الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والأسماع
معنى كتاب وفد وهو في الهند عليه
زعموا أن ولده أميران شاه أرسله إليه
وذلك أن ابنه أميران شاه المذكور راسله، وأنهى إليه يقول على ما قيل في بعض ما قاوله وحاوله، إنك قد عجزت لكبر سنك، وشمول الضعف ببدنك ووهنك، عن إقامة شعائر الرياسة، والقيام بأعباء الإيالة والسياسة، والأولى بحالك إن كنت من المتقين، أن تقعد في زاوية مسجد وتعبد ربك حتى يأتيك اليقين، وقد تم في أولادك وأحفادك، من يكفيك أمر رعيتك وأجنادك، ويقوم بحفظ مملكتك وبلادك، وأنى لك بلاد وممالك؟ وأنت عن قريب هالك فإن كان لك عين باصرة، وبصيرة في نقد الأشياء ماهرة، فاترك الدنيا واشتغل بعمل الآخرة، ولو ملكت ملك شداد، ورجع إليك اقتدار العمالقة وعاد، وساعدك النصر والعون، حتى تبلغ مقام هامان وفرعون، ورفع إليك خراج الربع المسكون، حتى تفوق في جمع المال قارون، وحدث في خراب البلاد كبختنصر، الذي طول الله تعالى له فقصر وبالجملة فلو بلغ سلطانك الأقطار، وقضيت من دنياك غاية الأوطار، وصار عمرك فيها أطول الأعمار،
وخدامك فيها ملوكها الأغمار، فقصر جندك قيصر وكسر كسرى فانكسر، وتبعك تبع والنجاشي، وأوساط الملوك والأقيال غدوا لك خداماً وحواشي، وغفر لك فغفور بالثناء فاه، وأخنيت على الخان وخاقان فوجه كل رقعة دستك شاه، وأذعن لك فرعون مصر وسلطانها وجبى لك على يد جببو الدين إيران الدنيا وتورانها، وآل أمرك إلى أن دان لك سكان الأقاليم وقطانها، أليس قصارى تطاول قصورك إلى القصور، ونهاية كمالك النقص وحياتك الموت وسكناك القبور؟ قلت
فعش ما شئت في الدنيا وأدرك
…
بها ما رمت من صيت وصوت
فخيط العيش موصول بقطع
…
وحبل العمر معقود بموت
وقيل
قميص من القطن من حلة
…
وشربة ماء قراح وقوت
ينال به المرء ما يرتجى
…
وهذا كثير على من يموت
فأين أنت من نوح وطول عمره، ونياحته على قومه وحسن عبوديته وشكره، ولقمان ووعظه وولده، وتربيته لطول الحياة لبده، وداود
في ملكه الفسيح، مع قيامه بأوامر الله تعالى وكثرة الذكر والتسبيح، وسليمان بعده وحكمه على الإنس والجن والطير والوحش والريح، وذي القرنين الذي ملك المشرقين، وبلغ المغربين، وبنى السد بين الصدفين، ودوخ البلاد وملك العباد وأين محلك من سيد الأنبياء وخاتم الرسل، وصفوة الأصفياء، المرسل رحمة للعالمين، الكائن نبياً وآدم بين الماء والطين، محمد المصطفى، وأحمد المجتبى الذي زويت له مشارق الأرض ومغاربها، وتمثل بين يديه شاهدها وغائبها، وفتحت له خزائنها، وعرض عليه ظاهرها وكامنها، وكانت جنوده الملائكة الكرام، وآمن به الإنس والجن والطير والوحش والهوام، وأيده الله الكريم المتعال بأن أرسل لطاعته ملك الجبال وكان حامل رايات نصره نسيم الصبا باليمين والشمال، فملك الجبابرة بالهيبة والقهر، وكانت الأكاسرة والقياصرة تهابه من مسيرة شهر، وأيده بنصره وبالمؤمنين من المهاجرين والأنصار، وتولى نصره " إذ أخرجه الذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار " وبلغ ركابه الشريف أن الله سبحانه به أسرى، في بعض ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، وكان مركوبه الشريف البراق، ثم عرج به
إلى السبع الطباق، وقرن اسمه الكريم مع اسمه، وتعبد عباده بما شرعه إلى يوم القيامة من غير تغيير لحده ورسمه، وخلق لأجله الكائنات، وأنار بوجهه الموجودات، ولم يخلق في الكون أشرف منه ولا أفخر، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وأظهر من معجزاته أن أشبع الجم الغفير، من القرص الشعير، وسقى الكثير من الرعال، مما نبع من بين أصابعه من الماء الزلال، وانشق له القمر، وسعت إليه الشجر، وآمن به الضب، وسلم عليه الحجر وهل تحصى معجزاته، أو تحصر كراماته؟ وناهيك بمعجزة المؤيدة، وكرامته المؤبدة، المخلدة على مر الزمان، الباقية من دار الحدثان، الساكنة مع تحرك الملوان، وهو القرآن المجيد الذي " لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد " وهذه منازله في الدنيا، غير ما ادخر له في العقبى، وبشره بقوله " وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى " هذا وإن الله تعالى أخذ ميثاق النبيين بالإيمان به وبنصره، فلو أدركوه ما يسعهم إلا اتباعه وامتثال أمره، فهو دعوة إبراهيم الخليل، ومتوسل موسى والعلماء من بني إسرائيل، والمبشر بقدومه على لسان عيسى في الإنجيل،
