الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان أثريًا على مذهب السلف، متبعًا للدليل، طارحًا للقال والقيل، ذكر في "النفس اليماني"، وأثنى عليه بمحاسن المباني.
527 - القاضي العلامةُ عزُّ الإسلام، محمدُ بنُ إسماعيلَ بنِ أحمدَ، الربعيُّ - رح
-.
أَلْمَعِيٌّ يَرى بأولِ رأي
…
آخرَ الأمرِ من وراءِ المغيبِ
لَوْذعِيٌّ له فؤادٌ ذَكِيٌّ
…
ما لَه في ذكائه من ضَريبِ
لا يروي ولا يقلِّبُ كَفًّا
…
وأَكُفُّ الرجالِ في تَقليبِ
كان من أعيان العلماء، والجهابذة النبلاء، له إجازة من العلامة عبد الخالق المزجاجي، قرأ عليه من الحديث كثيرًا، منها "سنن الترمذي" من أوله إلى آخره. ولازم السنة، وأخذ في الحديث عن أحمد قاطن، وله كتب ورسائل في علوم عديدة. وبالجملة: فهو حقيق بقول الشاعر:
لقدْ حَسُنَتْ بِكَ الأيامُ حَتَّى
…
كأنَّكَ في فَمِ الدهرِ ابتسامُ
528 - السيدُ الأوحد، والعَلَمُ الأَمْثل، إمامُ المحققين، ونخبةُ المدققين، سراجُ الإسلام، أبو بكر بنِ علي البطاح، الأهدل
.
سيد ساد بفنون العلوم، وتدقيق منطوقها والمفهوم، وصار غرة زاهرة في جبين المعالي، وحسنةً من حسنات الأيام والليالي، وقع الاتفاق على كمال فضله بين أهل العرفان، وأنه ليس له في خاصيته التي هو يتميز بها ثان.
وَأَرى الخلقَ مُجْمِعينَ على فَضْـ
…
ـلِكَ من كلِّ سَيِّدٍ ومَسودِ
عرفَ العارفونَ فضلَكَ بالـ .... ـعِلْمِ وقالَ الجُهَّالُ بالتقليدِ
جدَّ واجتهدَ في الترقي إلى اكتساب المعالي، وسهرَ في تحصيل مقصده الأسنى الليالي. أخذ العلومَ من عدة مشايخ، منهم: السيد سليمان الأهدل، وتميز بالكمال في الملكات الثلاث: ملكة الاستحصال، وملكة الحصول، وملكة الاستنباط، أخذ التفسير، والحديث، والفقه والتصوف، والآلات والأصول.
وكَمْ مُصْعَبٍ في النحوِ راضَ جِماحَهُ
…
فعادَ فصارَ بسيطًا بعدَ ما كانَ قد أعيا
وكان آية في علم النحو والمنطق:
إن رُمْتَ إدراكَ العلومِ بسرعةٍ
…
فعليكَ بالنَّحوِ القويمِ ومَنْطِقِ
هذا لميزانِ العقولِ مقوِّمٌ
…
والنحوُ تقويمُ اللسانِ المنطقي
قال: العلمُ خزائن الله، ومفاتيحُها المسألة، فاسألوا - يرحمكم الله -؛ فإنه يؤجر في العلم ثلاثة: العالم، والمستمع، والآخذ. قرأ "الفصوص" لابن عربي على وجه التحقيق والتدقيق، مع إحضار الكتب المبسوطة في هذا العلم؛ من شروح هذا الكتاب وغيره، وتقرير المسألة بما يؤيدها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، ذكر له في "النفس اليماني" ترجمة نفيسة، وأنشد:
فلو أنني أقسمتُ ما كنتُ كاذبًا
…
بأنْ لم يرَ الرَّاؤون حبرًا يُعادِلُهْ
إذا قلتُ شارَفْنا أواخرَ عِلْمِهِ
…
تفجَّرَ حتى قلتُ هذا أوائِلُهْ
قال: ولقد عتب بعض تلامذة شيخنا الوالد عليه في تخصيصه بقراءة "الفصوص"، فقال: إنما خصصته؛ لكمال استعداده لفهم هذا العلم، وغيرُه ليس بصفته، فقال ذلك التلميذ، وكان من الأذكياء: لابد من حضوري؟ فقال الوالد: لا بأس، فحضر، فلم يعلق بفكره شيء من تلك التقريرات، فبان له وجهُ العذر، واعتذر فيما وقع منه، وأنشد:
كم من كلام قد تضمن حكمة
…
نال الكساد بسوق من لا يفهم
ولله در القائل:
أيا صاحبي ما ترى نارهم
…
فقال تريني ما لا أرى
سقاك الغرام ولم يسقني
…
فأبصرت ما لم أكن مبصرا
قال الشيخ محي الدين في "الفتوحات" في الباب الثامن والثمانين وأربعمائة، من أراد فهم المعاني الغامضة من كلام الله عز وجل، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم، وكلام أوليائه: فليزهد في الدنيا حتى يصير ينقبض من دخولها عليه ويفرح بزوالها عنه، وأما مع ميله إلى الدنيا فلا سبيل إلى فهم الغوامض أبدًا،
انتهى. هذا واختلاف الناس في قابلية الفهم وعدمه غير مستبعد، فإن العلوم منه إلهية ومواهب اختصاصية، والقوابل في قبولها مختلفة، والله هو الفتاح العليم. شعر:
مردم آندر حسرت فهم درست .... اِينكه ميكويم بقدر فهم تست
وقد أخرج اللالكائي وغيره عن عمر رضي الله عنه، أنه قال: إني قد أدخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو بكر، فاسمع منهما كلامًا، أحسب أني بينهما أعجمي، وعن على كرم الله وجهه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال، ذروا العارفين المحدثين مم أمتي، لا تنزلوهم الجنة ولا النار، حتى يكون الله هو الذي يقضي فيهم يوم القيامة، أخرجه الخطيب وأورده السيوطي في الجامع الصغير وأسناده ضعيف، ولعل الإمام النووي أخذ من هذا الحديث جوابه لما سئل عن "الفصوص" ونحوها من كتب الصوفية، بقوله: هؤلاء قوم في أحوالهم لا نتكلم، فالله بهم أعلم، فالتسليم أسلم، وفي هذا قال السيد الإمام إسحاق بن يوسف، رحمه الله تعالى.
إن لم تكن منهم فسلم لهم
…
فإنهم لله قد سلموا
قوم لهم أفئدة ما رأت
…
شيئًا سوى المعبود مذ أسلموا
ومن كلام السيد المذكور لما سئل عما سئل عن النووي، اعلم أن لهؤلاء القوم اعتبارات وحيثيات دقيقة تسلم لهم بعد بهرجتها بمحك الشريعة في مقام الإنصاف مع خلو الجو عن قتام الجدل والهوى والكبر:
ولو أنصفَتْ في حُكْمِها أُمُّ مالِكٍ
…
إذًا لرأَتْ تلكَ المَساوي مَحاسِنا
والكلام في هذا المعنى واسع، وقد خرجنا عن المقصود، ولكن عسى أن يكون الحال كما قال الشاعر:
خرجتُ من شيءٍ إلى غيرِه
…
بحسبِ ما يأتي وما يَطْرَأُ
لكنَّهُ علمٌ ومن حقِّهِ
…
يُسْمَعُ بَلْ يُكْتَبُ بل يُقْرَأُ