الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان جيش أبي نقطة - كما قيل - نحو مئة ألف؛ لأنه أمده النجدي بجماعة من أمرائه؛ كابن شكبان، والمضائفي، ثم إن جيش صاحب نجد بعد قتل أبي نقطة وهزيمة الشريف تقدموا على أبي عريش، وجرت بينهم ملاحم كبيرة، وانحصر الشريف في أبي عريش، وشحن سائر البلاد أبي عريش بالمقاتلة، ثم رجع سائر الأمراء النجدية، وبقي بقية من الجيش في بلاد أبي عريش، والحرب بينهم سجال، وكان هذا الحرب الذي قتل فيه أبو نقطة في سنة 1224، وفي سنة 1228 وقع الصلح بينه وبين مولانا الإمام المتوكل على الله قبل دعوته، وكان ذلك باطلاعي، وحاصله: أنه يثبت الشريف (1)
على ما قد صار تحت يده من البلاد، ثم بعد هذا انتقض الصلح بينه وبين الإمام المذكور، ولم يزل الحرب ثائرًا بينه وبين الإمام إلى هذا التاريخ - وهو سنة 1229 - وهو مستمر على الانتماء إلى صاحب نجد، ثم مات في سنة 1233، انتهى.
368 - [الشريف] غالب بن مساعد، شريف مكة
.
قال في "البدر الطالع": له شغلة عظيمة بصاحب نجد عبد العزيز بن محمد بن سعود المستولي الآن على البلاد النجدية وغيرها مما هو مجاور لها، وكثيرًا ما يجمع الشريف غالب الجيوش، ثم يغزو أرض نجد، فيصل إلى أطرافها، فيبلغنا أنها تقوم لحربه طائفة يسيرة من أطراف البلاد، فيهزمونه،
(1) المتوكل على الله: هو الإمام أحمد (1170 - 1231 هـ، 1756 - 1816 م) بن المنصور بالله، علي - م 1224 - بن عباس الهادي، ثم تولى الإمامة محمد بن يحيى حميد الدين بن محمد (1255 - 1322 هـ، 1839 - 1904 م)، ثم وَلِيَ الإمامة بعده ابنه الإمام يحيى (1286 - 1367 هـ، 1869 - 1948 م) بن محمد بن يحيى حميد الدين بن محمد، الذي مات قتيلاً، وآل الأمر من بعد المعارك إلى ولي عهده الإمام أحمد المتوفى سنة (1382 هـ 18 سبتمبر 1962 م) رحمه الله بن يحيى بن محمد بن يحيى حميد الدين بن محمد. ثم وَلِي الأمر ولي عهده سيف الإسلام الأمير محمد البدر بن أحمد بن يحيى، ولم تدم سلطته إلا ثمانية أيام.
ويعود إلى مكة، وآخر ما وقع منه ذلك في سنة 1212، فإنه جمع جيشًا كبيرًا، وغزا نجدًا، وأوقع ببعض البلاد الراجعة إلى سلطان نجد المذكور، فلم يشعر إلا وقد دهمه جيش لا طاقة له به، أرسله صاحب نجد، فهزمه، واستولى على غالب جيشه قتلاً وأسرًا، بل جاءت الأخبار بأنه لم يسلم من جيش الشريف إلا طائفة يسيرة، وقتل جماعة من أشراف مكة في المعركة، وتمت الهزيمة إلى مكة، ولو ترك ذلك، واشتغل بغيره، لكان أولى له، شعر:
فإنَّ مَنْ حاربَ مَنْ لا يقوى
…
لحربِهِ جَرَّ إليه البلوى
فإن صاحبَ نجد تبلغ عنه قوة عظيمة، لا يقوم لمثلها صاحب الترجمة - يعني: شريف مكة -، فقد سمعنا أنه قد استولى على بلاد الحسا، والقطيف، وبلاد الدواسر، وغالب بلاد الحجاز، ومن دخل تحت حوزته، أقام الصلاة، والزكاة، والصيام، وسائر شعائر الإسلام، ودخل في طاعته من عرب الشام الساكنين ما بين الحجاز وصعدة غالبُهم، إما رغبةً، وإما رهبةً، وصاروا مقيمين لفرائض الدين بعد أن كانوا لا يعرفون من الإسلام شيئًا، ولا يقومون بشيء من واجباته إلا مجرد التكلم بلفظ الشهادتين، على ما في لفظهم بهما [من] عوج.