وحامل لواء حمد ربه يوم لقائه، آدم ومن دونه تحت لوائه وهو صاحب الحوض المورود، والمخاطب من ربه في موقف الشفاعة والمقام المحمود، بمعنى ما قلت مفوفا مقتبسا
قل يسمع شفع تشفع سل تنله تجد
…
تفويف خلعة عز واقتبس نعمى
فانظر إلى هؤلاء السادة، معادن الخير ومفاتيح السعادة، هل رغبوا في الدنيا أو اعتمدوا عليها، أو نظروا إلا بعين الاحتقار والاعتبار إليها؟ أو هل كان نظرهم غير التعظيم لأمر الله، والشفقة على خلق الله؟ وناهيك بالخلفاء الراشدين وأعظم بالعمرين الذين كانا بهذه الأمة بمنزلة القمرين، وهلم جرا بالخلفاء العادلين، والملوك الكاملين، والسلاطين الفاضلين والذين تولوا بالعدل فرعوا حقوق الله تعالى في عباده، وحموا عباد الله عن الظلم في بلاده، وأسسوا قواعد الخير، وساروا في نهج العدل والإنصاف أحسن سير، فمضوا على ذلك وبقيت آثارهم، وأحيت بعد موتهم أيامهم وأخبارهم، فمضى على ذلك مثل الأولين، وبقي لهم لسان صدق في الاخرين، إذ صنعوا بوجب ما سمعوا
فكن حديثاً حسناً ذكره
…
فإنما الناس أحاديث
وأنت وإن كنت تسلطت على الخلق، فقد عدلت أيضاً ولكن عن الحق، ورعيت ولكن أموالهم وزروعهم، وحميت ولكن بالنار قلوبهم وضلوعهم، وأسست ولكن قواعد الفتن، وسرت ولكن على سنن إماتة السنن، ومع هذا فلو عرجت إلى السبع الشداد، ما بلغت منزلة فرعون وشداد، ولو رفعت قصورك على شوامخ الأطواد، ما ضاهيت " إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد "
فانظر إلى من نهى وأمر، ثم مضى وغبر، ولا تكن ممن طغى وفجر، وتولى وكفر، واقنع بهذا الخطاب، عن الجواب، واعط القوس باريها، واترك الدار لبانيها، وتولى الله ورسوله والذين آمنوا وإلا فأنت ممن تولى في الأرض ليفسد فيها، فإني إذ ذاك أمشي عليك، وأضرب على يديك وأمنعك من السعي في الفساد بأن أسوي بين رجليك، مع قلة آداب كثيرة، وعبارات ذنوبها كبيرة فلما وقف تيمور على هذا الكتاب، وجه إلى تبريز عنان الركاب، وكان عند أميران شاه من المعتدين، جماعة سعوا في الأرض
مفسدين، منهم قطب المواصيلي أعجوبة الزمان الدوار، وأستاذ علم الموسيقا والأدوار، إذا استنطق اليراعة أسكت أهل البراعة، وإذا وضع الناي بفيه، سحق عود إسحاق وأبيه، وإن أخذ في الأغاني أغنى عن الغواني، تقول النفس لنفسه الرخيم خفف عني أيني، فتشير براعته بالإصبع وتقول على عيني، ثم ينفخ فيها الروح، فيشفي كل قلب مجروح، ويداوي كل فؤاد مقروح، فإن أقامت قامتها الرشيقة راقصة في سماعها، يحنى الجنك ظهره خاضعاً لطيب استماعها، وإن فتحت فاها لتقرئ أسماع القلوب ألحانه، يميل العود عنقه مصغياً إليها عاركاً بأنامل الأدب آذانه قيل إنه كان يؤدي جميع الأنغام الفروع والمركبات والشعب والأصول، من كل ثقب من أثقب الموصول، وله مصنفات في أدوار المقامات، وجرى بينه وبين الأستاذ عبد القادر المراغي مباحثات، وكان أميران شاه به مغرماً، يعد صحبته والعشرة معه مغنماً وكان تيمور لا يعجبه العجب، ولا يستهويه اللهو والطرب، فقال إن القطب أفسد عقل أميران شاه، كما أفسد عبد القادر أحمد ابن الشيخ أويس وأطغاه، فوصل ذلك الطاغ، سابع عشر شهر
ربيع الأول سنة اثنتين وثمانمائة إلى قراباغ، فأناخ بها ركابه، وأراح بها دوابه، وضبط ممالك أذربيجان، وقتل أولئك المفسدين وأهل العدوان، ولم يتعرض لأميران شاه، لأنه ولده وهو أنشأه، وبينهما أمور متشابهات لا يعلم تأويلها إلا الله ثم توجه بذلك الخميس، ثاني جمادى الآخرة يوم الخميس، وأخذ مدينة تفليس وقصد بلاد الكرج، وهدم ما استولى عليه من قلعة وبرج، وقلعهم إلى الصياصي، والقلاع العواصي، وقتل من ظفر به من طائع وعاصي، وجرهم ما بين رؤوس ونواصي، ثم ثنى عنان العناد، وحرش البغاة على بغداد، فهرب السلطان أحمد من ذلك اللجب، إلى قرا يوسف في ثامن عشري شهر رجب فسكن تيمور زعازعه، وطمن ذلك مراقبه ومنازعه، وتمهل في السير، واستعمل في نحوه مع مناظره مباحث سوى وغير، وصار يتحازر ويتحاول وينشد وهو يتغافل
أموه عن سعدى بعلوى وأنتم
…
مرادي فلا سعدى أريد ولا علوى
فتراجع السلطان أحمد وقرا يوسف يوماً إلى مدينة السلام، متصورين