الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثم معززاً مكرماً معظماً مقدماً فكان تيمور عليه متطلباً وجعل ذلك حجة للمعاداة وسبباً، ثم شرع يقول، وهو يجول في ميدان هذه الرسالة ويصول إنه هو أولى بسياسة الأنام، وأن من نصبه هو الخليفة والإمام، وأنه ينبغي أن يكون هو المتبوع والمطاع، وما سواه من ملوك الأرض له خدم وأتباع، وأنى لغيره دربة الرياسة؟ وكيف تعرف الجراكسة طرق السياسة؟ مع كثير من التهويل، والحشو والتطويل، وكان يعلم أن إجابتهم سؤاله محال، وأنه طلب منهم ما لا ينال، ولكن قصد بذلك قرع باب الجدال وتركيب الحجة عليهم في فتح حجرات القتال، فلم يجيبوه بالمقال، ولكنهم قضوا مراده بالفعال، ولم يلتفت سيدي سودون لما يقول، وضرب على رؤوس الأشهاد عنق الرسول، واستعدوا للمبارزة، واستمدوا للمناجزة
ذكر ما تمالأ عليه النواب
وهم في حلب وتيمور في عين تاب
ثم إن النواب والأمراء، ورؤوس الأجناد والكبراء، تشاوروا كيف يكافحونه، وفي أي ميدان يناطحونه، فقال بعضهم عندي الرأي الأسد، أن نحصن البلد، ونكون على أسوارها بالرصد، نحرس بروج
أفلاكها، حراسة السماء بأملاكها، فإن رأينا حواليها من شياطين العدو أحداً، أرسلنا عليهم من رجوم السهام ونجوم المكاحل شهاباً رصداً
وقال آخر هذا عين الحصر، وعلامة العجز والكسر، بل نحلق حواليها، ونمنع العدو أن يصل إليها، ويكون ذلك أفسح للمجال، وأشرح للجدال ثم ذكر كل من أولئك، ما عن له في ذلك، وخلطوا غث القول بسمينه، وساقوا هيجان الرأي مع هجينه فقال الملك المؤيد، شيخ الخاصكي وكان ذا رأي مسدد، وهو إذ ذاك نائب طرابلس يا معشر الأصحاب، وأسود الحراب، وفوارس الضراب، اعلموا أن أمركم خطر، وعدوكم داعر عسر، داهية دهياء، ومعضلة عضلاء، جنده ثقيل، وفكره وبيل، ومصابه عريض طويل، فخذوا حذركم، وأعملوا في دفعه بحسن الحيلة فكركم، فإن صائب الأفكار، يفعل ما لا يفعله الصارم البتار، ومشاورة الأذكياء، مقدحة الفكر، ومباحثة العلماء، مقدمة النظر إن هذا لبحر ما يحمله بر، وجيشه عدداً كالقطر والذر، وهو وإن كان كالوابل الصبيب، لكنه أعمى لأنه في بلادنا غريب، فعندي الرأي الصائب، أن نحصن
المدينة من كل جانب، ونكون خارجها مجتمعين في جانب واحد، وكلنا له مراقب مراصد ثم نحفر حولنا خنادق، ونجعل أسوارها البيارق والبوارق، ونطير إلى الآفاق أجنحة البطائق، إلى الأعراب والأكراد، والتراكمة وعشران البلاد فيتسلطون عليه من الجوانب، ويثب عليه كل راجل وراكب، ويصير ما بين قاتل وناهب، وخاطف وسالب، فإن أقام وأنى له ذلك ففي شر مقام، وإن تقدم إلينا صافحناه بسواعد الأسنة وأكف الدرق وأنامل السهام وإن رجع وهو المرام، رجع بخيبه، وأقيمت لنا عند سلطاننا الحزمة والهيبة، وإن كان لسلطانه علينا عرج، فلنا بحمد الله سلطان وفي سلطاننا فرج، وأقل الأشياء أن نماده ونتحرز من جنده " فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده " وهذا الرأي الأسد، بعينه كان رأي شاه منصور الأسد فقال تمرداش وهو نائب المدينة ما هذه الآراء مكينة، ولا هذه الأفكار رصينة، بل المناضلة خير من المطاولة، والمناجزة في هذه المواطن قبل المحاجزة، ومقام المنازلة لا تجدي فيه المغازلة، ولكل مقام مقال، ولكل مجال جدال، وهذا طير
في قفص، وصيد مقتنص، فاغتنموا فيه الفرص، وناوشوه بالحرب، وسابقوه بالطعن والضرب، لئلا يتوهم منا الخور، ويستنشق من ركود ريحنا عرف الظفر، فأجمعوا أمركم وأعجلوا، ولا تنازعوا فتفشلوا، وانهضوا وثابروا، واصبروا وصابروا، فأنتم بحمد الله أهل النجدة، وأولوا البأس والشدة، وكل منكم في فقه المناضلة مغن ومختار، وعلمه في إفاضة دماء الأعداء منار، وله في ذلك كفاية وهداية، ونهاية غيره له بداية، وهو لمجمع الإسلام كنز واف وجامع كاف ووقاية تنحو ألسنة سيوفكم إلى تكليم الرؤوس فهي في لفظها كافية شافية، وتصرف أسنتكم أسنانها في مضاعفة كل ذي فعل معتل فهي في تصريف عللها شافية كافية فإن كسرناه فزنا بالمنال " وكفى الله المؤمنين القتال "، وتلك من الله معونة، وقد كفينا عساكر المصريين المؤنة، وكان ذلك أعلى لحرمتنا، وأقوى في ورود النصر لشوكتنا، وأذكى لريح نصرنا وأزكى، وأبكى لعينه السخينة وأنكى وإن كانت والعياذ بالله الأخرى، فلا علينا إذ بذلنا مجهودا وأقمنا عذرا، ومخدومنا يدرك ثارنا، ويحيي آثارنا فتوكلوا على الله العزيز الجبار،