الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النمو العقلي:
ينمو لدى الأطفال ما بين سن السادسة والسابعة قدرات عقلية معينة يسميها بياجيه بالعمليات العيانية Concrete Operations، ويعزى إلى هذه العمليات قدرة تلاميذ المدارس الابتدائية على تكوين مفاهيم الأصناف أو الطبقات والعلاقات والأعداد، وبتلك الوسيلة يتسع عالمهم التصوري بصورة كبيرة، كما أن الأطفال الذين يمكنهم أداء العمليات العيانية يمكنهم تعلم واتباع المبادئ التي تكون عن طريق الآخرين، وبالتالي فإن مرحلة الطفولة الوسطى تعتبر بمثابة فترة رئيسية لتعلم الأطفال مهارات ومعلومات معينة يكونون في حاجة إليها لكي يتفاعلوا في مجتمعهم بصورة مؤثرة فعالة.
وسوف نتأمل سويًا كيفية بناء العمليات العيانية لدى الأطفال، حيث إن النمو العقلي غالبًا ما يقاس بصورة كمية، فإن الأطفال لا يمكنهم أداء الاختبارات الجمعية للاستعداد والإنجاز إلا إذا تمكنوا ابتداء من أداء العمليات العيانية، وعلى ذلك فإننا سوف نتأمل التغيرات التي تحدث في إدراك الأطفال وفي لغتهم وذاكرتهم ومفاهيم ثبات الأشياء، وبقائها بالإضافة إلى النمو الخلقي، كما سننهي هذا الفصل بتقديم صورة وصفية موجزة للعالم التصوري للطفولة الوسطى.
الاختبارات التحصيلية:
بمجرد أن يتعلم الأطفال القراءة والكتابة، يمكنهم أداء الاختبارات الجمعية، وثمة اختبارات قد استعملت بصورة واسعة لقياس التحصيل والإنجاز والاستعداد، وعمومًا فإن اختبارات التحصيل عادة ما تقيس التعلم السابق في جانب معين من التعلم، واختبارات الاستعداد على نقيض ذلك يفترض أنها قادرة على التنبؤ بالتعلم المستقبلي، واختبارات الذكاء ضرب من اختبارات الاستعداد Green، NL؛ "1974".
وللتمييز بين الاختبارات التحصيلية، واختبارات الاستعداد يمكن أن توضح عن طريق مواقف الاختبارات نفسها، فمواقف اختبار الاستعداد تختار بناء على افتراض أن كل الأطفال في بيئة معينة عادة ما يكون لديهم الفرص المتساوية لكي يتعلموا أشياء معينة، فمثلا ثمة سؤال قد يعرض صورة ناقصة لوجه إنسان "كالعين، أو الحاجب" ويسأل الطفل ما
الشيء الناقص في هذه الصورة ويفترض أن معظم الأطفال قد لاحظوا عددًا من الوجوه الإنسانية وبالتالي فإن نجاحهم في هذا الموقف قد يرجع إلى قدرة عامة وليس نتيجة تعليم معين، وعمومًا فإن معظم مواقف اختبارات الاستعداد تتطلب خبرة نوعية بالإضافة إلى الخبرة العامة،
ومن جانب آخر نجد الاختبارات التحصيلية عادة ما تعمم لاختبار ما تعلمه الطفل نتيجة تدريس أو تعليم سابق، فاختبارات القراءة والحاسب والعلوم تمثل عينة صغيرة من المعلومات التي حصلها التلميذ وتعلمها في المدرسة من قبل مثل 2 × 3 =
…
أو ما هي عاصمة مصر؟ وبالنسبة للأطفال الأكبر، وتصبح عملية التمييز بين مواقف الاختبار التحصيلي واختبار الاستعداد عملية صعبة، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى عدم قدرتنا التمييز بين ما اكتسبه الطفل داخل مدرسته وما الذي اكتسبه خارجها.
ولقد استعملت كل من اختبارات التحصيل والاستعداد بصورة واسعة في المدارس الابتدائية لقياس مدى تقدم التلميذ، ومعظم اختبارات التحصيل عادة ما تكون ذات معيار مرجعي Norm Rerenced بمعنى مقارنة درجة طفل معين مع جماعة معينة، وقد يكون الفصل الدراسي هو الجماعة المرجعية للتلميذ، فإذا وجد فصل دراسي معظم أطفاله من الأذكياء فقد يحصل طفل متوسط على درجة ضعيفة من التي يأخذها في حالة انتمائه إلى فصل دراسي آخر يكون معدل ذكاء تلاميذه متوسطًا أو تحت المتوسط، وبعض الاختبارات التحصيلية قد تكون ذات معيار عام أي ليس قاصرًا على فصل معين ولا مدرسة بل قد يكون على بلدة معينة وبالتالي فإن أداء الطفل أو أداء المدرسة يمكن أن يقيم في علاقته بالبلدة أو المدينة.
