الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي هذا المعنى:
ورثناهنَّ عن آباءِ صدقٍ
…
ونورثها إذا متنا بَنينا
510 - الفقيهُ، الإمامُ، الحافظُة، أبو بكر بن عطية
.
قال الفتح بن خاقان: شيخ العلم وحاملُ لوائه، وحافظُ حديث النبي صلى الله عليه وسلم وكوكبُ سمائه، شرح الله بحفظه صدرَه، وأطال به عمره، مع كونه في كل علم وافر النصيب، مباشرًا بالمعلَّى والرقيب.
رحل إلى المشرق لأداء الفرض، لابسًا بُرْدَاً من العمر الغض، فروى وقَيَّد، ولقي العلماء وأسند، وأبقى تلك المآثر وخلد، وما برح يَتَسَنَّم كواهلَ المعارف وغواربَها، ويقيد شواردَ المعاني وغرائبها، ومن شعره:
كنْ بذئبٍ صائدٍ مستأنِسًا
…
وإذا أبصرْتَ إنسانًا فَفِر
إنَّما الإنسانُ بحرٌ ما لَهُ
…
ساحلٌ فاحذَرْهُ إياكَ الغَرَرْ
واجعلِ الناسَ كشخصٍ واحدٍ
…
ثُمَّ كنْ من ذلك الشخصِ حَذِرْ
وله - رح -:
أَيُّها المطرودُ من باب الرِّضا
…
كَمْ يراكَ اللهُ تلهو مُعْرِضا
كَمْ إلى كَمْ أنتَ في جهلِ الصِّبا
…
قَدْ مضى عمرُ الصِّبا وانقرَضا
قمْ إذا الليلُ دَجَتْ ظلمتُهُ
…
واستلذَّ الجفنَ أن يَغْتَمِضا
فضعِ الخدَّ على (1) الأرض ونُحْ
…
واقرعِ السنَّ على ما قَدْ مضى
511 - تقي الدين بنُ معروف
.
قال الشهاب الخفاجي في "ريحانة الألباء": سماءُ فضلٍ بإطلاع نجوم الكمال معروف، وشموسُ معارفه لا يعتريها كُسوف، ورياضُ علمه أنيقة، ودوحةُ مجده وَريفة الظلِّ وَريقة، ولم يزل متقلدًا بصارم القضا، قانعًا من معشوقته الدنيا بحالتي الصدِّ والرضا. قال: وله شعر وسط، ونثر غريب النمط.
قال: مسالةٌ سُئلت عنها في حال تحريري هذه الريحانة، وهي أنه منع بعض
(1) في المطبوع: "عن".
المالكية من الألقاب المضافة للدين؛ كسعد الدين، وعز الدين، فقلت: قال العارف بالله ابن الحاج في كتابه المسمى "بالمدخل" الذي استقصى فيه أنواع البدع ما نصُّه: من ارتكب بدعة ينبغي له إخفاؤها؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: "من ابتُلي منكم بشيء من هذه القاذورات، فليستترْ"، والعالِمُ يجب عليه التسترُ أكثرَ من غيره؛ لأنه ربما قال: إن عنده علمًا بجواز ما ارتكبه، فيقتدي به غيرُه، فمما ينبغي التحفظُ عليه من البدع: الأعلامُ المخالفة للشرع، المضافة للدين؛ لما فيها من تزكية النفس المنهيِّ عنها؛ كما صرح القرطبي في "شرح أسماء الله الحسنى"، وللفضل بن سهل قصيدة في ذمها، فمنها: وقوله فيمن لُقِّبَ بعز الدين، وفخر الدين:
أَرى الدينَ يَسْتَحيي من اللهِ أن يُرى
…
وهذا له فخرٌ وذاكَ نصيرُ
فقد كثرتْ في الدين ألقابُ عُصبةٍ
…
هُمُ في مراعي المنكراتِ حميرُ
وإني أُجِلُّ الدينَ عن عزة بهم
…
وأعلمُ أن الذنبَ فيه كبيرُ
فمن نادى بهذا الاسم، أو أجاب به، فقد ارتكب ما لا ينبغي؛ لأنه كذب.
