الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر ارتفاع ذلك الغمام بصواعق
بلائه عن ممالك الأروام
وسار فثار غبار، أخذ عين الشمس معه الانبهار، وفار بحار التتار فكأن البحر أمده الله بسبعة بحار، فمر لا يدخل قرية إلا أفسدها، ولا ينزل على مدينة إلا محاها وبددها، ولا يمر على مكان إلا دمره، ولا ينجذب عن ربقة طاعته جيد إلا كسره، ولا يتمنع عليه شمراخ حصن شامخ إلا هصره فخلع على عثمان قرايلوك حين وصل إلى أرزنجان، وقرره في ولاياته وزاده بعض معان ومغان، ووصاه بشمس الدين الذي ولاه قلعة كماخ، وأن يكون كل منهما للآخر قوة وطباخ
ذكر انصباب ذلك العذاب ماء ونارا
على ممالك الكرج وبلاد النصارى
ثم لم يزل يلتج بذلك البحر اللج، حتى أرسى على بلاد الكرج، وهم قوم يعبدون المسيح، ملكهم غير فسيح، ولكنه مصون، بواسطة قلاع وحصون، ومغائر وكهوف، وجبال وجروف، وقلاع وحروف، كل من ذلك أعصى المنال، من نفس كريم سيم شيم الأنذال ومن مدنهم تفليس، وكان أخذها ذلك إبليس، وطرابزون وأبخاص،
وهي التخت بالاختصاص فتمنعت هذه الأماكن عليه، ولم تسلم قيادها إليه، فأقام يحاصرها، وقعد يناقرها وينافرها، فمن ذلك مغارة بابها في وسط جرف شاهق، آمنة من البوائق سالمة من الطوارق، سقفها آمن من صواعق المجانق، وذيلها أرفع من أن يتشبث به علائق المسالق، مدخلها أخفى من ليلة القدر، وعدم التوصل إليها أجلى من القمر ليلة البدر فأولع بمحاصرتها، والتزم بمضاجرتها، واستعمل من فكره مهندسه، وجعل لا يقر من الأفكار والوسوسة، ثم أنتج رأيه المتين، وفكره الرصين، أن يرسل عليها عذاباً من فوقها، وأن يصطاد تلك الحمامة الصاعدة في الجو بأرجلها من طوقها فأمر أن يصنعوا له توابيت على هيئة الدبابات، كأنهن شياطين النساء للرجل غلابات، وأوثقهن بالسلاسل الحكيمة، وأوسقهن بالرجال ذوي الشكيمة، وأدلاهن من تلك القلال، وأهواهن من شواهق الجبال، فتدلين في الهواء، تدلية مبرم القضاء، فملأن النفانف، وأرجفن من الجبال والرجال الروانف، وصار لسان حال تلك الصقور والشواهين ينادي كل
من رآه " ألم ترى إلى الطير مسخرات في جو السماء ما يمسكهن إلا الله " فحين وازوا باب تلك المغارة، أكبثوهم بالنبال السحارة، وكشفوهم بالمكاحل الطيارة، وهاوشوهم بأنواع الأسلحة، وناوشوهم بالأوهاق والكلاليب المفلطحة
فلا زالت الجوارح في الهواء صافات ويقبضن، يقبلن إلى ذلك الوكر حائمات عليه ويعرضن، ينقرن سرة أهله بمناقير المناقيب، وينشبن فيه مخاليب الكلاليب، وبكره الناشز تمانعهم على الولوج، وتستعين في مدافعتهم بمن فيها من العلوج، فلم ينشب أحد أولئك الجوارح، أن أنشب في الباب كلوبه الجارح ثم استعضد الفتح واستنهض الظفر، واعتمد على الله ومن دبابته إلى الوكر طفر، فاحتضنه ساعد المساعدة، واكتنفه عضد المعاضدة، وقبض على رسغه كف السلامة، فنكصت النصارى على عقبهم أمامه، ولم يزل وحده مبيدهم، حتى قتل أوباشهم وصناديدهم، ثم أدخل رفقته فيها، وأخرجوا ما كان في مخابيها، واسم هذا الرجل لهراسب، ستة أحرف ليس فيها غير متحركين اللام مضمومة، والهاء، والراء مفتوحة والألف والسين والباء، واجتماع
ثلاث سواكن في الفارسي كثير، وفي التركي أيضاً موجود ولكنه عزيز غير غزير ومن جملة هذه القلاع قلعة شاهقة، حروف ذاتها كحروف اسمها بمناعتها ناطقة، لا يعمل في فتحها لارتفاعها لعل وليت، لأن اسمها كما زعموا كل كورقيت، أي تعال انظر وارجع، بمعنى أنه لا ينال الوافد عليها، سوى النظر إليها، ثلاثة أطرافها مبنية على قلل آكام، شمخت على ما حواليها من الهضاب فهي على الإعلام أعلام، وطريقها من الوجه الرابع وهو دقيق في سلوكه عسر، ينتهي بعد أنواع المشقة إلى جرف مقطوع بينه وبين باب ذلك الحصن جسر، إذا ارتفع ذلك الجسر سدت دون الوصول إلى ذلك الحصن الحيل، وأعاذ كل من لاذ يقلته من بنيه فصح أن يقال له معاذ ابن الجبل فلما اطلع على حقيقة أمرها، وانكشف له مستور خبرها، أبى أن يرحل عنها إلا أن يصل إلى غرضه منها، ولم يكن بالقرب منها مكان ينزل فيه، ولا بر يحمل ذلك البحر الطاغي ويحويه، بل إنما كان حواليها جروف وهضاب، غضون جبينها كأنها وجه شوهاء ناشز عن زوج محب عقاب في عقاب، فطمع منها من غير مطمع،