الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من سرور وشرور
وكان لألله داد أحد الخلان، يدعى سعادات نائب مدينة أندكان، من ذوي النباهة والشهرة، وهو أحد الأمراء الذين توجهوا لعمارة باش خمرة، فأرسل قاصداً لألله داد، أنه ارتفعت مادة الفساد، وأن تيمور ترك تبعة الممالك وتوجه بتبعاته إلى درك مالك، فوصل القاصد بهذا السرور رابع عشر شهر رمضان من العام المذكور
ففرج عن ألله داد همه، وأزاح عنه غمه فكأنه استأنف له الحياة، أو رد راحلته التي عليها طعامه وشرابه بعد أن أضلها في فلاة، وسيأتي حكاية ألله داد وأمره، وما جرى له بعد ذلك إلى آخر عمره
ذكر من ساعده البخت
واستولى بعد تيمور على التخت
فلما قضى تيمور نحبه، وأزال الله عن العالم كربه، لم يكن معه في أجناده من أقاربه وأولاده وأحفاده سوى خليل سلطان بن أميران شاه حفيده، وسوى سلطان حسين ابن أخته الذي هرب إلى السلطان في الشام عند وروده فأرادوا كتم هذه القضية، وأن لا يشعر بها أحد
من البرية، فشاعت وراعت، وعلى رغمهم ذاعت، فاضطربوا واضطرموا، واصطدموا واصطلموا، فاطلع الناس كلهم على ذلك وفهموا، وعلموا أنه قطع دابر القوم الذين ظلموا، فجفلت العساكر واحتفلوا، وحملوا عظامه وإلى سمرقند قفلوا وساعد خليل سلطان البخت، وخلا له الجو فاستولى على التخت، وكان أبوه أميران شاه، متولي ملك أذربيجان وما والاه، وعنده ولدان عمر وأبو بكر، وبينهم وبين ما وراء النهر من الأطواد والأشجار مائة سياج وألف سكر، وكان أبو بكر هذا في الجغتاي من الفوارس، والضاربين بالبيض الهام والقوانس يذكر أنه كان يوقف بقرة، أو ينيخ بكرة، ويضربها بالسيف ضربة لا ضربتين، فيجعلها قطعتين مفصولتين وأميران شاه هذا قتله قرا يوسف بعد تيمور واستخلص منه ممالك أذربيجان وولده عمر قتله أخوه أبو بكر وأبو بكر قتله إيدكو متولي كرمان، ومصافاتهم مذكورة، وحكاياتهم مشهورة وشاه رخ كان في هراة وممالك خراسان، وبير عمر كان في ولايات فارس وتلك البلدان، وتيمور كان جعل ولي عهده محمد سلطان،
وهو وإن كان من أحفاده، لكنه قدمه على أولاده، لما لاح له من فلاحه، وظهور رشده وصلاحه، فعانده القضاء فيما يروم، ومات كما ذكر في آق شهر من بلاد الروم وكان له أخ يدعى بير محمد، فجعله تيمور ولي عهده من بعد، فلما هجم عليه رائد الموت، وأهاب بروحه الخبيثة بأزعج صوت، كان مستغرقاً في بحار غفلته، مسترجياً إرجاء مهلته، فذبحه اعتباطا، وسام عسكره اختباطا، وكان إذ ذاك وكل من أولاده وأحفاده بعيد الدار، مستقر القرار، آمناً من البوار، فارغاً من الدمار، وهم كتيمور غافلون وبير محمد في قندهار، وهي بين حدى خراسان والهند وبينه وبين ما وراء النهر سباسب وقفار فلم يكن أقرب إلى دار الملك الذي أنشأه، وهي سمرقند سوى خليل سلطان بن أميران شاه، مع أن قطان الشتاء وندافه، كان قد بسط على فراش الأرض لحافه وندف عليه من أقطان الثلوج ما غطى وجه العالم وأطرافه، وطم ظهره وأكتافه، فلم يقدر أحد من أولئك الحشرات أن يخرج رأسه من اللحاف، أو يضحك ثغر زهرة أنملة في كم كم خوفاً من جاني النسيم أن يبادرها
باختطاف الاقتطاف، فضلاً عن أن يتمطى في فراش أهبة إلى حركة سفر فتمتد يده نحو بطش أو رجله نحو طواف، فاستولى خليل سلطان على ذلك المغنم البارد من غير منازع وعديل، واستبدل الملك بل العالم من جهنم الكوثر السلسبيل، ونادى لسان السلطنة في رقعتها نعم البديل، بدلت عن بغيض بحبيب وعن عدو بخليل
وتمكن من العساكر وسائر الأمراء، وخلاصة الجند وأساطين الزعماء، واحتوى على تلك الأمم، وطوائف الرءوس من العرب والعجم، وأدخل عنق الجميع في ربقة المتابعة وفتح لهم في أسواق الصداقة حوانيت الصلاة فعاملوه بعقود المبايعة، ولم يمكن أحداً منهم الخروج عن الدخول في الطاعة، والتخلف عن المبادرة إلى مبايعته في ذلك اليوم ولا ساعة، فأطلق لهم البشرة، وأحسن معهم العشرة، وكان يوسفي الخلق، محمدي الخلق، خليلي الرفق، اسماعيلي الصدق، جمع حروف الملاحة، وحاز صنوف الصباحة، نقش محاسنه كاتب الصنع بقلم الكاف والنون، على أحسن ما يكون من الحركات والسكون، فأول ما مشق على لوح الجمال قد ألف قده القويم، فباء له كل من فاء عن لام عذاره