الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أن كانت مدينة السلام، دار السام، وأسروا من بقي من ضعفة أهلها فتمزق، ومزقتهم أيدي الزمان كل ممزق، بعد أن كانوا في ظلال ودلال، ومن مساكنهم في جنتين عن يمين وشمال، فاليوم عشش البوم والغراب أماكنهم، وأصبحوا لا ترى إلا مساكنهم، وهذه المدينة هي أشهر من أن توصف، وعرف عارفتها وعرفانها أذكى من أن يعرف، ناهيك، أنها كاسمها مدينة السلام، وأنه على ما قيل لم يمت بها إمام
ذكر رجوع ذلك الطاغ وإقامته في قراباغ
ثم ألوى بتلك الأتراك التي يصح أن يقال لكل منهم أنه في التركية طاغية طاغ وعزم أن يشت في مكان يصلح أن يكون في الترك والعرب كصفاته وذاته قراباغ، وأمسى كالبازي المطل بل كالبوم في الشؤم مراقباً أطراف الآفاق وخصوصاً ممالك الروم
ذكر مراسلة ذلك المريد سلطان
الروم يلدريم بايزيد
فراسل سلطانها بايزيد المجاهد الغاز، وصرح بما يروم من بلاد الروم، من غير كناية وألغاز، وجعل السلطان أحمد وقرا يوسف
سبباً، وذكر أنهما من سطوات سيوفه هربا، وأنهما مادة الفساد، وبوار البلاد، ودمار العباد، وسنخ الخمول والإدبار، وكفرعون وهامان في العلو والاستكبار، " إن فرعون وهامان وجنودهما كانوا خاطئين " وقد صارا بمن معهما في حمى ذراكم، لاطئين، وأينما حلوا حلت التعاسة والشوم، وحاشا أن يكون مثلهما من المفلوكين تحت جناح صاحب الروم، فإياكم أن تأووهم بل أخرجوهم، وخذوهم واحصروهم " واقتلوهم حيث وجدتموهم " وإياكم ومخالفة أمرنا، فتحل عليكم دائرة قهرنا، فقد سمعتم قضايا مخالفينا وأضرابهم، وما نزل بهم منا في حرابهم وضرابهم " وتبين لكم كيف فعلنا بهم " فلا تكثروا بيننا وبينكم القيل والقال، فضلاً عن جدال وقتال، فقد بينا لكم البراهين وضربنا لكم الأمثال، وفي أثناء ذلك أنواع التهديد والتخويف، وأضاف التهويل والأراجيف وكان ابن عثمان عنده رقاعة وشجاعة، ولم يكن عنده صبر ساعة، مع أنه كان من الملوك العادلين، وعنده تقوى وصلابة في الدين، وكان إذا تكلم وهو في صدر مكان، فلا يزال في حركة واضطراب حتى يصل إلى طرف الإيوان
وكان بواسطة عدله ساعده الزمان، وقويت شوكته في المكان، فاستصفى ممالك قرمان، وقتل ملكها السلطان علاء الدين وأسر له عنده ولدان، واستولى على ممالك منتشا وصاروخان، وهرب منه إلى تيمور الأمير يعقوب بن علي شاه حاكم ولايات كرميان، وصفا له من حدود جبل بالقان، من ممالك النصارى إلى ممالك أرزنجان فلما وقف على كتابه، وفهم فحوى خطابه، نهض وربض، وامتعض وارتمض، ورفع صوته وخفض، وكأنه تجرع نقوع الحضض، ثم قال أو يخوفني بهذه الترهات، ويستفزني بهذه الخزعبلات؟ أو يحسب أنني مثل ملوك الأعجام، أو تتار الدشت الأغتام؟ أو في جمع الجنود، كجيش الهنود، أو جندي في الشقاق، كجمع العراق أو ما عندي من غزاة الإسلام، كعساكر الشام، أو أن قفله المجمع كجندي أو ما يعلم أن أخباره عندي؟ وكيف ختل الملوك وختر، وكيف تولى وكفر، وما صدره عنه وعنهم، وكيف كان كل وقت يستضعف طائفة منهم، وأنا أفصل جمل هذه الأمور، وأكشف ما خزنه في التامور أما أول أمره فحرامي سفاك الدم، هتاك
