الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
45 - باب من فَضَائِلِ زَكَرِيَّاءَ، عليه السلام
169 -
(2379) حَدَّثَنَا هَدَّابُ بْنُ خَالِدٍ. حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ ثَابِتٍ، عَنْ أَبِي رَافِعٍ، عَنْ أبي هريرة؛
أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال "كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا".
46 - بَاب مِنْ فَضَائِلِ الْخَضِرِ، عليه السلام
170 -
(2380) حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ مُحَمَّدٍ النَّاقِدُ وَإِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الْحَنْظَلِيُّ وَعُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْمَكِّيُّ. كُلُّهُمْ عَنْ ابْنِ عُيَيْنَةَ (وَاللَّفْظُ لِابْنِ أَبِي عُمَرَ). حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ. حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ. قَالَ: قُلْتُ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
إِنَّ نَوْفًا الْبِكَالِيَّ يَزْعُمُ أَنَّ مُوسَى، عليه السلام، صَاحِبَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَيْسَ هُوَ مُوسَى صَاحِبَ الْخَضِرِ، عليه السلام. فَقَالَ: كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ. سَمِعْتُ أُبَيَّ بْنَ كَعْبٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ " قَامَ مُوسَى عليه السلام خَطِيبًا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ. فَسُئِلَ: أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ؟ فَقَالَ: أَنَا أَعْلَمُ. قَالَ فَعَتَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ إِذْ لَمْ يَرُدَّ الْعِلْمَ إِلَيْهِ. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: أَنَّ عَبْدًا مِنْ عِبَادِي بِمَجْمَعِ الْبَحْرَيْنِ هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ مُوسَى: أَيْ رَبِّ! كَيْفَ
⦗ص: 1848⦘
لِي بِهِ فَقِيلَ لَهُ: احْمِلْ حُوتًا فِي مِكْتَلٍ. فَحَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ فَهُوَ ثَمَّ. فَانْطَلَقَ وَانْطَلَقَ مَعَهُ فَتَاهُ. وَهُوَ يُوشَعُ بْنُ نُونٍ. فَحَمَلَ مُوسَى، عليه السلام، حُوتًا فِي مِكْتَلٍ. وَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ يَمْشِيَانِ حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ. فَرَقَدَ مُوسَى، عليه السلام، وَفَتَاهُ. فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمِكْتَلِ، حَتَّى خَرَجَ مِنَ الْمِكْتَلِ، فَسَقَطَ فِي الْبَحْرِ. قَالَ وَأَمْسَكَ اللَّهُ عَنْهُ جِرْيَةَ الْمَاءِ حَتَّى كَانَ مِثْلَ الطَّاقِ. فَكَانَ لِلْحُوتِ سَرَبًا. وَكَانَ لِمُوسَى وَفَتَاهُ عَجَبًا. فَانْطَلَقَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِمَا وَلَيْلَتِهِمَا. وَنَسِيَ صَاحِبُ مُوسَى أَنْ يُخْبِرَهُ. فَلَمَّا أَصْبَحَ مُوسَى، عليه السلام، قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ وَلَمْ يَنْصَبْ حَتَّى جَاوَزَ الْمَكَانَ الَّذِي أُمِرَ بِهِ. قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فإني نسيت الحوت وما أنسانيه إلا الشيطان أَنْ أَذْكُرَهُ وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قال موسى: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. قَالَ يَقُصَّانِ آثَارَهُمَا. حَتَّى أَتَيَا الصَّخْرَةَ فَرَأَى رَجُلًا مُسَجًّى عَلَيْهِ بِثَوْبٍ. فَسَلَّمَ عَلَيْهِ مُوسَى. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: أَنَّى بِأَرْضِكَ السَّلَامُ؟ قَالَ: أَنَا مُوسَى. قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ؟
⦗ص: 1849⦘
قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: إِنَّكَ عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَكَهُ اللَّهُ لَا أَعْلَمُهُ. وَأَنَا عَلَى عِلْمٍ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ عَلَّمَنِيهِ لَا تَعْلَمُهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى، عليه السلام: هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِي مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا؟ قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تُحِطْ بِهِ خُبْرًا. قال ستجدني إن شاء الله صابرا ولا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ لَهُ الْخَضِرُ: فَإِنِ اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. قَالَ: نَعَمْ. فَانْطَلَقَ الْخَضِرُ وَمُوسَى يَمْشِيَانِ عَلَى سَاحِلِ الْبَحْرِ. فَمَرَّتْ بِهِمَا سَفِينَةٌ. فَكَلَّمَاهُمْ أَنْ يَحْمِلُوهُمَا. فَعَرَفُوا الْخَضِرَ فَحَمَلُوهُمَا بِغَيْرِ نَوْلٍ. فَعَمَدَ الْخَضِرُ إِلَى لَوْحٍ مِنْ أَلْوَاحِ السَّفِينَةِ فَنَزَعَهُ. فَقَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ حَمَلُونَا بِغَيْرِ نَوْلٍ، عَمَدْتَ إِلَى سَفِينَتِهِمْ فَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا. لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. قال: لا تؤاخذني بما نسيت ولا ترهقني مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. ثُمَّ خَرَجَا مِنَ السَّفِينَةِ. فَبَيْنَمَا هُمَا يَمْشِيَانِ عَلَى السَّاحِلِ إِذَا غُلَامٌ يَلْعَبُ مَعَ الْغِلْمَانِ. فَأَخَذَ الْخَضِرُ بِرَأْسِهِ، فَاقْتَلَعَهُ بِيَدِهِ، فَقَتَلَهُ. فَقَالَ مُوسَى: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ؟ لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا نُكْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ لَكَ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا؟ قَالَ: وَهَذِهِ أَشَدُّ مِنَ الْأُولَى. قَالَ: إن سألتك عن شيء بعدها فلا تصاحبني. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا. فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ. يَقُولُ مَائِلٌ. قَالَ الْخَضِرُ بِيَدِهِ هَكَذَا
⦗ص: 1850⦘
فَأَقَامَهُ. قَالَ لَهُ مُوسَى: قَوْمٌ أَتَيْنَاهُمْ فَلَمْ يُضَيِّفُونَا وَلَمْ يُطْعِمُونَا، لَوْ شِئْتَ لَتَخِذْتَ عَلَيْهِ أَجْرًا. قَالَ هَذَا فِرَاقُ بَيْنِي وَبَيْنِكَ. سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "يَرْحَمُ اللَّهُ مُوسَى. لَوَدِدْتُ أَنَّهُ كَانَ صَبَرَ حَتَّى يُقَصَّ عَلَيْنَا مِنْ أَخْبَارِهِمَا". قَالَ وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم "كانت الْأُولَى مِنْ مُوسَى نِسْيَانًا". قَالَ "وَجَاءَ عُصْفُورٌ حَتَّى وَقَعَ عَلَى حَرْفِ السَّفِينَةِ. ثُمَّ نَقَرَ فِي الْبَحْرِ. فَقَالَ لَهُ الْخَضِرُ: مَا نَقَصَ عِلْمِي وَعِلْمُكَ مِنْ عِلْمِ اللَّهِ إِلَّا مِثْلَ مَا نَقَصَ هَذَا الْعُصْفُورُ مِنَ الْبَحْرِ".
قَالَ سَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ: وَكَانَ يَقْرَأُ: وَكَانَ أَمَامَهُمْ مَلِكٌ يَأْخُذُ كُلَّ سَفِينَةٍ صَالِحَةٍ غَصْبًا. وَكَانَ يقرأ: وأما الغلام فكان كافرا.
