله من كيدهم ومكرهم، وكفاه شَرَّهم، وولاه الإمام المنصور الخطابة بجامع صنعاء، واستمر ناشرًا للعلم تدريسًا وإفتاء وتصنيفًا، وكانت العامة ترميه بالنصب، مستدلين على ذلك بكونه عاكفًا على الأمهات، وسائر كتب الحديث، عاملاً بما فيها، ومن صنع هذا الصنعَ، رمته العامة بذلك، ولا سيما إذا تظهر بفعل شيء من سنن الصلاة؛ كرفع اليدين وضمهما، ونحو ذلك؛ فإنهم ينفرون عنه، ويعادونه، ولا يقيمون له وزنًا،
وليس الذنب معاداة لمن كان كذلك للعامة الذين لا تعلق لهم بشيء من المعارف العلمية، فإنهم أتباع كل ناعق، إذا قال لهم مَنْ له هيئةُ أهلِ العلم: إن هذا الأمر حق، قالوا: حق، وإن قال: باطل، قالوا: باطل، إنما الذنب لجماعة قرؤوا شيئًا من كتب الفقه، ولم يمعنوا فيها، ولا عرفوا غيرها، فظنوا - لقصورهم - أن المخالفة لشيء منها مخالفة للشريعة، بل لقطعي من قطعياتها، مع أنهم يقرؤون في تلك الكتب مخالفة أكابر الأئمة وأصاغرهم لما هو مختار لمصنفها، ولكن لا يعقلون حقيقة، ولا يهتدون إلى طريقة، بل إذا بلغ بعض معاصريهم إلى رتبة الاجتهاد، وخالف شيئًا باجتهاده، جعلوه خارجًا عن الدين، والغالب عليهم أن ذلك ليس لمقاصد دينية، بل لمنافع دنيوية تظهر لمن تأملها، وهي أن يشيع في الناس أن من أنكر على أكابر العلماء ما خالف المذهب من اجتهاداتهم، كان من خلص الشيعة، أو تكون تلك الشهرة مفيدة في الغالب لشيء من منافع الدنيا وفوائدها، فلا يزالون قائمين وثائرين في تخطئة أكابر العلماء، ورميهم بالنصب، ومخالفة أهل البيت، فتسمع ذلك العامة، فتظنه حقًا، وتعظم ذلك المنكر؛ لأنه قد نفق على عقولها صدقُ قوله، وظنوه من المحامين عن مذاهب الأئمة، ولو كشفوا عن الحقيقة، لوجدوا ذلك المنكر هو المخالف لمذهب الأئمة من أهل البيت، بل الخارج عن إجماعهم؛ لأنهم جميعًا حرموا التقليد على من بلغ رتبة الاجتهاد، وأوجبوا عليه أن يجتهد رأي نفسه، ولم يخصوا ذلك بمسألة دون مسألة، ولكن المتعصب أعمى، والمقصر لا يهتدي إلى الصواب، ولا يخرج عن معتقده إلا إذا كان من ذوي الألباب، مع أن مسألة تحريم التقليد على المجتهد هي محررة في الكتب التي هي [في] مدارس صغار الطلبة، فضلاً عن كبارهم.
قال: وقد كان كثيرٌ [من] أتباع صاحب الترجمة من الخاصة والعامة، وعملوا باجتهاده، وتظهروا بذلك، وقرؤوا عليه كتب الحديث، وما زال ناشرًا لذلك في الخاصة والعامة، غيرَ مُبال بما يتوعده به المخالفون له، ووقعت في خلال أثناء ذلك فتن كبار وقاه الله شرها، وله مصنفات حافلة جليلة، منها:"سبل السلام" اختصره من "البدر التمام" للمغربي، ومنها:"منحة الغفار" جعلها حاشية على
"ضوء النهار" للجلال، ومنها:"العدة" جعلها حاشية على "شرح العمدة" لابن دقيق العيد، ومنها: شرح التنقيح في علوم الحديث". قال: وله مصنفات غير هذا، وقد أفرد كثيرًا من المسائل بالتصنيف بما يكون جمعه في مجلدات، وله شعر فصيح منسجم، وغالبه في المباحث العلمية، والتوجع من أبناء عصره والردود عليهم. وبالجملة: فهو من الأئمة المجددين لمعالم الدين. وقد رأيته في المنام في سنة 1206 وهو يمشي راجلا وأنا راكب في جماعة معي، فلما رأيته، نزلت فسلمت عليه، فدار بيني وبينه كلام حفظت منه، قال لي: دقق الإسناد، وتأنق في تفسير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخطر ببالي عند ذلك أنه يشير إلى ما أصنعه في قراءة "البخاري" في الجامع، وكان يحضر تلك القراءة جماعة من العلماء، ويجتمع من العوام عالَم لا يُحْصَون، فكنت في بعض الأوقات أفسر الألفاظ الحديثية بما يفهمه أولئك العوام الحاضرون. فاردت أن أقول: إنه يحضر جماعة لا يفهمون بعض الألفاظ العربية، فبادرني، وقال قبل أن أتكلم: قد علمتُ أنه يقرأ عليك جماعة، وفيهم عامة، ولكن دقق الإسناد، وتأنق في تفسير كلام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم سألته عند ذلك عن أهل الحديث ما حالهم في الآخرة؟ فقال: بلغوا بحديثهم الجنة، أو بلغوا بحديثهم بين يدي الرحمن، - الشك مني -، ثم بكى بكاء عاليًا، وضمني إليه، وفارقني، فقصصت ذلك على بعض من له يدٌ في التعبير، وسألت عن تعبير البكاء والضم؟ فقال: لا بد أن يجري لك شيء مما جرى له من الامتحان، فوقع من بعد ذلك بعد تلك الرؤيا عجائبٌ وغرائب - كفى الله شرها -. وتوفي - رحمه الله تعالى - ثالث شعبان سنة 1182، ونظم بعضهم فكان هكذا: ع * محمدٌ في جِنانِ الخلد قد نَزَلا *، ورثاه شعراء العصر، وتأسفوا عليه.
وله تلامذة نبلاء علماء مجتهدون، منهم: السيد العلامة عبد القادر الكوكباني، والقاضي أحمد قاطن، والعلامة أحمد بن أبي الرجال، وغيرهم ممن لا يحيط به الحصر، ووالدُه كان من الفضلاء الزاهدين في الدنيا، الراغبين في العمل، وله عرفان وشعر جيد، مات سنة 1142، وكان ولده هذا - صاحب الترجمة - إذ ذاك بشهارة، انتهى حاصله.