الحرم، نقاض العهود والذمم، طرف منحرف عن الصواب في الخطا، فصال وجال وجار وصار وسطا، ثم طال واستطال، واتسع له المجال، وغفل عن الرجال، ومن حين نبع، استصبى حتى شاب الشيب بالعيب فأدرك وما بلغ، فالتهبت فتيلته بعد أن كانت شرارة، وانتشرت فروع حبته فصارت غرارة أما ملوك العجم فإنه استنزلهم بدخله وختله، ثم استفزهم بخيله ورجله، وبادر إلى قتلهم بعد أن أمكنتهم فرصة قتله وأما توقتاميش خان، فإن غالب عسكره خان، ومن أين للتار الطغام، الضرب بالبتار الحسام؟ وما لهم سوى رشق السهام، بخلاف ضراغم الأورام وأما جنود الهنود، فإنه ختلهم في أمرهم، ورد كيدهم في نحرهم، فوهت أركانهم، لا سيما وقد مات سلطانهم وأما عساكر الشام فأمرهم مشهور، وما جرى عليهم فظاهر غير مستور، ولما مات سلطانهم، وتضعضعت أركانهم، وانقض أمرهم وانفض، وبغى بعضهم على بعض، فقطعت منهم الرؤوس الكبار، ولم يبق فيهم إلا رؤوس صغار، فنثر الزمان نظامهم، وسام التبدد ملكهم وشامهم، مع أنهم في الصور ربيع وفي المعاني
جمادى، يرمون بواحدة وهي أنهم يبيتون جميعاً ويقومون مثنى وفرادى، لا جرم تفرقت أيادي سبا أحزاب تلك الزمر، فاشتغل جيشه فيها بالمحرم فباض لما خلا له الجو وصفر، ولو كان بينهم اتفاق لفتوه فتاً، وبددوا شمله وبتوه بتاً، ولكنهم " تحسبهم جميعاً وقلوبهم شتى " ومع اتساق نظامهم، وتسديد سهامهم، وقوة نطاحهم، وشدة كفاحهم، وشدة رماحهم، وكونهم ظهر الحاج، وأسود الهياج، أنى لهم نظام عساكرنا، وقوة القيام بتظافرنا وتناصرنا؟ وكم تفرق بين من تكفل بأمر الحفاة العراة، وبين من تحمل إصر الكماة الغزاة، فإن الحرب دأبنا، والضرب طلابنا، والجهاد صنعتنا، وشرعة الغزاة في سبيل الله تعالى شرعتنا، إن قاتل أحد تكالباً على الدنيا، فنحن المقاتلون لتكون كلمة الله هي العليا، رجالنا باعوا أنفسهم وأموالهم من الله بأن لهم الجنة
فكم لضرباتهم في آذان الكفار من طنة، ولسيوفهم في قلانس القوانس من رنة ولنون قسيهم في خياشهم بني الصليب من غنة، لو سمناهم خوض البحار خاضوها، أو كلفناهم إفاضة دماء الكفار أفاضوها، وقد أطلوا من صياصيهم
على قلع قلاع الكفار وأخنوا عليها، وأمسكوا بعنان أفراسهم فكلما سمعوا هيعة طاروا إليها، لا يقولون لملكهم إذا غمرهم في البلاء والابتلاء إنا هاهنا قاعدون فاذهب أنت وربك فقاتلا ومعنا من الغزاة مشاه، أفرس من فوارس الكماة، أطبارهم باترة، وأظفارهم ظافرة، كالأسود الكاسرة، والنمور الجاسرة، والذئاب الهاصرة، قلوبهم بودادنا عامرة، لا تخامر بواطنهم علينا مخامرة، بل وجوههم في الحرب ناضرة " إلى ربها ناظرة " وحاصل الأمر أن كل أشغالنا، وجل أحوالنا وأفعالنا، جم الكفار ولم الأسرى وضم الغنائم، فنحن المجاهدون في سبيل الله الذين لا يخافون لومة لائم وأنا أعلم أن هذا الكلام يبعثك إلى بلادنا انبعاثاً، فإن لم تأت تكن زوجاتك طوالق ثلاثاً، وإن قصدت بلادي وفررت عنك ولم أقاتلك البتة، فزوجاتي إذ ذاك طوالق ثلاثاً بتة، ثم أنهى خطابه، ورد على هذا الطريق جوابه فلما وقف تيمور على جوابه القلق، قال ابن عثمان مجنون حمق، لأنه أطال وأساء، وختم ما قرأه من كتابه بذكر النساء، لأن ذكر النساء عندهم من العيوب، وأكبر الذنوب، حتى أنهم لا يلفظون