وبالجملة: فكانوا جاهلية جهلاء كما تواتر بذلك الأخبار إلينا، ثم صاروا الآن يصلون الصلوات لأوقاتها، ويأتون بسائر الأركان الإسلامية على أبلغ صفاتها، ولكنهم يرون أن من لم يكن داخلاً تحت دولة صاحب نجد، وممتثلاً لأوامره، خارجٌ عن الإسلام، ولقد أخبرني أمير حجاج اليمن - السيد محمد بن حسين المراجل الكبسي -: أن جماعة منهم خاطبوه هو ومن معه من حجاج اليمن، بأنهم كفار، وأنهم غير معذورين عن الوصول إليه لينظر في إسلامهم، فما تخلصوا منهم إلا بجهد جهيد، وقد صارت جيوش صاحب نجد في بلاد يام، وفي بلاد السراة المجاورة لبلاد أبي عريش ومن تبعه من هذه الأجناس، اغتبط بمتابعته، وقاتل من يجاوره من الخارجين عن طاعته.
فبهذا السبب صار معظم تلك البلاد راجعة إليه، وتبلغنا عنهم أخبار، الله
أعلم بصحتها، من ذلك: أنه يستحلُّ دمَ من استغاث بغير الله؛ من نبيًّ أو وليٍّ أو غير ذلك.
ولا ريب أن ذلك - عن اعتقاد تأثير المستغاث به كتأثير الله - كُفْرٌ، يصير به صاحبه مرتدًا؛ كما يقع من كثير [من] هؤلاء المعتقدين للأموات الذين يسألونهم قضاء حوائجهم، ويعولون عليهم زيادة على تعويلهم على الله سبحانه وتعالى، ولا ينادون الله - جل وعلا - إلا مقترنًا بأسمائهم، ويخصونهم بالنداء منفردين عن الرب، فهذا كفر لا شك فيه ولا شبهة، وصاحبُه إذا لم يتب، كان حلالَ الدم والمال كسائر المرتدين.
ومن جملة ما يبلغنا عن - صاحب نجد -: أنه يستحلُّ سفكَ دم من لم يحضر الصلاة في جماعة، وهذا - إن صح - غيرُ مناسب لقانون الشرع، نعم، من ترك صلاة فلم يفعلها منفردًا، ولا في جماعة، فقد دلت أدلة صحيحة على كفره، وعورضت بأخرى، فلا جرح على من ذهب إلى القول بالكفر، إنما الشأن في استحلال دم من ترك مجرد الجماعة، ولم يتركها منفردًا، وتبلغ أمورٌ غيرُ هذه، الله أعلمُ بصحتها. وبعض الناس يزعم أنه يعتقد اعتقادَ الخوارج، وما أظن أن ذلك صحيح.
فإن صاحبَ نجد وجميعَ أتباعه يعملون بما يعلمون من [الإمام شيخ الإسلام] محمد بن عبد الوهاب، وكان حنبليًا، ثم طلب الحديث بالمدينة المشرفة، فعاد إلى نجد، وصار يعمل باجتهادات جماعة من متأخري الحنابلة؛ كابن تيمية، وابن القيم، وأضرابهما، وهم من أشد الناس على معتقدي الأموات، وقد رأيت كتابًا من صاحب نجد الذي هو الآن صاحب تلك الجهات، أجاب به على بعض أهل العلم، وقد كاتبه وسأله بيان ما يعتقده.
فرأيت جوابه مشتملاً على اعتقاد حسن موافق الكتاب والسنة، والله أعلم بحقيقة الحال، وأما أهل مكة، فصاروا يكفِّرونه، ويطلقون عليه اسم: الكافر.
وبلغنا أنه وصل إلى مكة بعض علماء نجد (1) لقصد المناظرة، فناظر علماء مكة بحضرة الشريف في مسائل تدل على ثبات قدمه وقدم صاحبه في الدين.
