الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وتركا الديار وذهبا، فلما حل بدمشق التتار، نزل منهم فرقة في تلك الدار، فجعلوا يأكلون ويشربون، وهم في خوضهم يلعبون، فبينا هم بعض الأيام في النشاط، قرض الفأر أحد تلك الأقراط، فتدحرجت لؤلؤته وسقطت على البلاط، فتبادرت الجماعة إليها جارية، كأنهم يتسابقون إلى قرطي مارية، فسبقت الجماعة، ودخلت البلاعة، فكشفوا عن وجه الأرض ستر خدرها، فوجدوا الأموال كما هي في قدرها، فأخذوها واللؤلؤة وأخرجوها وقصدوا باقي القرطين واقتسموها وجماعة تيمور أيضاً كذا كانت، وكل معضلة من القضايا إذا وصلت إليهم هانت، وكل منهم كان على دين ملكه في فنه إلى غايته عرج، فإن كنت محدثاً عن أحوالهم وأخبارهم فحدث عن البحر ولا حرج
فصل
يحكى أن واحداً منهم من أهل الذكاء والكيد، أراد في فصل الشتاء التنزه فقصد الصيد، فأخرج مركوبه وهو بقرة، فشد عليها سرجه وهو خشبة مكسرة، غرزه قضيب مدور، وحزامه حبل مبتر،
وتجمل بلباسه وهو جلد فروة منهوش، وبتاجه وهو طرطور من لبد منقوش، وشد كنانته وهي جلود ممزقة، مشدودة بحبل وعليها خروق ملزقة، سهامها قد التوت، وحنيتها قد استوت، ومعه بازي قد نتف القرناص ريشه، وقلع على حقل بدنه زرع خوافيه وحشيشه
ثم ركب جواده، وحمل بازيه وقصد اصطياده، فرأى جماعة من البط، على ساحل غدير حط، فرفع يده بالبازي ساعة، حتى عاين تلك الجماعة، ثم وضع يده بخفض، وأرسل البازي على الأرض، فصار يحجل رويدا، وقد أضمر للبط كيدا، إذ لم يكن له قوة الطيران، ولا جناح به يستعان، فوصل إلى الطير بسكون، وهي آمن ما تكون، لأنها ما تتوقع البلاء، إلا من جهة السماء، فدخل بينها فما نفرت منه، ولا هربت عنه، فلم تشعر إلا وقد وثب على واحدة وفلذها، فأدركه صاحبه وأخذها ولما رحلوا عن دمشق، وقد مشقوا أوراق نعمها من أغصان وجودها أي مشق، كان مع بعضهم بقرة نهبها وحملها ما أخذه من الأموال التي سلبها، وأركبها أسيرة، وسار بها مدة يسيرة، فبعد سيرها يومين أو ثلاثة
قلقت، ونادت بلسان حالها أنها ما لهذا خلقت، فلما لم تجد مشكياً مما شكت توكلت على الله وبركت، فأنزلوا الراكبة عنها وصاحوا عليها فلم تقم، فحلوا أحمالها وضربوها فلم تتحرك، فأوجعوها ضرباً، وأشبعوها لعنا وسبا، وتلك المباركة باركة، فأدموها وهم يضربونها، إلى أن كادوا يهلكونها، فمن شاحط بمقدمها، ومن جاذب بمؤخرها، ومن متعلق بقرنها، ومن متشبث بأذنها، وهي جاثمة مشبهة فيل أبرهة، فعجزوا عنها، وأيسوا منها فبينا هم على ذلك، وقد ضاقت عليهم المسالك، وإذا بشيخ كوسج، كأنه شجرة عوسج، قد سلك المشارق والمغارب، ومرت به أنواع التجارب، وقاسى برد الأمور وحرها، وذاق حلوها ومرها، وعرف خيرها وشرها، مر بهم وهم في كربهم، فلما رآهم أسارى، عاجزين حيارى، سكارى وما هم بسكارى، قال تنحوا عنها أي جنة، ثم دنا منها دنو الراقي من ذي جنة، وأخذ كفا من تراب أنعم من عيش الشباب، ثم قبض على قرنها، وصبه في أذنها، ثم هز رأسها في مناخها، حتى وصل التراب إلى صماخها، فوثبت قائمة، وهي من ذلك الرغام راغمة،