(كذب عدو الله) قال العلماء: هو على وجه الإغلاظ والزجر عن مثل قوله. لا أنه يعتقد أنه عدو الله حقيقة. إنما قاله مبالغة في إنكار قوله، لمخالفته قَوْلَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. وكان ذلك في حال غضب ابن عباس. لشدة إنكاره. وحال الغضب تطلق الألفاظ ولا تراد بها حقائقها. (بمجمع البحرين) قال القسطلاني: أي ملتقى بحري فارس والروم من جهة الشرق. أو بإفريقية أو طنجة. (حوتا) الحوت السمكة. وكانت سمكة مالحة، كما صرح به في الرواية الثانية. (مكتل) هو القفة والزنبيل. (تفقد) أي يذهب منك. يقال فقده وافتقده. (فهو ثم) أي هناك. (فتاه) أي صاحبه. (الطاق) عقد البناء. وجمعه طيقان وأطواق. وهو الأزج وما عقد أعلاه من البناء، وبقي ما تحته خاليا. (وليلتهما) ضبطوه بنصب ليلتهما وجرها. (نصبا) النصب التعب. (واتخذ سبيله في البحر عجبا) قيل: إن لفظة عجبا يجوز أن تكون من تمام كلام يوشع وقيل: من كلام موسى. أي قال موسى: عجبت من هذا عجبا. وقيل: من كلام الله تعالى. ومعناه اتخذ موسى سبيل الحوت في البحر عجبا. (نبغي) أي نطلب. معناه أن الذي جئنا نطلبه هو الموضع الذي نفقد فيه الحوت. (مسجى) أي مغطى. (أنى بأرضك السلام) أي من أين السلام في هذه الأرض التي لا يعرف فيها السلام. قال العلماء: أنى تأتي بمعنى أين ومتى وحيث وكيف. (بغير نول) أي بغير أجر. والنول والنوال العطاء. (إمرا) أي عظيما. (ولا ترهقني من أمري عسرا) قال الإمام الزمخشري: يقال رهقه إذا غشيه وأرهقه إياه. أي ولا تغشني عسرا من أمري. وهو اتباعه إياه. يعني ولا تعسر علي متابعتك ويسرها علي بالإغضاء وترك المناقشة. (زاكية) قرئ في السبع زاكية وزكية. قالوا: ومعناه طاهرة من الذنوب. (بغير نفس) أي بغير قصاص لك عليها. (نكرا) النكر هو المنكر. (لقد بلغت من لدني عذرا) معناه قد بلغت إلى الغاية التي تعذر بسببها في فراقي. (فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض) هذا من المجاز. لأن الجدار لا يكون له حقيقة إرادة. ومعناه قرب من الانقضاض، وهو السقوط. (قال الخضر بيده هكذا) أي أشار بيده فأقامه. وهذا تعبير عن الفعل بالقول. وهو شايع. (ما نقص علمي وعلمك) قال العلماء: لفظ النقص هنا ليس على ظاهره. وإنما معناه أن علمي وعلمك بالنسبة إلى علم الله تعالى كنسبة ما نقره هذا العصفور إلى ماء البحر. وهذا على التقريب إلى الأفهام. وإلا فنسبة علمهما أقل وأحقر.
171 -
(2380) حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى الْقَيْسِيُّ. حَدَّثَنَا الْمُعْتَمِرُ بْنُ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيُّ عَنْ أَبِيهِ، عَنْ رَقَبَةَ، عَنْ أَبِي إِسْحاقَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عَبَّاسٍ:
إِنَّ نَوْفًا يزعم أن موسى الذي ذهب يتلمس العلم ليس بموسى نبي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: أَسَمِعْتَهُ؟ يَا سَعِيدُ! قُلْتُ: نَعَمْ. قَالَ: كَذَبَ نَوْفٌ.
172 -
(2380) حَدَّثَنَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ قَالَ:
سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "إِنَّهُ بَيْنَمَا مُوسَى، عليه السلام، فِي قَوْمِهِ يُذَكِّرُهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ. وَأَيَّامُ اللَّهِ نَعْمَاؤُهُ وَبَلَاؤُهُ. إِذْ قَالَ: مَا أَعْلَمُ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا خَيْرًا أو أعلم مِنِّي. قَالَ فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ. إِنِّي أَعْلَمُ بِالْخَيْرِ مِنْهُ. أَوْ عِنْدَ مَنْ هُوَ. إِنَّ فِي الْأَرْضِ رَجُلًا هُوَ أَعْلَمُ مِنْكَ. قَالَ: يَا رَبِّ! فَدُلَّنِي عَلَيْهِ. قَالَ فَقِيلَ لَهُ: تَزَوَّدْ حُوتًا مَالِحًا. فَإِنَّهُ حَيْثُ تَفْقِدُ الْحُوتَ. قَالَ فَانْطَلَقَ هُوَ وَفَتَاهُ حَتَّى انْتَهَيَا إِلَى الصَّخْرَةِ. فَعُمِّيَ عَلَيْهِ. فَانْطَلَقَ وَتَرَكَ فَتَاهُ. فَاضْطَرَبَ الْحُوتُ فِي الْمَاءِ. فَجَعَلَ لَا يَلْتَئِمُ عَلَيْهِ. صَارَ مِثْلَ الْكُوَّةِ. قَالَ فَقَالَ فَتَاهُ: أَلَا أَلْحَقُ نَبِيَّ اللَّهِ فَأُخْبِرَهُ؟ قَالَ فَنُسِّيَ. فَلَمَّا تَجَاوَزَا قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا لَقَدْ لَقِينَا مِنْ سَفَرِنَا هَذَا نَصَبًا. قَالَ وَلَمْ يُصِبْهُمْ نَصَبٌ حَتَّى