وفي سنة 1215 وصل من صاحب نجد المذكور مجلدان لطيفان، أرسل بهما إلى حضرة مولانا الإمام - حفظه الله -، أحدهما يشتمل على رسائل لمحمد بن عبد الوهاب، كلها في الإرشاد إلى إخلاص التوحيد، والتنفير من الشرك الذي يفعله المعتقدون في القبور، وهي رسائل جيدة مشحونة بأدلة الكتاب والسنة، والمجلد الآخر: يتضمن الرد على جماعة من الفقهاء المقصرين من فقهاء "صنعاء"، و"صعدة"، ذاكروه في مسائل متعلقة بأصول الدين، وبجماعة من الصحابة، فأجاب عليهم جوابات محررة مقررة محققة، تدل على [أن] المجيب من العلماء المحققين العارفين بالكتاب والسنة، وقد هدم عليهم جميع ما بنوه، وأبطل جميع ما دونوه؛ لأنهم مقصرون متعصبون، فصار ما فعلوه خزيًا عليهم، وعلى أهل "صنعاء" و"صعدة"، وهكذا من تصدر ولم يعرف مقدار نفسه، وأرسل صاحب نجد مع الكتابين المذكورين بمكاتبة منه إلى سيدي المولى - حفظه الله -، فدفع - حفظه الله - جميعَ ذلك إليَّ، فأجبت عن كتابه الذي كتبه إلى مولانا الإمام على لسانه - حفظه الله - بما معناه: إن الجماعة الذين أرسلوا إليه بالمذاكرة لا ندري من هم، وكلامهم يدل على أنهم جهال، والأصل والجواب موجودان في مجموعي.
وفي سنة 1217 دخلت بلاد "أبي عريش"، وأشرافُها في طاعة صاحب نجد، ثم تزلزلت الديار اليمنية بذلك، واستولى أصحابه على بعض ديار "تهامة"، وجرت أمور يطول شرحها، وهي الآن في سريان، وقد أفردت ما بلغنا من ذلك
(1) أرسل الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، والأمير عبد العزيز بن الأمير محمد بن سعود رحمه الله وفدًا أول مرة سنة (1185 هـ 1771 م) إلى مكة المكرمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن الحصين المتوفى سنة (1237 هـ 1821 م) وهو من أجل تلامذة الشيخ، ومرة أخرى سنة (1204 هـ 1789 م)، ولن تنسى فظائع إبراهيم باشا، في نجد سنة (1234 هـ 1818 م)، ومن مظالمه أن الشيخ عبد العزيز طلبه الباشا المذكور عنده، وهو بسبب كبر سنه لم يتمكن الحضور لديه، فجيء به محمولاً، وحينما حضر لديه، أهانه.
في مصنف مستقل؛ لأن هذه الحادثة قد عَمَّت وطَمَّت، وارتجفت لها أقطار الديار الشامية والمصرية، والعراقية والرومية، بل وسائر الديار، لا سيما بعد دخول أصحاب النجد "مكة المشرفة"، وطرد أشرافها عنها، ولله أمر هو بالغه.
ثم في سنة 1222 وصل إلينا جماعة من صاحب نجد سعود بن عبد العزيز، لبعضهم معرفة في العلم، ومعهم مكاتيب عن "سعود" إلى الإمام المنصور - رحمه الله تعالى - وإليَّ أيضًا، ثم وصل جماعة آخرون كذلك في سنة 1227، ثم وصل جماعة آخرون كذلك في سنة 1228، ودار مع هؤلاء الآخرين ومع غيرهم من المكاتبة ما لا يتسع المقام لبسطه، ثم بعد هذا في سنة 1229 خرج باشا مصر - محمد علي - بجنود السلطان، ووصل إلى مكة، وأسر الشريف غالب، وجهزه إلى الروم، ثم بلغ موته هنالك، انتهى.
