الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستعدوا لملاقاة هؤلاء الأشرار، وإذا لقيتموهم زحفاً فلا تولوهم الأدبار ولا زال تمرداش، يحسن لهم هذا الرأي اللاش، حتى أجمعوا عليه، واتفقوا على الخروج إليه، لأنه كان صاحب البلد، وعلى كلامه المعول والمعتمد وكان تمرداش قد خالف الجمهور، ووافق في الباطن تيمور، وهذه كانت عادته، وعلى المراوغة جبلت طينته، فإنه كان كالشاة العابرة، والمرأة الحائرة الغائرة، إذا التقى عسكران فلا يكاد يثبت في أحدهما جبناً منه ومكرا بل يعبر إلى هذا مرة وإلى هذا أخرى، مع أنه كان صورة بلا معنى، ولفظاً بلا فحوى فاعتمد تيمور عليه، وفوض الأمور إليه، وكذلك عساكر الشام، وجنود الإسلام، ثم حصنوا المدينة وأوصدوا أبوابها، وضيقوا شوارعها ورحابها، ووكلوا بكل حارة ومحلة أصحابها، وفتحوا الأبواب التي تقابل ملتقاه، وهي باب النصر وباب الفرج وباب القناة
ذكر ما صبه من صواعق البيض
واليلب على العساكر الشامية عند وصوله إلى حلب
ثم إن تيمور ثقل الركاب، فوصل في سبعة أيام إلى حلب من غير تاب،
فحل بذلك الخميس، تاسع شهر ربيع الأول يوم الخميس، وبرز من ذلك العسكر، طائفة نحواً من ألفي نفر، فتقدم لهم من الأسود الشامية، نحو من ثلاثمائة، ففلوهم بالصفاح، وشلوهم بالرماح، فبددوهم، وطردوهم، وخددوهم وشردوهم، ثم أصحبوا يوم الجمعة، فبرز من عسكره نحو من خمسة آلاف، إلى مصاف النقاف، فتقدم لهم طائفة أخرى، أرسالا وتترى، فالتحم منهم النطاح، واشتبكت بين الطائفتين أنامل الرماح، فزدحموا واقتحموا، واستدوا والتحموا، ولا زالت أقلام الخط في ألواح الصدور تخط، والعضب الصمصام لرؤوس تلك الأقلام بالأعلام تقط، ومشاريط النبال لدماميل الدمال تبط، والأرض من أثقال جبال القتال تئط، حتى سجى ليلا الظلام والقتام وأغطشا، فتراجعوا وقد أعطى الله النصر لمن يشا، وأجرى من دماء العدو مع قويق نهران، وفقد من العساكر الإسلامية نفران ثم أصبحوا يوم السبت حادي عشر، وقد تعبت الجنود الشامية، والعساكر السلطانية، بالعدة البالغة، والأهبة السابغة، والخيول المسومة، والرماح المقومة، والأعلام المعلمة، ولم يعز أولئك الصناديد،
سوى شمة من النصر والتأييد، فنحوا قصده، وقصدوا رده وصده، وأقبلت عساكره، والسعد الميمون طائره، والقضاء مؤازره، والقدر مظاهره، بالجنود المذكورة، والجيوش المعهودة المنصورة، تؤمهم الأفيال، وأقيال القتال وإذا به قد أضمر لهم الويل، وعبى عساكره تحت جنح الليل، وبثهم فيهم وأرسل عليهم عزاليهم وقابلهم بمقدمتهم، وشغلهم بأوائلهم، وأحاط الباقون بهم فأتوهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم، فمشى عليهم مشي الموسى على الشعر، وسعى سعي الدبى على الزرع الأخضر، وكان هذا الجولان، على قرية حيلان، ولما اهتمش أمر الناس وهاش، وجاشت الهوشة والامتحاش، وتهارشت الأسود وانتطحت الكباش، فرت الميمنة وكان رأسها تمرداش، فانكسر العسكر وطاش، وأخذ الأبطال من الدهشة الارتعاش، وغلبتهم الحيرة والانبهار، فلم يلبثوا ولا ساعة من نهار، ثم ولوا الدبر، وصارت لأقلام رماحه ظهورهم الزبر، واستمروا أمامهم يتواثبون، وعسكره وراءهم يتخاطبون بمعنى ما قلت
جعلنا ظهور القوم في الحرب أوجها
…
رقمنا بها ثغرا وعينا وحاجبا
فقصدوا المدينة من الباب المفتوح، وهم بين مهشوم ومجروح، والسيوف تشقهم، والرماح تدقهم، وقد سالت بدمائهم الأباطح، وتمر من أسارير لحمهم كل كاسر وجارح، فوصلوا إلى باب المدينة وانكرسوا، وهجموا فيه يداً واحدة وتكردسوا، ولا زال يدوس بعضهم بعضا، حتى صارت العتبة العليا من الباب أرضا، فانسدت الأبواب بالقتلى، ولم يمكن الدخول منها أصلا، فتشتتوا في البلاد، وتفرقوا في المهامه والأطواد، وكسر باب أنطاكية المماليك الأغتام، وخرجوا منه قاصدين بلاد الشام فوصل فلهم إلى دمشق في أبشع صورة، وحكوا في كيفية هذه الوقعة أشنع سيرة، وصعد النواب إلى قلعة حلب وتحصنوا، فضاقت عليهم الأرض بما رحبت فاستأمنوا، ونزلوا بواسطة تمرداش إليه، وقد غسل كل منهم من الحياة يديه، ثم إنه مشى على هينته مع وقاره ورزانته وسكينته، ودخل حلب، ونال منها ما طلب، وفاز بالروح والسلب ولما نزل النواب إليه، قبض على سيدي سودون وشيخ الخاصكي وأما تمرداش فخلع عليه، وقبض