وعلى الرغم من أن الاختبارات التحصيلية تكون نافعة في قياس مدى تقدم التلميذ إلا أنه عادة ما يوجه إليها بعض من الانتقادات فبياجيه يشير لنا أن الاختبارات يمكن أن يكون لها تأثيرًا سلبيًا على التعلم وذلك لأنها عادة ما تميل إلى إملاء أو إجبار محتويات المقررات التعليمية والوسائل المستخدمة في الفصل الدراسي، ويشير سكينر Skinner "1968" كذلك لكي تكون الاختبارت موضوعية فإن الاستجابات يجب أن تمس الجوانب الأكثر سطحية والظاهرية لمعلومات الطفل، وغالبا فإن الاستجابات
التي تقبل بسرعة وبسهولة كدلالات للمعرفة، هي في الحقيقة التي تميل إلى تكوين جزء من الذخيرة الناجحة للطفل، ويشير كذلك Lenie إلى وجهة نظر شاملة للاختبارات التحصيلية مشيرًا إلى أنه عندما يحدد التربويون هدف التعليم بأنه اكتساب اتجاهات إيجابية لتعلم وتطوير الخبرة في التفسير والتأويل، فإننا نجد أن الاختبارات لا تقيس هذه الجوانب لدى الأطفال.
وإحدى الطرق التي عولجت بواسطتها عيوب الاختبارات التحصيلية تمثلت في تقديم اختبارات معيارية المرجع حيث يقصد بها الكشف عما يستطيع التلميذ أداؤه أو ما يعرفه، ولقد بدأ في استخدام هذا النوع من الاختبارات المعيارية المرجع في المدارس الابتدائية الإنجليزية والأمريكية، ويجب أن يحتفظ في هذه الوسيلة بالتسجيلات لعمل كل تلميذ، كما أن ملاحظات المدرس وعينات العمل يجب كذلك أن تستخدم لقياس مدى تقدم التلميذ، وعلى الرغم من أن هذا النوع من التقييم حديثًا إذا قورن بالوسائل الأخرى، إلا أنها وسيلة جد صحيحة لقياس مدى تقدم الطلاب، حيث إن التزود بالوثائق التي تشير لأداء الطفل وأعماله خلال فترة زمنية معينة يبدو أنه دليل أحسن للكشف عن الإنجازات الأكاديمية، وذلك أفضل من أداء اختبار يقيس فقط الجانب السطحي الظاهري للتعليم الأكاديمي.
النمو الإدراكي:
يرتبط النمو الإدراكي بالنمو الحسي الحركي بصورة كبيرة، ويبدو أنه يسير في مجرى مشابه له حيث نرى أن التغيرات الرئيسية في النمو الإدراكي تحدث فيما بين 4، 9 سنوات تقريبًا، مع تغييرات ضئيلة تحدث فيما بعد، وإحدى جوانب النمو الإدراكي والتي تتحسن بمرور عمر الطفل الزمني هي قدرة البحث عن المثير الذي ينتظم مواقف معينة. وهذا البحث والاستكشاف يصبح أكثر سرعة وأكثر تناسبًا مع ازدياد العمر الزمني للطفل، وتشير نتائج دراسة Vupillot؛ "1968" أن هناك اختلافات كيفية ذات دلالة في الطريقة التي ينشأ بها الإدراك لدى الأطفال الصغار والأطفال الكبار، وهذه الاختلافات العمرية تتضح بصورة خاصة عندما تقارن الحالات المثيرات الإدراكية أو عندما يتعاملون مع مثيرات حركية غامضة نسبيًا.
ففي إحدى الدراسات سؤلت مجموعة من الأطفال في أعمار زمنية
مختلفة بأن يقارنوا رسومات لواجهات منازل كانت متشابهة في معظم تفاصيلها ما عدا جزء أو جزئين منها تختلف كالنوافذ مثلا، أو الأبواب وهكذا، وأشارت النتائج أن الأطفال الصغار كانوا أقل نجاحًا من الأطفال الأكبر في إجراء المقارنات، وكان نتيجة تسجيل حركات العين للمجموعة أن اتضح أن الأطفال الأصغر كانوا يقارنون صفة أو جزء واحد فقط وإذا كنت هذه الصفة متشابهة في كل من الشكلين نجد الأطفال يقولون أن الشكلين متشابهان دون شرح وتفسير الخصائص الأخرى.
