الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فيا رب إن البرد أصبح كالحاً
…
وأنت بحالي عالم لا تعلم
فإن كنت يوماً مدخلي في جهنم
…
ففي مثل هذا اليوم طابت جهنم
فهلك من عساكره الجم الغفير، وأتى الشتاء على كثير من كبير منهم وصغير، وشاط منهم أنوف وآذان وسقط، وانحل عقد نظامهم وانفرط، ولا زال الشتاء يهب ويصب عليهم ريحاً وبحارا، حتى أغرقهم فيها وهم عاجزون حيارى، ونودي عليهم " مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا " وهو مع ذلك لا يلتفت إلى من مات ولا يتأسف على ما فات
ذكر مرسوم أرسله إلى ألله داد، بت فيه من الأكباد
وفت القلوب والأعضاد، وزاد ما خبله فيه من هموم بأنكاد
وكان تيمور حين مخرجه من سمرقند أرسل إلى الله داد بأشباره، مرسوماً أذهب فيه قراره، ونفر طائر نومه عن وكر أجفانه وأطاره، وفهم من فحواه بالإشارة، أنه طالب دماره، ومؤتم أولاده ومخرب دياره شد عليه فيه المضائق، وسد في وجهه الطرق والطرائق،
واقترح عليه فيه بأمور يسهل عندها قطع الجبال ونقل الصخور، ويعذب عند أدناها شرب البحور، من أقلها أن يهيئ له بمفرده، إقامة ليوم قدمه دون غده، خضيماً يأكله ليله، وقضيماً يطعمه خيله، ومن عرض ذلك مائة " ألف " حمل جمل طحيناً خاصه، وهو مخصوص به لليلة واحدة خاصة، وأنه مع عساكره الجرارة، لا يبيت سوى ليلة واحدة بأشباره، إلى غير ذلك فلما اطلع الله داد على هذا الكتاب، وفهم ما تضمنه فحوى هذا الخطاب، علم أنه قد حل به العذاب، فسلب وعيه، وبذل سعيه، وأخذ في إعداد الطحين، واجتهد في إدارة الطواحين، وكانت الطواحين أوقف من حال أديب، في هذا الزمن العجيب، ومجاري مياهها أيبس من كف شحيح، كلف زمن القحط تذرية الدقيق في الريح، ودماء الأنهار في مجاري عروق الجبال ناضبة، ودموع العيون في آماق الغروب غاربة فبذل ما كان أعده لكل نائبة وشدة، وأهان نفائس الأموال واستعان على إجراء الماء بالمال، واستغاث بأولي النجدة من الرجال، واستمد المدد، من كل عد وثمد، واستنهض آراء المشفقين من الأصحاب،
واستدفع بهم ما نزل به من مخلب للبلاءات وناب، وقرع لفتح ما ارتج عليه مما لا طاقة له به كل باب فاستجابوا دعاءه، وأجابوا صداه ونداءه، وتأوهوا لمضضه، واستطبوا لمرضه، وجمعوا من العملة والفعلة الأسود والسراحين فعملوا في سوق الأنهار من الأعمال ما يدير الطواحين، وجعلوا يعاندون البرد، ويقطعون في طريق الماء الجمد، فكانوا كالضارب في حديد بارد، والمكابد بتزويق وعظه تليين قلب الجاحد، حتى سهلت حزونه، ورق لمكابدتهم فدمعت عيونه وصاروا لا يقطعون من الجليد، مقدار ذراع بالحديد، إلا وتهب نسمة يابسة، على تلك الوجوه العابسة، فإذا هب بارد النسيم، قابله الماء بوجه بسيم، فيبرد قلبه عن نارهم، ويصرد لبه عن أوارهم، فيجمد ما فوق ذلك، فتضيق عليهم المسالك، فيرجعون القهقرى، ويمشون كالحبال إلى ورا، والله داد مع ذلك يبذل الأموال، وينادي مستغيثاً يا للماء يا للرجال قلت
فكان كل منهم كالحمار
…
يخرج ما أمكنه بالمدار
يوقفه الماء لإجرائه
…
وكلما أوقفه البرد دار
إلى أن وقع الاتفاق بين الرفاق، أن هذه مسألة تكليف مالا يطاق، وحين تبين له أمرهم، وتعين عنده عذرهم، قارنه الحظ الحالك، وتيقن أنه لا محالة هالك، وأنه قد وقع في البلاء العريض الطويل، وأن مخدومه ما طلب منه في ذلك المحز الدقيق إلا لأمر جليل وكان قد بلغه ما وشاه به أضداده، ونقل إلى تيمور عنه أعداؤه وحساده، وعلم أن خاطره تغير عليه، وفعله مع محمد جلد مشيد جامعه قد نقل إليه، وكيف قتله شر قتلة، ونهب أمواله وأسر أولاده وأهله، وكان متوقعاً من تيمور، أضعاف هذه الشرور، لا يقر له قرار، ولا يسكن له ليل ولا نهار وقد غسل من الحياة يده، وودع حياته وأهله وماله وولده، وقد قرب شهر الصيام، وصار بينه وبين تيمور نحو من عشرة أيام، وقد انقطعت الدروب و " ضعف الطالب والمطلوب "
إذا تضايق أمر فانتظر فرجاً
…
فأضيق الأمر أدناه إلى الفرج