وفي الحديث: "عليكم بالصدق؛ فإنه يهدي إلى البِرِّ، والبِرُّ يَهدي إلى الجنة، والكذبُ فجورٌ، والفجورُ يَهْدي إلى النار" الحديث. فإذا قال أحد: محيي الدين، يقال: أهذا الذي أحيا الدين؟ فإذا أخذ صحيفته، وجدها مشحونة بالكذب.
ولما دخل رسولُ الله صلى الله عليه وسلم على أم المؤمنين زينبَ، قال لها: ما اسمُك؟ قالت: بَرَّةُ، فكره صلى الله عليه وسلم ذلك، وقال:"لا تزكوا أنفسكم"، وسماها: زينب.
ولا يقال: إنها خرجت عن أصلها بالنقل إلى العلمية؛ لأنه لو كان كذلك، ما كرهوا تركها، مع ما فيها من التشبه بالعجم المنهي منه.
وهذه التسمية أولَ ما ظهرت من متغلبة الترك مضافة إلى الدولة، وكانوا لا يلقبون أحدًا إلا بإذن السلطان، وكانوا يبذلون عليه المال، ثم عدلوا عنه بالإضافة إلى الدين، ونقل عن النووي: أنه كان يكره من يُلقبه بمحيي الدين، ويقول: لا جعل الله مَنْ دعاني به في حل، ولذا تحاشى عنه بعض العلماء،
وهذه نزعة شيطانية من أهل المشرق، ولما كان في أهل المغرب من التواضع، كانوا يغيرون الأسماء لما هو منهي عنه أيضًا، فيقولون لمحمد: حمود، ولأحمد: حمدوس، وليوسف: يوسو، ولعبد الرحمن: رحمو، ونحوه، انتهى.
أقول: أما كون هذه بدعة حدثت بعد العصر الأول، فلا شبهة فيه، وأما كونها ممنوعة شرعًا، أو مكروهة، فلا وجه له، وما تشبث به أوهَى من بيت العنكبوت، وما نقله عن النووي وغيره من السلف لا أصلَ له، وكذا ما نقل عن شيخ والدي ناصر الدين اللقاني: أنه كان يكتب في الفتاوى: ناصر لهذا، وقد غرني بذلك مدة، ثم رجعت عنه لعدم ثبوته، وكونه كذبًا يكتب في صحيفة مجازفة، لا ينبغي أن يقال مثله في الرأي، وهذا لم يضعه الإنسان لنفسه، وإنما سماه به أبواه في صغره وعدم تكليفه، وكونه تزكية لنفسه أيضًا غيرُ صحيح؛ لأن الإضافة تكون لأدنى ملابسة، فهو مضاف للسبب تفاؤلًا، فعزُّ الدين، بمعنى: يعزه الله بالدين، وكذا محيي الدين، بمعنى: محيي نفسِه بالدين، فقياسه على "برة" قياسٌ فاسد مع الفارق، ولو صح هذا، مُنع: أحمد، ومحمد، وحسن - وهو محمود -، وقد قال المحدثون: إذا اشتهر اللقب، جاز، وإن كان ذمًا؛ كأعرج وأعمش، وما ذكر تضييق وحرج في الدين، وفي هذا الكتاب كثير من هذا النمط، فإياك والاغترارَ به، والأعلام إنما تدل وضعًا على الذات، والتفاؤلُ بالأمور المستحسنة مستحب؛ لقوله في الحديث: كان يحبُّ الفأل ويكره الطِّيَرَةَ، ويحمد قائله لا يعتقد ثبوت ما يقال به، وإنما سمي به، فلا كذب، والأعلامُ لا حجرَ فيها، والتشبُّه بالعجم فيما لا يزاحم الشرع غيرُ منهيٍّ عنه إلا للعصبية المذمومة؛ بدليل حديث الخندق، ويدلُّ على ما ذكرناه حديثُ تسمية النبيِّ صلى الله عليه وسلم بمحمد؛ وأما حديث بَرَّة - إن صحّ - فإنما فعله صلى الله عليه وسلم لكونه من أعلام الجاهلية، أو لمعنى آخر؛ بدليل أنها كانت برةً في نفسها، انتهى. قال الجامع لهذا المختصر: هذا كلام فيه ما يُقبل وما يُرد، وموضع بسط الكلام عليه غير هذا الموضع.