الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر عودة ذلك الأفعوان إلى ممالك فارس
وخراسان وفتكه بملوك عراق العجم واستصفائه تلك الممالك والأمم
ثم عاد، بعد تمهيد البلاد وتوطيد قواعد ممالك تركستان، إلى بلاد خراسان، فاستقبله الملوك والأمراء، والسلاطين والوزراء، وسارعوا إليه من كل جانب، ما بين راجل وراكب، ملبين دعوته، حذرين سطوته مغتنمين خدمته، وسلموه الأنجاد والأغوار، والأطاد والقفار والقرى وسكانها، والذرى وقطانها، والقلاع العاصية، وربطوا بذيل أمره كل ناصية ممتثلين أوامره مجتنبين زواجره، عاقدي نطاق عبوديته بأنامل الإخلاص، تابعي رائد مرضاته على نجائب الولاء والاختصاص، فمنهم جميع من مر ذكره من المطيعين، ومن كانوا في الشواهق ممتنعين منيعين، ومن جملتهم إسكندر الجلابي أحد ملوك مازندران، وأرشيوند الفارسكوهي ذلك الأسد الغضبان، صاحب الجبال والشوامخ العاصية القلال، وإبراهيم القمي صاحب النجدة، والمعد لكل شدة، وأطاعه السلطان
أبو إسحاق من سيرجان، فاجتمع عنده ملوك عراق العجم سبعة عشر نفراً ما بين سلطان وابن سلطان وابن أخي سلطان، كلهم في ممالكه ملك مطاع، مثل سلطان أحمد أخي شاه شجاع، وشاه يحيى ابن أخي شاه شجاع، سوى ملوك مازندران، وسوى أرشيوند وإبراهيم وملوك خراسان ولما سلك السلطان أبو إسحاق نمط أقاربه في الطاعة وعمل على ذلك الطراز، خلف ببلده سيرجان نائباً يقال له " كودرز "
فاتفق في بعض الأيام، أنه اجتمع عند تيمور هؤلاء الملوك العظام، فكانوا عنده في خيمة له وهو بينهم وحده، فأشار واحد منهم هو شاه يحيى، وقد أمكنت الفرصة، أن يقتله ويرفع عن العالم هذه الغصة، فأجابه بعض وامتنع بعض، وقال لمن رضي بذلك منهم ومن لم يرض إن لم تكفوا، وعن هذا المقال تعفوا، أخبرته بهذه المقالة وأطلعته على هذه الحالة، فامتنعوا عن هذا الرأي المتين والفكر الرصين، لاختلافهم ولا يزالون مختلفين، وكأنه طالع أحوالهم أو تفرس أقوالهم، فأسرها في نفسه ولم يبدها لهم ثم مكث أياماً، وجلس للناس جلوساً عاماً، وقد لبس ثياباً حمراً، ودعا هؤلاء الملوك السبعة عشر طراً،
ثم أمر فقتلوا جميعاً في ساعة واحدة صبرا، ثم لما أبادهم، ضبط بلادهم، وجمع طريفهم وتلادهم، وقتل أولادهم وأحفادهم وأقام في ممالكهم أولاده، وأمراءه وأحفاده وأسباطه وأجناده وسبب قتله هؤلاء الملوك وفتكه، وتمزيقه ستر حياتهم وهتكه، أن بلاد العجم كانت لا تخلو عن الملوك الأكابر، ومن ورث الملك والسلطنة كابراً عن كابر، وهي ممالك واسعة، أطرافها شاسعة، مدنها وافرة، وقراها متكاثرة، وأوتاد أوتادها راسخة، وعرانين أطوادها شامخة، ومخدرات قلاعها ناشزة، ومضمرات مكانها ومعادنها غير بارزة، كواسر أكاسرها كاسرة، ونواشر جوارحها للظهور ناشرة، ونمور دعارها طامرة، وببور شطارها طافرة، وثعابين أبطالها في جداول الجدال ظاهرة، وتماسيح أقيالها في بحار الحراب قاهرة فنظر تيمور بعين بصيرته في وذيلة تأمله ومرآة فكرته، فرأى أنه لا يزكو له ورد عارضها من شوكة عارض، ولا يصفو ورد ثغر فائضها من شارب معارض، ولا يثبت له في بنيان ممالكها أساس يحكم، ولا ينبت له في بستان مسالكها غراس تنعم وكان قصده إبقاء مبانيها، وإجراء أموره
