الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وصار في هذه المدة يتطلب الأفاضل، وأصحاب الحرف والصنائع وأرباب الفضائل، ونسج الحريريون له قباء بالحرير والذهب، ليس له درز فإذا هو شيء عجب، وبنى في مقابر باب الصغير قبتين متلاصقتين على تربة زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، وأمر بجمع العبيد الزنج واعتنى بجمعهم أكثر من غيرهم وقدم
ذكر ما صنعه بعض الأكياس من الناس
خوفاً من أن يحل بهم الباس ووقى بنفائسه النفوس والأنفاس
وكان في صفد، تاجر من أهل البلد، أحد الرؤساء التجار، يدعى علاء الدين وينسب إلى دوادار، كأنه تقدمت له خدمة على السلطان، فولاه حجبة ذلك المكان، فلما توجه النواب إلى حلب، والعادة أن ينوب عن نائب البلدة في غيبته من حجب، ناب عن نائبها ألطنبغا العثماني، وحاجبها علاء الدين الدواداري، فغرق في أسر ذلك الطوفان، كل النواب ومن جملتهم العثماني وابن الطحان، ومات منهم من مات وفر من فر، واستمر في قيد الأسر ألطنبغا وعمر فلما قدم تيمور الشام، وحل بها منه ما يحل من قضاة السوء بأموال الأيتام،
شرع كل متول في بلاد، يفعل ما أدى إليه الاجتهاد، فبعض حصن أماكنه، وبعض مكن كمائنه وطائفة استجزت للنقار، وفرقة استوفزت للفرار، وقوم سالوا وسكنوا، وهادوا وهادنوا ففكر علاء الدين المذكور وقدر، وتأمل في خلاص صاحبه وبلده وتبصر، وكان من أبناء الناس، وعنده ذوق الأكياس، واستشار مصيب عقله في ذلك واستنطقه، فقال داره بما معك من مال واترك سرب الفرار ونفقه، وما كذبه إذ قال له كل مداراة عن العرض ستر له وصدقة، وكان ذا مال ممدود، فقال ما ادخرت الدنانير الصفر والدراهم البيض إلا للأيام السود، فطلب من تيمور الرياضة، وأراد أن يجس أولاً بمجاملته المخاضة، فعالج هذا الأمر علاج النطس المريض، وبادر بالمهادنة حول الجريض دون القريض، وأرسل إلى تيمور أجناساً من ماله الطويل العريض، واستحال خاطره، واستدعى أوامره، ثم أردفها بأضعافها، وأضعف خواصرها بأردافها فشكر تيمور له صنعه، وزاده ذلك عنده منزلة ورفعة، وأرسل إليه مرسوم أمان، وأن يعمل هو وأهل بلده بالمجاملة والإحسان، فليؤمن روعهم، وليسكن
جنسهم ونوعهم، ولتؤنس وحشتهم، ولتذهب دهشتهم، بحيث أنهم يتبايعون ويتشاورون، وإلى معمليهم من عساكره يتجاورون، وإن استطال أحد من أجناده، ولو أنه من إخوته وأولاده، فليقابله بالمنع والإنكار، والضرب والإشهار، وصار يطلب منه ما أراده، فيرسله إليه بزيادة وكلما زاد فيما يقترحه عليه من نقد وجنس طلبا زاد علاء الدين لذلك نشاطا وطربا، ومن جملة ما اقترح عليه في ذلك المقبض، حمل بصل أبيض، بناء على أن ذلك لا يوجد، في الشام بأسرها فضلاً عن صفد، ففي الحال وجد من ذلك ثلاثة أحمال، فأرسلها إليه كما هي، وكان ذلك من الفضل الإلهي، حتى أحبه، وتمنى قربه، وقال فيه بمعنى ما قلت
داريت وقتك واحتميت
…
ببذل مالك يا بشر
لو كان مثلك آخر
…
في الشام ما سيمت بشر
وتوجه طوائف من العسكر إليهم، وباعوا منهم واشتروا عليهم، واستمرت عقود المصادقة لم تحل، إلى أن قوض خيامه عن دمشق ورحل،
فلما أقشع من الشام ضباب ضيره، وامتد في ميدان الرحيل حبل سيره، أعقب علاء الدين الدواداري، قاصداً إلى ذلك الأسد الضاري، ومعه تحف سنية، ونتف ملوكية، ومطالعة فحاويها رائقة، ومعانيها فائقة، وألفاظها بالخضوع والخشوع ناطقة، فيها من الترقيقات ما تقشعر منه الجلود، ويلين له الحديد والصخر الجلمود، ويجري في طبائع الأبدان اليابسة جري الماء في العود وطلب في أثنائها مراحمه في أمر العثماني وابن الطحان، وجز ناصية عبوديتها بمقراض الإعتاق والامتنان، وأن يجعل العفو عنهما شكر القدره، ويفيض عليهما من بحار مراحمه قطرة، وإنهما أقل من أن ينسبا إلى أسره، إذ ملوك الأرض تود لو كانت أطفالاً تحت حجره، ورأيه الشريف أعلى، وامتثال ما يبديه من المراسيم أولى
فلما اطلع تيمور على فحواه، وفهم ما أبداه وما أنهاه، وشاهد تخفه وهداياه، وتفكر في أول أمره ما ألحمه معه من الخدم وما أسداه، والخير له تأثير والبادي أكرم، والشر كله تقصير والبادي أظلم قلت