⦗ص: 1851⦘
تَجَاوَزَا. قَالَ فَتَذَكَّرَ قَالَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ. وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَبًا. قَالَ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَأَرَاهُ مكان الحوت. قال: ههنا وُصِفَ لِي. قَالَ فَذَهَبَ يَلْتَمِسُ فَإِذَا هُوَ بِالْخَضِرِ مُسَجًّى ثَوْبًا، مُسْتَلْقِيًا عَلَى الْقَفَا. أَوَ قَالَ عَلَى حَلَاوَةِ الْقَفَا. قَالَ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ. فَكَشَفَ الثَّوْبَ عَنْ وَجْهِهِ قَالَ: وَعَلَيْكُمُ السَّلَامُ. من أنت؟ قال: مُوسَى. قَالَ: وَمَنْ مُوسَى؟ قَالَ: مُوسَى بَنِي إِسْرَائِيلَ. قَالَ: مَجِيءٌ مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: جئت لتعلمني مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا. قَالَ: إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ مَعِيَ صَبْرًا. وَكَيْفَ تَصْبِرُ عَلَى مَا لَمْ تحط به خبرا. شَيْءٌ أُمِرْتُ بِهِ أَنْ أَفْعَلَهُ إِذَا رَأَيْتَهُ لَمْ تَصْبِرْ. قَالَ: سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا. قَالَ: فَإِنِ اتبعتني فلا تسألني عن شيء حتى أحدث لَكَ مِنْهُ ذِكْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا رَكِبَا في السفينة خرقها. قَالَ: انْتَحَى عَلَيْهَا. قَالَ لَهُ مُوسَى، عليه السلام: أَخَرَقْتَهَا لِتُغْرِقَ أَهْلَهَا لَقَدْ جِئْتَ شَيْئًا إِمْرًا. قَالَ: أَلَمْ أَقُلْ إِنَّكَ لَنْ تَسْتَطِيعَ معي صبرا؟ قال: لا تؤاخذني بما نسيت وَلا تُرْهِقْنِي مِنْ أَمْرِي عُسْرًا. فَانْطَلَقَا حَتَّى إذا لقيا غِلْمَانًا يَلْعَبُونَ. قَالَ فَانْطَلَقَ إِلَى أَحَدِهِمْ بَادِيَ الرَّأْيِ فَقَتَلَهُ. فَذُعِرَ عِنْدَهَا مُوسَى، عليه السلام، ذعرة منكرة. قال: أَقَتَلْتَ نَفْسًا زَاكِيَةً بِغَيْرِ نَفْسٍ لَقَدْ جِئْتَ شيئا نكرا". فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، عِنْدَ هَذَا الْمَكَانِ "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى مُوسَى. لَوْلَا أَنَّهُ عَجَّلَ لَرَأَى الْعَجَبَ. وَلَكِنَّهُ أَخَذَتْهُ مِنْ صَاحِبِهِ ذَمَامَةٌ. قَالَ: إِنْ سَأَلْتُكَ عن شيء بعدها فلا تصاحبني. قد بلغت من لدني عذرا. وَلَوْ صَبَرَ لَرَأَى الْعَجَبَ. - قَالَ وَكَانَ إِذَا ذَكَرَ أَحَدًا
⦗ص: 1852⦘
مِنَ الْأَنْبِيَاءِ بَدَأَ بِنَفْسِهِ "رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى أَخِي كَذَا. رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْنَا - "فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ لِئَامًا فَطَافَا فِي الْمَجَالِسِ فَاسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا. فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا. فَوَجَدَا فِيهَا جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقَامَهُ. قَالَ: لَوْ شِئْتَ لاتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أجرا. قال: هذا فراق بيني وبينك وَأَخَذَ بِثَوْبِهِ. قَالَ: سَأُنَبِّئُكَ بِتَأْوِيلِ مَا لَمْ تَسْتَطِعْ عَلَيْهِ صَبْرًا. أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يعملون في البحر. إِلَى آخِرِ الْآيَةِ. فَإِذَا جَاءَ الَّذِي يُسَخِّرُهَا وجدها منخرقة فتجاوزها فأصلحوا بخشبة. وأما الغلام فَطُبِعَ يَوْمَ طُبِعَ كَافِرًا. وَكَانَ أَبَوَاهُ قَدْ عَطَفَا عَلَيْهِ. فَلَوْ أَنَّهُ أَدْرَكَ أَرْهَقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا. فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا. وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يتيمين في المدينة وكان تحته". إلى آخر الآية.
