الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة:
تدفع الثورة العلمية -التكنولوجية- التي يعيشها المجتمع الإنساني في القرن العشرين وفي الربع الأخير منه خاصة، بقضايا علم النفس إلى الحل الأول بين غيرها من القضايا الاجتماعية والاقتصادية.
هذه الحقيقة يعيها علماء النفس والطب النفسي، فهم بتطويرهم لفروع علم النفس أو بتعبير أدق بتطويرهم للعلوم النفسية كعلم النفس الصناعي، والإداري والحربي والفسيولوجي، ناهيك عن علم النفس التربوي والاجتماعي والطبي يدركون أنهم لا يستطيعون حل أدق مشكلاتهم إلا إذا وضعوا في الاعتبار الأول العامل الإنساني، وبمعنى آخر حيثما يوجد الإنسان في أي موقع في هذا الوجود لا بد وأن يكون هناك اعتبار للعوامل النفسية، وبالتالي لا بد وأن تبرز قيمة الدراسات النفسية إلى الحل الأول.
وعمومًا فإن التقدم الحضاري يستند إلى بعدين متكاملين البعد المادي والبعد الإنساني، وما يتم بين هذين البعدين من تفاعل خلاق موصول وبالرغم مما للبعد المادي "للظروف والإمكانيات الطبيعية وموارد الثروة وغير ذلك" من أهمية كبيرة إلا أن الإنسان هو الذي يستخدم هذه الموارد ويجعل منها وسائل ومصادر لحياته ورفاهيته، وبالتالي حيثما يوجد الإنسان لا بد وأن يكون هناك علم نفس.
فالإنسان الذي يتفاعل مع هذا الوجود وبمكوناته المختلفة ما هو إلا تكوين نفسي، هو شخصية تتميز وتنفرد بخصائص معينة ذاتها في العمل والانتاج، وفي نظام العلاقات الاجتماعية المختلفة، تستخدم ما لديها من قدرات وطاقات في التفاعل مع هذا العالم والارتقاء به.
والإنسان هو محور العمل والإنتاج والاقتصاد والسياسة والإدارة
والحرب والعلم والفن -هو محور الوجود الحياتي، المادي والمعنوي- إلا أنه يكون محور هذا الوجود بما يتمتع به من قدرات وخصائص نفسية، وما يمكن وراء تغيير هذا الوجود من طاقة نفسية وجهد دافعي وقوة إبداعية ما هي إلا إمكانات ينفرد بها الإنسان في عملية نموه وتكوينه.
ولا جدال في أن الآباء والمربين والباحثين النفسيين والاجتماعيين كثيرًا ما يتأملون طويلا في لغز الطفولة ومصاعب المراهقة ومعين أسرارها، فكم من باحث مشهود له بطول الباع في ميادين تخصصه، يؤلف الأسفار الضخمة حولهما وكيفية تقديمهما، ثم نجده في النهاية يعترف بلا مواربة بأن ما بذله من جهد لم يكن إلا محاولة متواضعة لمعرفة النزر اليسير عن هاتين المرحلتين الحرجتين من حياة الإنسان، وكم من دارس قد كرس جهدًا صادقًا دفاعًا عن الطفولة البريئة وانتصارا لها، واهتمامًا بالمراهقة القلقة، إلا أنه يشعر في نهاية المطاف أنه لم يوف الموضوع حقه رغم ما بذله من جهد ومعاناة.
ولا يساورني أدنى شك في أن كثيرًا من الأسئلة تعن على أذهان الآباء والمعلمين على حد سواء، وجميعها ترمي إلى غاية واحدة، تلك هي: ماذا يجب أن أفعل لكي أجعل طفلي أسعد حالا وأسلس قيادة وأرصن شخصية؟ وكيف أسوس هذا المراهق المندفع وما هي السبل إلى ترويضه؟ وكيف نتعامل مع شباب اليوم ونحاول حمايتهم من كثير من الاضطربات النمائية والانحرافات السلوكية التي قد يتعرضون لها؟ وكيف نزيد من تفهمنا لكبار السن؟
وفي ثنايا هذا الكتاب جهد متواضع، توخيت منه تناول بعض مسائل الطفولة وجوانب المراهقة والشباب بالإضافة إلى فترة الشيخوخة، وما هو إلا رغبة صادقة في أن أضع بين يدي القارئ المهتم بهذه الأمور ما عساه أن يكون نافعًا مجديًا في هذا الشأن، وإني كأب وكفرد يهتم أصدق الاهتمام بالطفولة والمراهقة وبالنواحي التربوية القائمة على أسس من الدراسات النفسية، أرى أن يعار الطفل ما هو جدير به من رعاية وعناية وأن يوجه المراهق وفق قواعد حكيمة رصينة، وأن نحاول تفهم شبابنا، ونفتح أمامهم فرص النمو المختلفة، لنساعدهم على إثبات ذواتهم، بالإضافة إلى إدراكنا لأهمية فترة الشيخوخة وما يعتريها من نقصانات إنمائية، مما يستلزم اتباع الطرق الملائمة للتعامل مع المسنين لنوفر لهم حياة خالية من الصراعات والاضطرابات النفسية.
ولقد حاولت أن أضمن هذا المؤلف استعراض وتحليل أحدث آراء ونظريات علماء النفس وكبار المربين في مجال علم نفس النمو، بالإضافة إلى فترة الشيخوخة من حيث المفهوم والخصائص النمائية، والمشكلات التي تواجه كل مرحلة من مراحل العمر، وكيفية مواجهتها، ثم مفهوم الموت في مرحل العمر المختلفة باعتباره نهاية نمو الإنسان بالإضافة إلى ما تجمع لدي من خبرات وملاحظات خاصة، لكي يكون بين أيدي قرائنا مرجع أساسي يمكنهم الانتفاع به في علم نفس النمو.
والله وحده المرتجى في كل مسعى، إنه نعم المولى ونعم النصير.
عادل عز الدين الأشول
رئيس قسم الصحة النفسية
مدير مركز الإرشاد النفسي
كلية التربية، جامعة عين شمس
القاهرة، يناير 1996م