ثم ذكر غلبة أفرنج من قوم فرانسيس (1) على مصر وإسكندرية وسائر أعمالها، وقال: كتب في ذلك الشريف غالب كتابًا إلى إمام اليمن، واستمد منه، ومن طرفه أجيب على كتابه، ونقل هذه الخطوط بعينها، وقال: قد جاءت في هذا الباب مكاتيب كثيرة، ولم يعلم ما جرى من طرف السلطنة إلى تحرير هذه الأحرف في خواتم شهر شوال سنة 1213، ولعل وراء الغيب أمرًا يسرنا، اللهم انصر الإسلام والمسلمين.
ثم قال: وفي سنة 1213 خرج أفرنج من مصر - ولله الحمد، - وأما الشريف غالب، فلما استولى صاحب نجد على مكة والمدينة، تابعه، ودخل تحت أمره ونهيه، واستمر نائبًا له منذ دخول جيوشه مكة، وكان القادم بالجيوش سعود بن عبد العزيز بن محمد بن سعود، ثم مات عبد العزيز، وصار الأمر بعده إلى ولده سعود، وما زال يأتي للحج في كل عام إلى سنة 1228، فخرج باشا مصر - محمد علي - بجنود متكاثرة، واستولى على مكة والمدينة، على مواطأة بينه وبين الشريف غالب، ثم لما استقر بمكة، قبض على الشريف غالب، واستولى على جميع أملاكه وذخائره - وهي كثيرة جدًا -، وأرسله في سفينة هو وخواص أهله
(1) هو نابوليون الذي دخل مصر، واستولى عليها سنة (1798 م 1213 هـ)، ثم تقهقر.
إلى الروم، والله أعلم ما كان آخر أمره، فإنه لم يبلغنا إلى الآن خبر صحيح عما كان من أمره بعد إخراجه من مكة، وإدخاله إلى تلك الديار، والباشا محمد علي مستقر بمكة وجنده إلى الآن، وهي سنة 1229، والحرب بينه وبين أهل نجد مستمر.
ومات في هذه السنة أمير العرب - صاحبُ نجد -، وهو سعود بن عبد العزيز، وقام مقامه ولده عبد الله بن سعود، وما زال يجهز الجند إلى مكة ومن بها، والحرب بينهم سجال، وقد تقدم ما انتهى إليه حال هذا الحرب في ترجمة سعود، انتهى.
وقال في ترجمة محمد علي باشا متولي الديار المصرية: ما زال أمره يرتفع حتى صار إليه ولاية الحرمين، ثم وصل إلى مكة، وأسر الشريف غالب، ثم حارب صاحب نجد، وقدم عليه الجيوش مع ابنه إبراهيم، ومع غيره، وما زال يغلب جيوش صاحب نجد جيشًا بعد جيش، حتى وصل جيشه إلى الدرعية، وطرح عليها حتى أخربها، وخرج صاحبها إذ ذاك، وهو عبد الله بن سعود إلى يد جيوش صاحب الترجمة، وسلم نفسه هو وأعيان ذلك المحل من أولاد الشيخ محمد بن عبد الوهاب، وأوصلوهم إلى مصر، والله أعلم ما كان من أمرهم (1)، وصاحب الترجمة هو الآن - في سنة 1239 - باقيًا على الباشوية بمصر، وله مجاهدات وغزوات وإقدامات، انتهى.
قال القاضي العلامة عبد الرحمن بن أحمد البهكلي في كتاب "نفح العود في أيام الشريف حمود": ومن كتب عبد العزيز بن سعود: هذا الكتاب:
بسم الله الرحمن الرحيم
من عبد العزيز بن سعود إلى من يراه من أهل المخلاف السليماني، خصوصًا أولاد الشريف حمود، وناصر، ويحيى، وسائر إخوانهم، وأولاد إخوانهم، وكذلك أشراف بني النعمى، وكافة أشراف تهامة، وفقنا الله وإياهم إلى سبيل
(1) تقدم ذكره في التعليق في صفحة (308)، وفي المتن (ص 309).
الحق والهداية، وجنبنا وإياهم طريق الشرك والغواية، وأرشدنا وإياهم إلى اقتفاء آثار أهل العناية.
أما بعد: فالموجب لهذه الرسالة أن الشريف أحمد بن حسين الفلقي قدم إلينا، فرأى ما نحن عليه، وتحقيق صحة ذلك لديه، فبعد ذلك التمس منا أن نكتب لكم ما يزول به الاشتباه، فتعرفوا دين الإسلام الذي لا يقبل من أحد سواه.
