الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجهز ذلك إليه، حسبما اقترح عليه، كل ذلك وتيمور في بلاد الروم يمور
ذكر ما فعله ذلك المكار عند
تنجيزه أمر الروم من الغدر بالتتار
ولما صفا لتيمور شرب ممالك الروم من الكدر، وقضى الكون من أفعاله العجب وأهل الروم النحب، وجيشه من الغارة الوطر، وامتلأ من المغانم وادي سيله العرم، وكان فتى الربيع قد أدرك وشيخ الشتاء قد هرم، واندرج إلى رحمة الله المجيد، والسلطان السعيد، الغازي الشهيد يلدريم بايزيد، وكان معه مكبلاً في قفص من حديد، وإنما فعل ذلك تيمور، قصاصاً كما فعله قيصر مع سابور، وكان قد قصد استصحابه إلى ما وراء النهر، فتوفي معه في بلاد الروم في آق شهر، وفي هذا المكان توفي حفيده محمد سلطان وعزم على الرحيل، وحزم أحمال التحميل، ثم جمع رؤس التتار، وقد أضمر لهم الدمار والبوار، وقال قد آن أن أكافئكم بما صنعتم، وأجازيكم بما فعلتم، ولكن قد أضر بنا المقام، ومللنا الإقامة في مضايق الأروام، فهلم نخرج إلى الفضاء الفسيح، ونشرح صدورنا من ضيق الزمان والمكان في المهامه
الفيح، ضواحي سيواس، متنزه الناس، ومثوى الأكياس، فهنالك نضبط أحوال هذا الإقليم الوريف، ونقرر كلا منكم فيه حسبما يقتضيه رأينا الشريف، فإنه لابد من تفصيل جمله، وإمعان النظر في كيفية تدبيره وعمله، وحصر مدنه وقلاعه، وضبط قراه وضياعه، وحسبان توامينه وإقطاعاته، والإحاطة بأفراده وجماعاته
فإذا فصل لنا ما أجمل، ووضح عندنا ما منه استشكل، فحصنا عن رؤسكم وجماجمكم، وتوصلنا إلى معرفة أخباركم وتراجمكم، وجمعنا رؤساءكم، وحصرنا زعماءكم، وأحصينا أعدادكم، واستقصينا آباءكم وأجدادكم، واعتبرنا إخوانكم وأولادكم، ونظرنا متعلقيكم وأحفادكم، وتحققنا شعار الروم ودثارهم، أورثناكم أرضهم وديارهم، ثم فرضنا هذه المسألة على أعداد الرؤس، وقسمنا نفائس هذه الممالك على النفوس، ثم رددناكم إليها مكرمين، وكفيناكم وعيالكم العيلة إذ كنتم علينا معولين وعلى كل حال فإنا نفعل مع كل منكم ما يجب فعله، ونبقى عليكم من أفعالنا ما يتخلد في بطون الدفاتر والتواريخ نقله فكل منهم ارتاح لهذا القول، وعول في هذه المسألة
على موافقة الرد ولم يعلم فيها من العول، فلما توافقوا على هذه الحركة بنفس ساكنة، لم يقع منهم في هذه الموافقة على كثرة عدد رؤسهم المتماثلة مباينة، فسار بالناس، حتى بلغ سيواس " فصل " ولما برق ركام ركابه المتراكم في آفاق سيواس ورعد، وحان له أن يفي لطائفة التتار بما وعد، جلس جلسة عامة، وأقام من زبانية الجند طائفة طامه، ثم دعا من التتار الوجوه والرؤس، والظهور والضروس، ومن تخشى مضرته، وتتقى معرته، والمردة من شياطينهم، والعندة من أساطينهم فاستقبلهم بوجه طلق، ولسان بالحلاوة ذلق، وأجلسهم مكرمين في مكانهم، وزاد في تمكينهم وإمكانهم، ثم قال قد كشفت بلاد الروم ونواحيها، وتبينت جميع قراها وضواحيها، وقد أهلك الله عدوكم فاستخلفكم فيها، وأنا أيضاً أفوض ذلك إليكم، وأذهب عنكم وأستخلف الله عليكم، ولكن بأولاد بايزيد غير تاركيكم، ولا يرضون بأن يكونوا فيها مشاركيكم وأما صلحهم فقد سدت فعالكم مع أبيهم طريقه، فلا مجاز لكم إلى شريعته على الحقيقة،
ولا شك أنهم يرأبون صدعهم، ويندبون جمعهم، ويستوحون عليكم أهل المدر والوبر، ويلبيهم بالإجابة كل من تبلغه دعوتهم لأنكم في زعمهم آل غدر، فيلبسون لكم جلد النمر، ويصلونكم الجمر بكل آمر ومؤتمر، فيقرضونكم من كل جانب، ويختطفونكم من الأطراف والجوانب، لاسيما وبيدهم غالب الحصون والدساكر، وتحت أوامرهم من بقي من طوائف الجنود والعساكر فإن كنتم كما أنتم في الناس فوضى فإنهم يخوضون في دماءكم خوضاً فعوا واسمعوا إن كنتم لم تعقلوا ولم تسمعوا
