الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العروس يا بيت الإحما قلت
وما الدهر إلا سلم فبقدر ما
…
يكون صعود المرء هبوطه
وهيهات ما فيه نزول وإنما
…
شروط الذي يرقى إليه سقوطه
فمن صار أعلى كان أوفى تهشما
…
وفاء بما قامت عليه شروطه
فأفاق من سكره، وعاد إلى عكره، وارعوى وما ارعوى، وعلم أنه أضل قومه وما هدى، ورأى أنه قد فرط في أمر الرياسة، وحط من جانب الإيالة والسياسة، وأنه سام الملك خسفا، وسائس السلطنة وجد عليه مائة طريق في التقصير وألفى، فأخذ يتدارك ما كان فرط، ويطلب التقصي عما فيه تورط
ذكر بعض حوادث متقدمة
لمتعلقات ذلك العابث
وكان تيمور قد رأى في الهند جامعاً، للبصير مرتعا وللبصر رائعا، عرشه في حشن بناءه ونقشه، من الرخام الأبيض كبساط فرشه، فأعجبه شكله، وأراد أن يبني في سمرقند مثله، ففرز لذلك مكان في فرز، ورسم أن يبني له جامع
على الطرز، وأن يقطع له أحجار من المرمر الصلد، وفوض أمره إلى رجل يقال محمد جلد، أحد أعوانه ومباشري ديوانه، فاجتهد في بنيانه، وتشييد أركانه، واستقصى جهده في تحسينه، من تأسيسه وتركيبه وترتيبه وتزيينه، وأعلى له أربع مآذن، وباهى في أئمة البنائين والأستاذين، وظن أن لو كان في ذلك أحد غيره، لما قدر أن يصنع صنعه، ويسير سيره، وأن تيمور سيشكر له صنيعه، وينزله عنده بذلك منزلة رفيعة فلما آب من سفرته، وتفقد ما حدث في غيبته، توجه إلى الجامع لينظر إليه فبمجرد ما وقع نظره عليه، أمر بمحمد جلد فألقوه على وجهه وربطوا رجليه، ولا زالوا يجرونه، وعلى وجهه يسحبونه، حتى بضعوه على تلك الحال، واستولى على ماله من أهل وولد ومال وأسباب ذلك متعددة، ومعظمها أن الملكة الكبرى، إمرأة تيمور العظمى، أمرت ببناء مدرسة، واتفق المعمارية وأهل الهندسة أن تكون في مواضع، مقابلة لبناء هذا الجامع، فشيدوا أركانها وسددوا بنيانها، وعلوا على الجامع طباقها وحيطانها، فكانت أرسخ منه تمكينا، وأشمخ منه عرنينا وتيمور كان نمري
الطبع، أسدي الوضع، ما تكبر عليه رأس إلا شدخه، ولا تجبر عليه ظهر إلا فضحه، وكذلك كل ما أضيف إليه، أو عول في النسبة عليه فلما رأى قامت تلك المدرسة طالت، وعلى قد جامعه الجتر ترفعت واستطالت، نغل صدره غيظاً واشتعل، وفعل مع مباشر ذلك ما فعل، فلم يصادفه فيما أمله سعد، وهذه الحكاية مقدمة لما أذكره بعد
نكتة كان هذا الجامع كصاحبه، أحاطت أوزار الأحجار بجوانبه، وتثاقلت على غواربه ومناكبه، ودقت عنقه طاقته عن حملها ورقت، وتلا لسان سقفه " إذا السماء انشقت " وما أمكن تيمور الاشتغال بهدمه ثم إحكامه، ونقض بنائه واستئناف إبرامه، فطوى ثوب عمارته على غرة، واستبقى خشب أخشبه على وهنة وكسره، لكنه أمر خاصته وذويه، أن يجتمعوا ويجمعوا فيه، واستمر ذلك في حياته وبعد وفاته، فكان إذا اجتمع الناس فيه للصلاة يرتقبون من تلك الحجارة ما يهبط من خشية الله، وصار ملك الجبال في تلك المحلة، يتلو " وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة " ففي بعض الأحيان، وقد غص بالناس ذلك المكان، وأخذ كل منهم حذره، سقط من حجارته من أعلاه شذرة،
ففر كل من كان جاثماً، وانفضوا إلى الأبواب وتركوا الإمام قائماً، وكان من جملتهم الله داد، أحد الأكفاء والأنداد، فلما اطلعوا على حقيقة الخبر، تراجعوا وزال عنهم الخور فلما قضوا الفرض، وانتشروا في الأرض، قال لي الله داد وكان من الدهاة ذوي الكياد، والأذكياء النقاد، له حوالي كعبة المخازي، مائة شوط وألف طوف - ينبغي أن يلقب هذا الجامع بمسجد الحرام والصلاة فيه صلاة الخوف، وقال لي أيضاً ألله داد، وقد فهم معنى هذا الإنشاد، وينبغي أن ينشد، في شأن هذا المعبد، ويكون رقم طرازه، ونقش صدره ومجازه، قول الشاعر
سمعتك تبني مسجداً من جناية
…
وأنت بحمد الله غير موفق
كمطعمة الأيتام من كد فرجها
…
لك الويل لا تزني ولا تتصدقي
" فصل " ولما كان تيمور ببلاد الروم يصول، كان استخلاص ممالك الشرق في فكره يجول، وقد ذكر أنه أرسل إلى ألله داد، يستوصفه
أوضاع تلك البلاد، ولما انكشفت له أحوالها، وتبينت له قراها ومضافاتها وأعمالها، حتى شاهدتها عين بصيرته، واستقرت كيفيتها في سر سريرته، جهز لتلك النواحي، رؤس هاتيك الضواحي، ومن جملتهم بيردي بك وتنكري بيردي وسعادات، وإلياس خواجه ودولت تيمور مع زيادات، وأضاف إليهم طوائف من الأجناد، ورسم أن يتوجهوا كلهم إلى الله داد، وأن يجهز ألله داد أمره، ويتوجهوا فيبنوا قلعة تدعى باش خمرة، وهي عن أشبارة نحو من عشرة أيام، ومن متعلقات المغل الطغام، وكانت أمورها اضطربت، ولكونها متنازعة بين مملكتين خربت، فتوجهوا إلى تلك الدارة، بالعساكر الجرارة، واشتغلوا على غير عادتهم بالعمارة وكان توجه هذه الفئة، في أواخر سنة ست وأوائل سنة سبع وثمانمائة، وقصد بذلك أن تكون لهم معقلا، وعند توجههم إلى الخطا وإيابهم ملجأ وموئلا، فلما أحكموا أساسها، وصنفوا أنواع بيوتها وأجناسها، وصفوا من أحجار الأساسات أقدامها، ورفعوا على أعلام الأسوار أعلامها، أرسل إليهم مرسوماً أنهم يرجئون أمرها، ويتناسون ذكرها، ويأمرهم فيه بالرجوع،