الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وأنكيس عقلته، فاسالوا على راياتهم ذات البياض من الدماء حمرة، وفتحت لجماعتهم طريق إلى عتبة النصرة، فلاح لهم فلاح وجنح لهم نجاح، فنجوا من الشرور، وحصل لهم السرور، بعد أن قتلوا من العسكر أميرين أحدهما قتلغ تيمور ولما وصل هذا الخبر إليه، اسودت الدنيا في عينيه، بل انقلب الكون والمكان عليه، ثم نهض إليها بنفسه، وربض عليه بحرسه، وأحاط بجوانبها وألقم الحرس أفواه مضاربها
صفة قلعة النجا
وهذه القلعة أمنع من العقاب، وأرفع من السحاب، يناجي السماك سماكها، ويباهي الأفلاك استمساكها، كأن الشمس في شرفها ترس من الإبريز على بعض شرفها، وكأن الثريا في انتصابها، قنديل معلق على بابها، لا يحوم طائر الوهم عليها، فأنى يصل طائش السهم إليها، ولا يتعلق بخدم خدمتها خلخال خيال وافتكار، فضلاً عن أن يحلق على معصم عصمتها من عساكر الأساورة سوار وكان ألتون قد تربى في ترائب ترابها، وأهل مكة أخبر بشعابها، فصار كلما سجى الليل الساجم، وأرصد
لسراق الشياطين عيونه الرواجم، هبط من تلك القلال، وسرى سري طيف الخيال ودب دبيب الشحم في اللحم، والماء في العود والنار في الفحم، من درب لم تتوهمه الظنون، بعون من لا تراه العيون، بحيث لا يشعر به الحرس، ولا يبصر به العسس، ولا يزال يتلو عليهم آيات الإغفاء، وينفث بطلسمات الاستخفاء، ويتقرب ويترقب، حتى يلوح له في الحي مضرب، فيقتل ويسلب، وينهب ويهرب، فيكر سالماً ويفر غانماً فلم يزل ذلك دأبهم ودأبه، حتى أعجز تيمور وأصحابه، فلم ير تيمور أوفق من الارتحال، لضيق المجال وعسر المنال، فارتحل عنها بعد أن رتب عليها للحصار اليزك، واستمر الحصار مدة طويلة والقضاء يقول له اصبر فإنها لن تعجزك، قيل إنها مكثت في الحصار اثنتي عشرة سنة وسبب أخذه لها أن ألتون المذكور، كان له أخ بالفسق مشهور، فحصل بينه وبين أم السلطان طاهر، خيانة أوجبت عليها ما يجب على العاهر، فاطلع على ذلك طاهر بن السلطان أحمد، فقبض عليهما، وقتلهما، سالكاً في ذلك الرأي الأحمد وكان إذ ذاك ألتون عن القلعة غائباً، قد خرج منها
وقصد للغارة جانباً، فلما رجع ألتون أغلقوا باب القلعة عليه، ورموا بأخيه من فوق السور إليه، وأخبروه خبره، وعجره وبجره، فقال جزاكم الله أحسن الجزاء، وجعل حظكم من الخيرات أوفر الأجزاء لو كنت عالماً فعله، أو حاضراً قتله، لعاملته بما هو أهله، وفعلت به ما يجب فعله، ولحل به من الزمان دواهيه، وأريتكم العبر فيه، ولأشهرته في خلق الله تعالى وبريته، وناديت عليه هذا جزاء من يخون ولي نعمته ثم طلب الدخول فقطعوه عن الوصول، فقال أما أخي فإنه جنى فذاق ثمرة ما جناه، وأما أنا فقلبي على الوفاء بعهدكم من الأزل وإلى حين وفاتي لم أزل موالي وليكم ومعادي عدوكم فإن طردتموني فإلى أين أذهب، وإن رددتم رغبتي فيكم ففيمن أرغب، فقالوا ربما أدركتك الحمية، ولحقتك العصبية، فتذكرت أخاك، وتفكرت شدتك بعد رخاك فنقمت، وانتقمت، واعوججت بعد أن استقمت، وتكدر منك ما صفا وظهر ما اختفى، ناهيك قصة الأخوين مع ذات الصفا قلت
ويمكن وصل الحبل بعد انقطاعه
…
ولكنه تبقى به عقدة الربط
فأنشأ أيماناً واثقة، أن كلماته وعهوده صادقة، فقالوا له لا تطل الحديث فما حييت مالك عندنا مقيل ولا مبيت، فارجع من حيث جئت، وهذا آخر العهد منك غضبت أم رضيت، فأخذ يذم دهره، ويعض يديه ندامة وحسرة، على أنه أنفذ عمره، في طاعة من لم يعرف قدره، ثم دنى فتدلى، وعبس وتولى، وسيب فرسه وماله، وفرق خيله ورجاله، ولما لم يكن له ملجأ، سوى قلعة النجا وقد خرجت من يده، وألقت النار في كبده، ضرب أخماساً لأسداس، فيمن يقصده من الناس ثم أورى برأيه الزند، أن يقصد مدينة مرند، وكانت تحت حكم تيمور، وفيها أوامره تمور، فسالمها وقصد حاكمها لابساً لبدا، وتاركاً مالاً وولدا، لما اتصل بحاكمها الخبر، أحاط به الجبن والخور، فاضطرب واقشعر، واضطرم واعتكر، وأخذ الحذر ورام المفر، فقيل أنه وحده من غير رجال وعدة، فرجع عقله إليه، ودخل ألتون عليه، فأخذ في التفتيش عن أموره، ثم قطع رأسه وأرسله إلى تيمور، فتحرق لذلك