لا يصلح الناس فوضى لا سراة لهم
…
ولا سراة إذا جهالهم سادوا
وأما أنا فلست منكم بدان، ولا لي في المدافعة عنكم يدان، فلابد لعقد أمركم من نظام، ولصلاة جماعتكم من شرائط وأركان يجب القيام بها أولاً والسلام وأول شرائط ذلك إمام، يرجع إلى الاقتداء، بأفعاله الخواص والعوام، ثم بعد ذلك ترتيب الجماعة، وتنزيل كل واحد في صف السمع والطاعة، ثم وضع الأشياء في محلها،
وزمام المناصب والوظائف في يد أهلها، وإيصال كل مستحق إلى استحقاقه، وجمع الرأي على أمر واحد باتفاقه فإذا اتفقت آراؤكم، وائتلفت أهواؤكم، عظمت أبناؤكم، وكبتت أعداؤكم، وكنتم يداً واحدة على من ناواكم، وانتصرتم على من خالفكم وعادكم، وكان ذلك أحرى أن لا تمتد إليكم بمكروه يد، ولا ينالكم من مخالفيكم كيد ولا كد وهذا إنما يتمم بالنظر في أحوالكم، والتفحص عن أمر خيلكم ورجالكم، وضبط الأهبة والسلاح، فإن ذلك آلة الظفر والفلاح، فليذكر كل منكم ولده وأهله، وليحضر خيله رجله وليأت بعدده وعدده، وجنده وولده، وليعرض ضرورته إن كانت، ولا يستصعبها فقد هانت، فمن كان محتاجاً إلى إكمال شيء أكملناه، ومن كان معتازاً إلى إيصال شيء أوصلناه وأضفنا إلى كل ما تجب إضافته، فيحصل أمنه وتذهب مخافته فأعرضوا أول شيء علينا سلاحكم، حتى نكمله ونعمل صلاحكم، فأحضر كل منهم أهبته، وعرض عليه عدته، وطرحوه في ذلك الجمع النظيم، فتراكم فكان كالطود العظيم، كما فعل أول الزمان، بأهل مدينة سجستان فلما سلب تلك الأسود
براثنهم وأنيابهم بهذه الأساليب، وخلب أولئك الكواسر الجواسر كل مناقيرهم والمخاليب، وأولج صارم فكره الذكر في أحشاء عقولهم وأنزل، وصار سماك سماء عزهم الرامح وقد نحره سعد الذابح أعزل، أمر كل من عنده أحد من التتار، أن يقبض عليه ويوثقه بقيد الإسار
ثم أمر برفع تلك الأسلحة إلى الزردخانة، وقد أشعل قبائل التتار بجمر البوار وأصعد إلى العيوق دخانه، ففت ذلك من أعضادهم، وبث من أكبادهم، وقصم ظهرهم، وأشعل نارهم وأطفأ نورهم، ثم تلا في خواطرهم بالمواعيد الكاذبة، واستعطف قلوبهم بالأماني الخائبة واستصحبهم بالأقوال المموهة، والأفعال المشوهة، وحال بهم الحال، وأمر في الحال، بالمسير والترحال وقيل إن السلطان بايزيد، قال لذلك العنيد إني قد وقعت في مخالبك، وأعلم أني غير ناج من معاطبك، وأنك غير مقيم، في هذا الإقليم، ولي إليك ثلاث نصائح، هن بخير الدارين لوائح أولاهن لا تقتل رجال الأروام، فإنهم ردء الإسلام، وأنت أولى بنصرة الدين، لأنك تزعم أنك من المسلمين، وقد وليت اليوم أمر الناس، وصرت
لبدن الكون بمنزلة الراس، فإن حصل لوفق اتفاقهم من تعدي يدك بسط وتكسير " تكن فتنة في الأرض وفساد كبير " ثانيتهن لا تترك التتار، بهذه الديار، فإنهم مواد للفسق والفساد، فلا تهمل أمرهم، ولا تأمن مكرهم، فخيرهم لا يعدل شرهم، ولا تذر على أرض الروم منهم ديارا، فإنك إن تذرهم يملئوها من قبائلهم نارا، ويجروا من دموع رعاياها ودمائهم بحارا، وهم على المسلمين وبلادهم أضر من النصارى، وأنت حين فخذتهم عني زعمت أنهم أولاد إخوتك، وبنو عمك وذوو قرابتك، والأولى بجماعتك وناسك أن تتبعك، وبكل من أولاد أخيك أن يقول لك عم خذني معك، فاعمل أفكارك المصيبة في إخراجهم، وإذا أدخلتهم حبساً فلا تطعمهم في إفراجهم ثالثهن، لا تمدن يد التخريب إلى قلاع المسلمين وحصونهم، ولا تجلهم عن مواطن حركتهم وسكونهم، فإنها معاقل الدين، وملجأ الغزاة والمجاهدين، وهذه أمانة حملتكها، وولاية قلدتكها فتقبلها منه بأحسن قبول، وحمل هذه الأمانة ذلك الإنسان الظلوم الجهول، واستكثرها على عقل ابن عثمان، ووفى بها بقدر الطاقة والإمكان