وتشير نتائج دراسة Elkind & Other إلى وجود اختلافات ففي المهام الاستكشافية الحرة نتيجة الاختلافات في الأعمار الزمنية، فعندما عرض على الأطفال لوحة مرسوم عليها أشكال مألوفة وكانت ذات نظام وترتيب معين، وفي نفس الوقت عرضت عليهم لوحة أشكال بدون نظام أو ذات ترتيب مشوش، وجد أن قدرتهم على تسمية الأشكال اختلفت تبعًا لأعمارهم الزمنية، كما أن الأطفال الأصغر سنًا "4، 5 سنوات" لم يتمكنوا من تسمية بعض الأشكال في اللوحة غير المرئية، وعلى نقيض ذلك وجد الأطفال الأكبر ما بين "6، 8 سنوات" قد قرءوا الأشكال من اليمين إلى الشمال ومن القمة إلى القاع ولم يخطئوا في تسميتها، انظر شكل رقم "1"، كما لوحظ عدم وقوع الأطفال الصغار في أخطاء في اللوحة المرئية والمنظمة لقرب الأشكال بعضها من البعض الآخر وتكوينها هيئة مثلث.
يوجد اسكانر
التنظيم المنطقي:
كلما تقدم الأطفال في أطوار نموهم كلما يكونون أقدر على تنظيم البيانات الإدراكية في طرق منطقية، فالأطفال الأكبر يتعاملون مع بيانات أكبر ومعلومات أكثر تركيبًا عما يستطيعونه الأطفال الأصغر، وأشارت دراسات جيبسون ورفاقها إلى انبثاق هذه العملية المعرفية في الإدراك، ففي إحدى تجاربها كانت تعلم الأطفال الصغار الضعط على أزرار معينة وقت التفوه بكلمات معينة، وأشارت إلى أن التعرف على مبدأ الإيقاع والتناغم يسهل من عملية التعلم، كما أن الأطفال الأكبر سنًا "11، 12 سنة"، قد استخدموا مبدأ الإيقاع لتسهيل عملية تعلمهم أكثر من الأطفال الأصغر سنًا، وعمومًا فبازدياد عمر الطفل الزمني نجد قدرته على استخدام العمليات المعرفية لتنظيم عملية الإدراك، تتزايد كذلك، كما أشار بياجيه إلى المعرفة التنظيمية في النمو الإدراكي.
وتشير نتائج دراسة Elkind؛ "1970" أن الطبيعة المنطقية للبناء الإدراكي تزداد تبعًا لقدرة الطفل على رؤية وإدراك جميع عناصر وأجزاء التركيبات المختلفة، فمهارة الضرب المنطقي مثل.
"فئة أمريكية × فئة برتستانت= فئة أمريكية بروتستاتينية، كما أن الأطفال الذين تمكنوا من إدراك جميع عناصر التركيبات، كانوا أفضل بصورة ذات دلالة من الأطفال الآخرين في أداء عمليات الضرب أو المضاعفات المنطقية.
أبطال المركزية Decentering:
يمكن أن يوصف النمو الإدراكي تبعا لازدياد حرية الطفل في الاحتياج إلى صورة أو هيئة المثير، ويسمى بياجيه هذه العملية بعملية "أبطال المركزية" فالأطفال يميلون إلى التركيز على الخصائص أو الصفات السائدة للأشكال أو الصور المرئية، ولقد وصفت هذه الجوانب السائدة بواسطة علماء الجشطلت بقوانين الغلق Closure، أو الشكل الجيد، والاستمرار، فإذا وضع نقاط بعضها بجانب البعض فإنها تشكل صورة أو كل معين، فالشكل غير الكامل على سبيل المثال لدائرة ناقصة، تؤدي بالفرد إلى أن يملأ عقليًا ذلك الجزء المفقود من الدائرة ويدركها كما لو أنها دائرة كاملة "قانون الغلق" وقوانين الجشطلت ذات تأثير كبير على المستويات العمرية، والأطفال يمكنهم مقارنة وموازنة قوانين المبادئ الإدراكية بصورة متزايدة وأن يبنون تنظيمات بديلية كلما تدرجوا في مدارج نموهم.