(الكوة) بفتح الكاف، ويقال بضمها. وهي الطاق. (على حلاوة القفا) هي وسط القفا. ومعناه لم يمل إلى أحد جانبيه. وهي بضم الحاء وفتحها وكسرها. أفصحها الضم. (مجيء ما جاء بك) قال القاضي: ضبطناه مجيء مرفوع غير منون عن بعضهم وعن بعضهم منونا قال: وهو أظهر. أي أمر عظيم جاء بك. (انتحى عليها) أي اعتمد على السفينة وقصد خرقها. (بادي الرأي) بالهمز وتركه. فمن همزه معناه أول الرأي وابتداؤه. أي انطلق إليه مسارعا إلى قتله من غير فكر. ولم يهمز فمعناه ظهر له رأي في قتله. من البداء. وهو ظهور رأي لم يكن. قال القاضي. ويمد البداء ويقصر. (أخذته من صاحبه ذمامة) أي حياء واشفاق من الذم واللوم. (أرهقهما طغيانا وكفرا) أي حملهما عليهما وألحقهما بهما. والمراد بالطغيان، هنا، الزيادة في الضلال. (خيرا منه زكاة وأقرب رحما) قيل: المراد بالزكاة الإسلام. وقيل الصلاح. وأما الرحم فقيل معناه الرحمة لوالديه وبرهما. وقيل المراد يرحمانه.
172 -
م - (2380) وحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِيُّ. أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يُوسُفَ. ح وحَدَّثَنَا عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ. أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى. كِلَاهُمَا عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. بِإِسْنَادِ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ. نَحْوَ حَدِيثِهِ.
173 -
(2380) وحَدَّثَنَا عَمْرٌو النَّاقِدُ. حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عَمْرٍو، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ؛
أَنّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَرَأَ: لَتَّخِذْتَ عليه أجرا.
174 -
(2380) حَدَّثَنِي حَرْمَلَةُ بْنُ يَحْيَى. أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ. أَخْبَرَنِي يُونُسُ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ بْنِ مَسْعُودٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ؛
أَنَّهُ تَمَارَى هُوَ وَالْحُرُّ بْنُ قَيْسِ بْنِ
⦗ص: 1853⦘
حِصْنٍ الْفَزَارِيُّ فِي صَاحِبِ مُوسَى، عليه السلام. فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُوَ الْخَضِرُ. فَمَرَّ بِهِمَا أُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ الْأَنْصَارِيُّ. فَدَعَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ فَقَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيْلِ! هَلُمَّ إِلَيْنَا. فَإِنِّي قَدْ تَمَارَيْتُ أَنَا وَصَاحِبِي هَذَا فِي صَاحِبِ مُوسَى الَّذِي سَأَلَ السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ. فَهَلْ سَمِعْتَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَذْكُرُ شَأْنَهُ؟ فَقَالَ أُبَيٌّ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ "بَيْنَمَا مُوسَى فِي مَلَإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ. إِذْ جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ لَهُ: هَلْ تَعْلَمُ أَحَدًا أَعْلَمَ مِنْكَ؟ قَالَ مُوسَى: لَا. فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَى مُوسَى: بَلْ عَبْدُنَا الْخَضِرُ. قَالَ فَسَأَلَ مُوسَى السَّبِيلَ إِلَى لُقِيِّهِ. فَجَعَلَ اللَّهُ لَهُ الْحُوتَ آيَةً. وَقِيلَ لَهُ: إِذَا افْتَقَدْتَ الْحُوتَ فَارْجِعْ فَإِنَّكَ سَتَلْقَاهُ. فَسَارَ مُوسَى مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يَسِيرَ. ثُمَّ قَالَ لِفَتَاهُ: آتِنَا غَدَاءَنَا. فَقَالَ فَتَى مُوسَى، حِينَ سَأَلَهُ الْغَدَاءَ: أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنَا إِلَى الصَّخْرَةِ فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ وَمَا أَنْسَانِيهِ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ. فَقَالَ مُوسَى لِفَتَاهُ: ذَلِكَ مَا كُنَّا نَبْغِي. فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا. فَوَجَدَا خَضِرًا. فَكَانَ مِنْ شَأْنِهِمَا مَا قَصَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ".
إِلَّا أَنَّ يُونُسَ قَالَ: فَكَانَ يَتَّبِعُ أَثَرَ الْحُوتِ فِي البحر.
(تمارى) أي تنازعا وتجادلا.
قال الإمام النووي: وفي هذه القصة أنواع من القواعد والأصول والفروع والآداب والنفائس المهمة. ثم قال: ومنها بيان أصل عظيم من أصول الإسلام وهو وجوب التسليم لكل ما جاء به الشرع وإن كان بعضه لا تظهر حكمته للعقول ولا يفهمه أكثر الناس. وقد لا يفهمونه كلهم. كالقدر. وموضع الدلالة قتل الغلام وخرق السفينة فإن صورتهما صورة المنكر وكان صحيحا في نفس الأمر له حكم بينة. لكنها لا تظهر للخلق. فإذا أعلمهم الله تعالى بها علموها. ولهذا قال: وما فعلته عن أمري. يعني بل بأمر الله تعالى.