فاعلموا - رحمكم الله تعالى -: أن الله سبحانه أرسل محمدًا صلى الله عليه وسلم على فترة من الرسل، فهدى به إلى الدين الكامل، والشرع التام، وأعظمُ ذلك وأكبرُه وزبدتُه إخلاصُ العبادة لله لا شريك له، والنهيُ عن الشرك، وذلك هو الذي خلق الله تعالى الخلق لأجله، ودل الكتاب على فضله، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات: 56]، وقال تعالى:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: 36]، وقال تعالى:{وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} [البينة: 5] وإخلاص الدين: هو صرف جميع العبادة لله تعالى وحده لا شريك له، وذلك أن لا يُدعى إلا الله، ولا يُستغاث إلا به، ولا يُذبح إلا له، ولا يُخشى ولا يُرجى سواه، ولا يُرهب ولا يُرغب إلا فيما لديه، ولا يُتوكل في جميع الأمور إلا عليه، وأن كل ما هنالك لله تعالى، لا يصلح شيء منه لملَكٍ مقرَّب، ولا نبي مرسل، ولا شيء غيرهما، وهذا هو بعينه توحيد الألوهية الذي أُسس الإسلام عليه، وانفرد به المسلم عن الكافر، وهو معنى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، فلما مَنَّ الله تعالى علينا بمعرفة ذلك، علمْنا أنه دين الرسل، اتبعناه، ودعونا الناس إليه، وإلا، فنحن قبل ذلك ما عليه غالب الناس؛ من الشرك بالله تعالى من عبادة أهل القبور، والاستغاثة بهم، والاستعانة منهم، والتقرُّبِ بالذبح لهم، وطلبِ الحاجات منهم، مع ما ينضم إلى ذلك من فعل الفواحش والمنكرات، وارتكاب الأمور المحرمات، وترك الصلاة وترك شعائر الإسلام، حتى أظهر الله الحق بعد خفائه، وأحيا أثره بعد عفائه على يد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب -
أحسن الله تعالى إليه في آخرته والمآب -، فأبرز لنا ما هو الحق والصواب من كتاب الله المجيد الذي {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيد} [فصلت: 42].
فبين الذي نحن عليه، وهو دين غالب الناس من الاعتقادات في الصالحين وغيرهم، ودعوتهم عند الشدائد، والتقرب بالذبح لهم، والنذر لهم، والاستغاثة بهم، وطلب الحاجات منهم، وأنه الشرك الأكبر الذي نهى الله عنه، وتهدَّد بالوعيد الشديد عليه، وأخبر في كتابه أنه لا يغفره إلا بالتوبة منه، قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} [النساء: 48]، وقال:{إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة: 72]، وقال تعالى:{وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (13) إِنْ تَدْعُوهُمْ لَا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلَا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر: 13، 14]، والآيات - في أن دعوة غيره شرك أكبر - كثيرة واضحة شهيرة.
فحين كشف لنا الأمر، وعرفنا ما نحن عليه من الشرك والكفر بالنصوص القطعية والأدلة الساطعة من كتاب الله، وسنة رسوله، وكلام الأئمة الأعلام الذين أجمعت الأمة على روايتهم، عرفنا أن ما نحن عليه، وما كنا ندين به أولاً أنه الشرك الأكبر، الذي نهى الله عنه وحذر، وأن الله إنما أمرنا أن ندعوه وحده، وذلك كما قال تعالى:{وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} [الجن: 18]، وقال تعالى:{لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ} [الرعد: 14]، وقال تعالى:{وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (5) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ} [الأحقاف: 5، 6].
إذا عرفتم هذا، فاعلموا - رحمكم الله - أن الذي ندين الله به هو إخلاص العبادة لله وحده، ونفي الشرك، وإقام الصلاة في الجماعة، وغير ذلك من أركان الإسلام، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، ولا يخفى على ذوي البصائر والأفهام، والمتدبرين من الأنام، أن هذا هو الدين، جاءنا به الرسول صلى الله عليه وسلم، قال-