على ما اقتضته التوراة الجنكيز خانية فيها، فلم يمكن عمل فلاحة سلطنته في بسيط أرضها، وسوق أنهار أوامره في جرائب ممالكها طولها وعرضها، إلا بقلع علائق أنساب أكابرها، وكسر قوادم أخشاب أحساب أكاسرها، فسعى في استئصال فرعهم وأصلهم، واجتهد في إهلاك حرثهم ونسلهم، وجعل لا يسمح لهم ببزرة نطفة في أرض رحم إلا قلعها، ولا يشم منهم رائحة زهرة في كم كمين إلا قطعها وقيل إنه كان في مجلس فيه اسكندر الجلابي، وكأنه كان مجلس نشاط ومقام انشراح وانبساط، فسأل اسكندر في ذلك المحضر، وقال إن حكم القضاء بإفساد بنيتي، من تراه يتعرض لأولادي وذريتي؟ فأجابه وهو في حالة الشطح، وقد خلت علية دماغه ووضع سراج العقل منها فوق السطح أول من ينازع أولادك المشائيم، أنا وأرشيوند وإبراهيم، فإن نجا من مخاليبي منهم أحد، فإنه لا يخلص من أنياب إبراهيم الأسد، وإن أفلت منهم من ذلك البند، فإنه لا مخرج له من شرك أرشيوند، وكان أرشينود وابراهيم غائبين فلم يتعرض تيمور لاسكندر بضرر وشين وأراد بالإبقاء عليه، وقوعه
مع صاحبيه، فلما أفاق اسكندر، ليتم ما قال، فقال لا مفر من قضاء الله ولا مجال، ولا عتب في ذلك علي، أنطقني بذلك الله الذي أنطق كل شيء ثم إن اسكندر وإبراهيم هربا، فقبض على أرشيوند وألقاه في النازعات فصار نبأ، وهتك حريم عمره إذ جرعه أول الرعد فأقرأه آخر نوح وسبأ، ثم إن اسكندر لم ير له أثر، ولا سمع عنه إلى يومنا هذا خبر وكان كبير الهامة، طويل القامة، إذا مشى بين الناس كأنه علامة، حتى قيل أن يدي ذلك القصر المشيد كان نحواً من ثلاثة أذرع ونصف بالحديد، وإبراهيم القمي استمر على انكماشه، ثم مات على فراشه، فكان ذلك سبب إيراده الملوك وأبناءهم المهالك " فصل " ثم أن تيمور عصى عليه كودرز في قلعة سيرجان، وقال إن مخدومي شاه منصور موجود إلى الآن، وكان هذا الكلام فاشياً في الخاص والعام، فكان كودرز يتوقع ظهوره، ويزجي على ذلك أعوامه وشهوره فحاصر تيمور قلعة سيرجان، فلم يلح له عليها سلطان، فوجه إليها عساكر شيراز ويزد وأبرقوه وكرمان، وأضاف إليهم عساكر سجستان، وذلك بعد أن شملها العمران،
وكان نائبها يدعى شاه أبا الفتح، فحاصروها نحواً من عشر سنين، وهم ما بين ظاعنين عنها وعليها مقيمين، وهي بكر لا تفتح لطالبها باباً، وعانس لا يملك خاطبها منها خطابا وكان تيمور ولى كرمان، شخصاً يدعى " إيدكو " من إخوان الشيطان فكان هو المشار إليه، ومن العسكر هو المعول عليه
ولما تحقق كودرز من شاه منصور وفاته، وخذله الأنصار، وأعجزه الانتصار وفاته، كان أبو الفتح يراسله كل ساعة، ويتكفل له عند تيمور بالشفاعة، أذعن للصلح، واستعمل في ذلك أبا الفتح، ونزل مترامياً عليهم، وسلم الحصن إليهم فحنق إيدكو عليه، لكون عقد الصلح لم ينحل على يديه، فقتله من ساعته، ولم يلتفت إلى أبي الفتح وشفاعته، فأخبر تيمور بذلك وكان في بعض الممالك، فغضب عليه غضباً شديداً، ولكن فات التدارك " فصل " مما يحكى عن إيدكو هذا متولي كرمان أنه كان بها للسلطان، أحمد أخي شاه شجاع ولدان صغيران، أحدهما يدعى سلطان مهدي والآخر سليمان خان، وكان سليمان خان في غاية الحسن واللطافة، حاوياً معني الملاحة والظرافة، معبى بالكمال،
مربى بالدلال، ألفاظه رائقة، وألحاظه راشقة، والأرواح إليه شائقة، وأرباب الألباب له عاشقة، حركاته في القلوب ساكنة، ولفتاته للخلق فاتنة، كما قيل
نسيم عبير في غلالة ماء
…
وتمثال نور في أديم هواء
وعمره إذ ذاك ستة أعوام ولكن مفتتن به الخاص والعام، فعزم إيدكو على إتلافهما، وإلحاقهما بأسلافهما، ولم يكتف من تلك الدرة بأنها صارت يتيمة، لا رق لأمهما التي خربت ديارها لكونها مخدرة كريمة، ولم يكن لها مدافع ولا عنها ممانع فطلب من الجلادين من يعتمد في ذلك عليه، فلم تطب نفس أحد أن تمتد يده بمكروه إليه، ومضى على ذلك مدة، والخلق بسبب هذه القضية في ضيق وشدة، حتى وجدوا عبداً أسود، كأنه للبلاء مرصد، وكأن الشياطين له عبدة والعفاريت جنود وحفدة، وثوب ليل القهر من سدا سواده انتسج، وأصل الشجرة التي طلعها كأنه رؤوس الشياطين من حبة فؤاده نبتت فنتج، يستلذ عند صدى صوته خوار الثيران، ويستحسن عند خيال صورته مشاهدة الغيلان قلت