الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
158 - عبدُ العظيم بنُ عبد القويِّ بنِ عبدِ الله، الحافظُ، الإمامُ، زكيُّ الدين، أبو محمد، المنذريُّ المصريُّ
.
ولد سنة 581، وتوفي سنة 656.
قرأ القرآن على الأبارجي، وتأدب على جماعة من أهل العلم، وبرع، وسمع من جماعة، وخرج لنفسه معجمًا كبيرًا مفيدًا، روى عنه: الدمياطي، وابن دقيق العيد، وخلقٌ كثير، ودرَّس بالجامع الظافري بالقاهرة، ثم ولي مشيخة دار الحديث الكاملية، وانقطع بها نحوًا من عشرين سنة.
قلت: وله كتاب حافل في "الترغيب والترهيب" مفيدٌ نافع جدًا، وقد صدر أمر الرئيسة المعظمة العالية، والية "بهويال" المحمية - حفظها الله تعالى - بطبعه لهذا العهد سنة 1298 - بدار العلم دهلي - في المطبعة الفاروقية، ولله الحمد حمدًا كثيرًا.
وله "تلخيص صحيح مسلم" في غاية الجودة والإتقان، يدل على علو كعبه في فهم السنة، علَّقت عليه شرحًا مختصرًا في هذه الأيام من غرة رجب سنة 1398 للهجرة، وسميته:"السراج الوهاج" - أعان الله على إتمامه بمنه وكرمه -.
159 - عبد القادر الجيلاني بنُ أبي صالح موسى بن جنكي دوست، ينتهي نسبه إلى الحسين بن علي رضي الله عنهما الشيخُ أبو محمد، الجيليُّ، الحنبليُّ، الزاهدُ المشهورُ
.
صاحبُ المقامات والكرامات والعلوم والمعارف والأحوال المشهورة، شيخُ الحنابلة، ولد بجيلان سنة 490 أو سنة 491.
قدم بغداد شابًا، وسمع بها الحديث من الباقلاني، وجعفر السراج، وأبي بكر بن سوس. وقيل: قرأ أيضًا على ابن عقيل، والقاضي أبي الحسين، وبرع في المذهب والخلاف، وقرأ الأدب على أبي زكريا التبريزي، وصحب الشيخَ يحيى بن علي حماد الدباس الزاهد. قال ابن الجوزي: درس بمدرسة شيخه المخرمي، وكانت هذه المدرسة لطيفة، ففوضت إلى عبد القادر، فتكلم
على الناس بلسان الوعظ، وظهر له صيت بالزهد، وكان له سَمْتٌ وصمتٌ، وضاقت المدرسة بالناس، وكان يجلس عند سور بغداد مستندًا إلى الرباط ويتوب عنده في المجلس خلق كثير، فعمرت المدرسة ووسعت، وتعصب في ذلك العوام، وأقام في مدرسته يدرس إلى أن توفي، انتهى.
وذكره ابن السمعاني، فقال: حصل له القبول التام من الناس، واعتقدوا ديانته وصلاحه، وانتفعوا بكلامه ووعظه، وانتصر أهل السنة بظهوره، واشتهرت أحواله وأقواله وكراماته ومكاشفاته، وهابه الملوكُ فمَنْ دونهم.
قال الشيخ موفق الدين صاحب "المغني": لم أسمع عن أحد يحكى عنه من الكرامات أكثر مما يحكى عن الشيخ عبد القادر، ولا رأيت أحدًا يعظم من أجل الدين أكثر منه. وذكر الشيخ عز الدين بن عبد السلام: أنه لم تتواتر كرامات أحد من المشايخ إلا الشيخ عبد القادر؛ فإن كراماته نقلت بالتواتر. قال ابن رجب: جمع المقرىء أبو الحسن الشنطوفي المصري في أخباره ومناقبه ثلاث مجلدات، وقد رأيت بعض هذا الكتاب، ولا يطيب على قلبي أن أعتمد على شيء مما فيه، وذلك لكثرة ما فيه من الرواية عن المجهولين، وفيه من الشطح والطامات والدعاوى والكلام الباطل ما لا يحصى، ولا يليق نسبة مثل ذلك إلى الشيخ عبد القادر رحمه الله.
ثم وجدت الكمال جعفرًا الأدبوي، قد ذكر: أن الشنطوفي كان متهمًا في نفسه فيما يحكيه في هذا الكتاب بعينه، وذكر في هذا الكتاب، قال: جاءت فتيا من بلاد المعجم إلى بغداد - بعد أن عرضت على علماء العراقيين، فلم يتضح لأحد فيها جواب شافٍ، وصورتها: ما تقول العادة في رجل حلف بالطلاق الثلاث إنه لا بد أن يعبد الله عز وجل عبادة ينفر بها دون جميع الناس في تلبسه بها، فما يفعل من العبادات؟ فكتب عليها على الفور: يأتي مكة، ويخلَّى له المطافُ أسبوعًا وحده، وتنحل له يمينه، فما بات المستفتي ببغداد.
