الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واحتما، وإما بهزيمة واختفا، فأول من استجاز من أهل الشام ورام المسير شهاب الدين أحمد بن الشهيد وزير، ثم تفرقت الطوائف عجماً وعرباً وتبددوا في الآفاق شرقا وغربا، ووقع في سمرقند القحط وغلاء الأسعار، ولم يرخص بين الناس سوى الدرهم والدينار، ثم حصل بعد ذلك الرفاهية، واجتمع للناس الرخاء والأمنية، وطاب الزمان، وحصل الأمان، وذهب المقت، وصفا الوقت
وعند صفو الليالي يحدث الكدر
ذكر ما أثار الزمان الغدار
من دمار وبوار، ألقى به الخليل في النار
وكان خليل سلطان، تزوج بشاد ملك زوج سيف الدين الأمير، وملكه سلطان هواها فكان فيه كالأسير، فمال بكل جوانحه إليها، بحيث أنه قصر نظره عليها، وصارت محبته كل يوم تزداد، وأنست قصته قضية قيس وليلى وشيرين وفرهاد، فكان كما قيل
أعانقها والنفس بعد مشوقة
…
إليها وهل بعد العناق تدان
وألثم فاهاكي تزول صبابتي
…
فيشتد ما ألقى من الهيمان
كأن فؤادي ليس يهدا الذي به
…
إلى أن يرى الروحين يجتمعان
واستمر ذلك إلى أن ران هواها على قلبه، وأخذ بمجامع لبه، وربط جوارحه، وحل جوانحه، وفصل قميصاً واسعاً فكانا يلبسانه، واتحدا فصار ينطق بلسانها وتنطق بلسانه، وصارا ينشدان، وإلى حالهما يرشدان
أنا من أهوى ومن أهوى أنا
…
نحن روحان حللنا بدنا
بل كانت القضية بالعكس قلت
إنما كان بروح نفخت
…
مذ براها ربها في بدنين
فكان لا يصدر أمراً إلا عن رأيها، ولا يستضيء في سياسة الملك إلا بآرائها فسلمها قياده، واتبع مرادها مراده وهذا من غاية البله والعته، وكيف يفلح من ملك قياده امرأة وكان لها خادم قديم، ليس من بني الأحرار ولا بكريم، بل كان من أطراف الناس، يبيع في أول أمره البز والكرباس، يدعى بابا ترمش، بطرف معمش، ووجه منمش، وصورة قبيحة،
وسيرة غير مليحة، وكان يتقاضى حوائجها ويدخل عليها، قبل وصول خليل سلطان إليها فلما وصلت مخدومته إلى ما وصلت، وحصلت لها المرتبة التي لغيرها ما حصلت، ارتفعت درجت خدمها، وزادت حشمة حشمها، فاستفاد بابا ترمش من إضافة إليها التعظيم، وبحسب كرامة المخدوم يحصل للخادم التكريم، فصار يرأس جماعتها ويسوسهم، وبمجالستها تحلى بخلعة " هم القوم لا يشقى جليسهم " ثم ترقى حتى صار عليه مدار أمرها، ثم تخطت قدمه إلى التكلم في أسباب الملك وغيرها، ثم تدرج إلى فصل المحاكمات الديوانية، وإجراء القضايا السلطانية، ثم ترفع إلى التولية والعزل، وتعاطي ذلك على سبيل الجد لا الهزل، وانتهى في ذلك، فصار دستور الممالك، ولم يقدر أحد على رد كلمته، لحدة شوكته بقوة مخدومته، فبسط يده ولسانه كما اختار، وامتثل كل أحد ما أمر به وأشار، واستطال على ألله داد وأرغون شاه، فصار يبرم ما ينقضانه وينقض ما أبرماه، وبلغ في قلة الأدب إلى أن كان يمد رجله بحضرتهما، ولا يقوم بذرة من واجب حرمتهما، ثم حجر أن لا تفصل قضية إلا بمشورته، وإن كان غائباً