الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والانقياد فوصل إليه سلطان أحمد من كرمان، وشاه يحيى من يزد وعصى سلطان أبو إسحاق في سيرجان فأنعم وخلع على من أطاع وانقاد، ولم يتعرض لمن أظهر العناد، ولم يشق بينه وبين مخالفيه العصا، وأكرم من أطاعه ليوقع بذلك من عصى وطرح على شيراز وسائر البلدان مال الأمان، وأقام في كل بلدة من جهته نائباً وتوجه إلى أصبهان، وأحسن إلى زين العابدين الذي هو وصية من أبيه، ووظف له من الجوامك والادرارات ما يكفيه وذويه
ذكر ما صنع الزمان عند حلوله بأصبهان
فلما وصل إلى أصبهان، وكانت من أكبر البلدان مملوءة بالأفاضل ومحشوة بالأماثل، وبها شخص من علماء الإسلام، والسادة الأعلام، قد بلغ في العلم الغاية، وفي العمل والاجتهاد النهاية، أفعاله مبرورة، وكراماته مشهورة، ومآثره مذكورة، ومحاسنه على جبهة الأيام مسطورة، وهو معتقد المسلمين، وكان اسمه إمام الدين، وكان أهل أصبهان يذكرون
له تيمور، ويحذرون من شره أي محذور، فيقول لهم ما دمت فيكم حياً، لا يضركم كيده شيا، فإن وافاني الأجل، فكونوا من أذاه على وجل، اتفق أنه في وصول تيمور، توفي الشيخ المذكور، فأصبحت أصبهان ظلمات بعضها فوق بعض بعد أن كانت نوراً على نور، فتضاعفت حسرتهم، وترادفت كسرتهم، فوقعوا في الحيرة، وصاروا كأبي هريرة رضي الله عنه حيث يقول
للناس هم ولي في اليوم همان
…
فقد الجراب وقتل الشيخ عثمان
فخرجوا إليه وصالحوه على جمل من الأموال، فأرسل فيهم لاستخلاصها الرجال، فوزعوها على الجهات، وفرضوها على الحارات والمحلات، وتفرق فيهم المستخلصون، فكانوا يعيثون فيهم ويعبثون، واستطالوا عليهم فجعلوهم كالخدم، وتوصلوا إلى أن مدوا أيديهم إلى الحرم، فانتكوا منهم أي نكاية، فرفع أهل أصبهان إلى رئيسهم الشكاية، وكثرت منهم الشكية، وهم قوم لهم حمية، وقالوا الموت على هذه الحالة، خير من الحياة مع هذه الاستطالة فقال لهم رئيسهم إذا أقبل المساء، فإني أضرب الطبل لكن لا تحت كساء، فإذا سمعتم الطبل قد دق،
فالقول قد حق، فليقبض كل منكم على نزيله وليحتكم فيه بسمين رأيه وهزيله، فاتفقوا على هذا الرأي المعكوس والأمر المنكوس في الطالع المنحوس، وقصروا مدى أنظارهم السقيمة، عن قصارى هذه الأمور الوخيمة ولما تعرى العنان من ثوب نوره، وأبدل الجو قمامه بسموره، ومضى هزيع من الليل، ضرب الرئيس الطبل فحل بالمستخلصين الويل، فقتلوهم وكانوا نحواً من ستة آلاف، وأصبحوا، وقد غرسوا في دوح العصيان أغصان الخلاف، فأثمر ذلك لهم الحور بعد الكور وبان لهم البوار فأصبحوا بوراً بهذا البور ولما سل الفجر حسامه، وحسر النهار لثامه، بلغ تيمور ذلك الصنع المشئوم فنفخ الشيطان منه في الخيشوم، فارتحل من فوره واستل عضب غضبه ونثل جعبة جوره، وتوجه نحو المدينة مزمجرا متكالباً مستأسداً متنمرا، فوصل إليها، وأخنى عليها، وأمر بالدماء أن تسفك، وبالحرمات أن تهتك، وبالأرواح أن تسلب، وبالأموال أن تنهب، وبالعمارات أن تخرب، وبالزروع أن تحرق، وبالضروع أن تخرق، وبالأطفال أن تطرح، وبالأجساد
أن تجرح، وبالأعراض أن تثلم، وبالذمم أن تسلم ولا تسلم، وأن يطوى بساط الرحمة، وينشر مسح النقمة، فلا يرحم كبير لكبره، ولا صغير لصغره، ولا يوقر عالم لعلمه، ولا ذو أدب لفضله وحلمه، ولا شريف لنسبه ولا منيف لحسبه، ولا غريب لغربته، ولا قريب لقرابته وقربته، ولا مسلم لإسلامه، ولا ذمي لذمامه، ولا ضعيف لضعفه، ولا جاهل لركاكة رأيه وسخفه وبالجملة فلا يبقى على أحد، ممن هو داخل البلدة فأما أهل المدينة فعلموا أنه ليس للجدال مجال، فضلاً عن ضراب وقتال وأن قبول الاعتذار محال وأنه ليس ينجيهم من ريب المنون مال ولا بنون ولا يقبل منهم في تلك الساعة عدل ولا تنفعهم شفاعة فتحصنوا بحصون الاصطبار، وتدرعوا دروع الاعتبار، وتلقوا سهام القضاء من حنايا المنايا بمجن تسليم المراد، واستقبلوا ضربات القدر من سيوف الحتوف بأعناق التفويض والانقياد، فأطلق في ميادين رقابهم عنان الحسام البتار، وجعل مقابرهم بطون الذئاب والضباع وحواصل الأطيار ولا زالت عواصف الفناء تحتهم من أشجار الوجود
حتاً، حصروا عدد القتلى فكانوا نحو ست مرات من أمة يونس بن متى، فاستغاث بعض البصراء، بواحد من رؤوس الأمراء، وقال البقية في البقية، والرعاية في الرعية، فقال ذلك الأمير للسائل الفقير اجمعوا بعض الأطفال عند بعض القلل، فلعل أن نلين منه عند رؤيتهم شيئاً ما عسى ولعل، فامتثلوا ما به أمر، ووضعوا شرذمة من الأطفال منه على الممر
ثم ركب ذلك الأمير مع تيمور وأخذ به على تلك الأطفال ومر، ثم قال له انظر يا مخدوم نظر الرأفة إلى المرحوم فقال ما هؤلاء الطرحى الأشقياء؟ فقال أطفال معصومون، وأمة مرحومون محرومون، استحر القتل بوالديهم، وحل غضب مولانا الأمير على أكابرهم وذويهم وهؤلاء يسترحمونك بعواطفك الملوكية وصغرهم، ويستشفعون إليك بذلهم وضعفهم ويتمهم وفقرهم وكسرهم، أن ترحم ذلهم، وتبقي على من بقي لهم، فلم يحر جوابا ولا أبدى خطابا، ثم مال بعنان فرسه عليهم، ولم يظهر أنه بصر بهم أو نظر إليهم، ومالت معه تلك الجنود والعساكر، حتى أتى منهم على الأول والآخر، فجعلهم طعمة للسنابك، ودقة تحت أقدام