فأما الحكاية عنه: أنه قال: قدمي هذه على رقبة كل ولي لله، فقد ساقها هذا المصنف من طرق متعددة، وأحسنُ ما قيل في هذا الكلام ما ذكره الشيخُ
أبو حفص السهرورديُّ في "عوارفه": أنه من شطحات الشيوخ التي لا يُقتدى بهم فيها، ولا يقدح في مقاماتهم ومنازلهم، فكل أحد يؤخذ من قوله ويترك، إلا المعصومَ صلى الله عليه وسلم، ومن ساق الشيوخ المتأخرين مساق الصدر الأول، وطالبهم بطرائقهم، وأراد منهم ما كان عليه الحسن البصري وأصحابه؛ من العلم العظيم، والعمل العظيم، والورع العظيم، والزهد العظيم، مع كمال الخشية والخوف، وإظهار الذل والحزن والانكسار، والإزراء على النفس، وكتمان الأحوال والمعارف، والمحبة والشوق، ونحو ذلك، فلا ريب أنه يزدري المتأخرين ويمقتهم، ويهضم حقوقهم، فالأولى تنزيلُ الناس منازلَهم، وتوفيتُهم حقوقَهم، ومعرفةُ مقاديرهم، وإقامةُ معاذيرهم، وقد جعل اللهُ لكل شيء قدرًا.
أقول: هذا الكتاب هو "بهجة الأسرار"، وفيه نسب الحكايات الشركية التي لا تلائم حال الأبرار إلى حضرة الشيخ - عليه الرحمة -، وهو مملوء بالأكاذيب والأباطيل، وقد سلك صاحب "أخبار الأخيار" وغيرُه من أهل الطبقات في مدائح الشيخ ومناقبه طريق المبالغة والإغراق، وذكروا أشياء لا يقبلها العقل السليم، والنقل المستقيم، والظاهر أنها مكذوبة عليه - رحمه الله تعالى -.
قال ابن رجب: ولما كان الشيخ أبو الفرج بن الجوزي عظيمَ الخبرة بأحوال السلف والصدر الأول، قلَّ من كان في زمانه يساويه في معرفة ذلك، وكان له أيضاً حظ من ذوق أحوالهم، وقسطٌ من المشاركة في معارفهم، كان لا يعذر المشايخ المتأخرين في طرائقهم المخالفة لطريق المتقدمين، ويشتد إنكارُه عليهم، وقد قيل: إنه صنف كتابًا ينقم فيه على الشيخ عبد القادر أشياءَ كثيرة، ولكن قد قلَّ في هذا الزمان من له الخبرة التامة بأحوال الصدر الأول، والتمييز بين صحيح ما يذكر عنهم من سقيمه، فأما من له مشاركة لهم في أذواقهم، فهو نادر النادر، وإنما ألم أهل هذا الزمان بأحوال المتأخرين، ولا يميزون بين ما يصح عنهم من ذلك من غيره، فصاروا يخبطون خبط عشواء في ظلمات، والله المستعان.
وللشيخ عبد القادر - رحمه الله تعالى - كلامٌ حسن في التوحيد والصفات
والقدر، وفي علوم المعرفة موافقٌ للسنة، وله كتاب "الغنية لطالبي طريق الحق عز وجل"، وهو معروف، وله كتاب "فتوح الغيب"، وجمع أصحابه من مجالسه في الوعظ كثيرًا، وكان متمسكًا في مسائل الصفات والقدر ونحوهما بالسنة، مبالغًا في الرد على مَنْ خالفها.
قال في كتابه "الغنية": وهو بجهة العلو مستوٍ على العرش، محتوٍ على الملك، محيطٌ علمُه بالأشياء، إليه يصعد الكَلِمُ الطيب، والعملُ الصالح يرفعه، يدبر الأمر من السماء إلى الأرض، ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة مما تعدون، ولا يجوز وصفه بأنه في كل مكان، بل يقال: إنه في السماء - على العرش - كما قال: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه: 5]، وذكر آيات وأحاديث، إلى أن قال: وينبغي إطلاق صفة الاستواء من غير تأويل، وأنه استواء الذات على العرش، قال: وكونه على العرش مذكور في كل كتاب أنزل على لسان كل نبي أرسل بلا كيف، وذكر كلاماً طويلاً وذكر نحو هذا في سائر الصفات.
وذكر أبو زكريا الصرصري عن شيخه العارف علي بن إدريس: أنه سأل الشيخَ عبد القادر، فقال: يا سيدي! هل كان لله وليٌّ على غير اعتقاد أحمد بن حنبل؟ فقال: ما كان ولا يكون. وقد نظمه الصرصري في قصيدته.
وقال الشيخ تقي الدين بن تيمية، رح: حدثني الشيخ عز الدين أحمدُ بنُ إبراهيم الفاروقي: أنه سمع شهاب الدين عمر بن محمد السهرورديّ، صاحب "العوارف"، قال: كنت قد عزمت على أن أقرأ شيئًا من علم الكلام، وأنا متردد: هل أقرأ "الإرشاد" لإمام الحرمين، أو "نهاية الإقدام" للشهرستاني، أو كتاباً آخر، ذكره؟ فذهبت مع خالي أبي النجيب، وكان يصلي بجنب الشيخ عبد القادر، فالتفت الشيخ عبد القادر إليَّ، وقال لي: يا عمر! ما هو من زاد القبر؟ ما هو من زاد القبر؟ فرجعت عن ذلك، قال الشيخ تقي الدين: ورأيت هذه الحكاية معلقة بخط الشيخ موفق الدين بن قدامة المقدسي رحمه الله.
وحكى الشيخ الزاهد عليُّ بن سليمان الخباز عن الشيخ عبد القادر، وناهيك به! فإنه صاحب المكاشفات والكرامات التي لم ينقل لأحد من أهل عصره