الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
11-
النمو يستمر طوال الحياة:
إن التغيرات التي تضبط بواسطة العملية النمائية تكون خاضعة لنظام معين، وتميل إلى أن تحدث في توالي غير متباين، وهذا يعني أن جسم الشخص وأنماط سلوكه تستمر في التغير في اتجاهات يمكن التنبؤ بها مادام الشخص يبقى على قيد الحياة، فكل طفل يتوقف منه أن يجلس قبل أن يقف، وأن يقف قبل أن يمشي، كما يتوقع من جميع المسنين أن يفقدوا تدريجيًا قدراتهم التي يتملكونها، وهذه الحقيقة التي أدت "بهافجهرست" وعلماء نفس آخرين أن يخطوا المطالب النمائية المتوقعة لجميع فترات العمر، ولقد أدى ذلك بأحد الباحثين إلى أن يصف الموت كما لو أنه المرحلة الأخيرة من النمو.Ross. K؛ "1975".
وحيث أن النمو عملية مستمرة، فإن ما يحدث في فترة معينة يؤثر في جميع المراحل التالية، فالأفراد يتغيرون نتيجة اتحاد النضج والخبرة، ولقد أشار علماء التحليل النفسي أن الطفل الذي يتلقى عناية وعطف أموي ضعيف في السنة الأولى من حياته يتوقع وجود مشكلات اجتماعية وتوافقية في المراحل المتقدمة من نموه، وعلى ذلك فإننا نجد كثيرا من علماء النفس الآن يهتمون بدراسة نمو الطفل للتفهم الأحسن لسلوك الراشد.
مراحل النمو
مدخل
…
مراحل النمو:
مفهوم مراحل النمو نمى بصورة منطقية من مبادئ النمو التي سبق الإشارة إليها، ووفقًا لهذه المبادئ فإن الوليد البشري ينمو في طريقة خاضعة لنظام وترتيب معين، ولقد تمكن الباحثون من تحديد مراحل مميزة إلى حد ما تتصف بأنماط سلوكية معينة، كما أن استكشاف الجوانب والمظاهر الواسعة للسلوك أدى بالسيكولوجيين إلى عمل تعميمات عن أنواع سلوكية يمكن أن نتوقعها من الكائن الإنساني في أعمار زمنية مختلفة، ولقد أشار بعض الباحثين أن مفهوم المراحل النمائية يصبح أكثر جدوى عند استخدامه ليس فقط لنمط سلوكي معين، ولكن لتدوين مجموعة مترابطة موحدة من السلوك يكون مرتبطا بمستوى عمر زمني معين Ln-helder؛ "1953" Wohlwill؛ "1973" ويطلق "انهلدر" على هذه المجموعة من السلوك على أنها بمثابة بناء كامل يمكن أن يقارن بأي عينات منفصلة
من السلوك، وثمة مثال لذلك ما نراه في مجموعة من الأنماط السلوكية التي ترتبط مع الطفولة أو المراهقة.
كما أننا نستخدم مفهوم المراحل النمائية، لكي تمدنا بوصف لنتائج وتواليات التغير المتوقعة كلما تقدم الوليد البشري في عمره الزمني، فمثلا مفهوم المراهقة يحضر إلى الذهن توالي خاص من الأنماط السلوكية، فالمراهقة تعني بالنسبة لمعظمنا الأنماط السلوكية المرتبطة مع النمو الجنسي، وكذلك بتحقيق استقلال أكبر من المنزل والأبوين وبالوقت المتزايد الذي يقضى خارج المنزل مع الأصدقاء وهكذا، فالمرحل النمائية تبنى أساسًا على معدل الأنماط السلوكية للشخص العادي، أي ما يصدر من أنماط سلوكية لدى أغلب الأفراد في أي عمر زمني معين كما أنها تستخدم كنوع من إيجاز ما يحدث للأفراد في فترة معينة من نموهم، بالإضافة إلى أنها تفيد في تخطيط الخبرات التعليمية المناسبة لكل مرحلة زمنية معينة.
ولقد وصف "كينستون Keniston"؛ "1970" ما يشير إليه من مراحل نمائية بين المراهقة والرشد، وسمى هذه بمرحلة الشباب Stage of yoeth، ويستطرد بأن الشباب يتصف بأنماط سلوكية ترتبط بالتوترات بين الذات والمجتمع، والنفور من الأشخاص ذوي السلطة المطلقة، كما أن مصطلح الشباب كما عرفه "كينستون" يصف كثيرًا من الناس في مجتمعنا، وكثيرًا منهم ليسوا كبارًا ولكنهم كالصغار.
كما أن المراحل النمائية مجرد أوصاف بسيطة لأعمار زمنية معينة مرتبطة بأنماط سلوكية معينة، وأشار "بياجيه Piaget" إلى ذلك بقوله إن المراحل النمائية السلوكية بمعنى، أنها تصف السلوك التدريجي والتغير الذاتي يمكن أن يتنبأ بها في نظام معين، كما أشارت "انهلدر Lnhelder"؛ "1953" إلى أن المرور من المراحل الأدنى إلى المراحل الأعلى، نجد الأدنى تصبح جزءا من الأعلى، حيث إن المراحل المبكرة لا تنسى، فالمهارات التي اكتسبت داخل كل مرحلة تستخدم في المراحل اللاحقة.
ويشير "وهلول Wohlwill؛ "1973" أنه على الرغم من أن المراحل النمائية تصف الأنماط السلوكية، والتي تكون مرتبطة كل منها بالأخرى، إلا
إن الباحثين يجب أن يتخطوا أكثر من وصف الأنماط السلوكية العامة بعمر زمني معين، حيث يجب أن يكونوا قادرين على وصف وتفسير النماذج المتداخلة بين التغيرات الاستجابية.
كما أشار "جيزل وآخرون Gesell et al"؛ "1974" أن مراحل النمو عادة ما تكون متأثرة بما نسميه بالنماذج المتبادلة reciprocal interweaving بمعنى تكرار تناوب أو تعاقب القوى المتناقصة أو المتقابلة، ويستطرد "جيزل" أن هذه النماذج يحدث نموذج من الحركة المكوكية، أي إن الطفل يأخذ خطوتين إلى الأمام حتى يكتسب خبرة جديدة، وخطوة أخرى إلى الوراء عندما يدمج أو يوحد الأهداف، ويشير "جيزل" أن بعض المراحل تتأثر بهذا التمازج، ووصفها بما تسمى بعملية التوازن equolibrium وكذلك أخرى تتصف بعدم التوازن، ونجد أن أغلب الأطفال في المراحل المتوازنة يظهرون أمارات التكيف الاجتماعي الجيد، حيث من السهل عليهم التكيف مع الآخرين، وكذلك لمتطلبات البيئة، ويميلون إلى أن يكونوا أكثر إشباعًا وسعادة واسترخاء إذا ما قورنوا أثناء مراحل نمائية أخرى، كما أن الأطفال الذين يكونون في مراحل تتسم بعدم التوازن يميلون إلى أن يكونوا أكثر توترًا، ومترددين وغير آمنين، كما أنهم قد يظهرون كثيرًا من المشكلات السلوكية والتي لا تحدث أثناء المراحل الأخرى من النمو، حيث نجد لديهم مشكلات في التكيف مع الأفراد الآخرين، وكذلك مشكلات تكيف في الحياة بصورة عامة.
ولقد أشارت "هيرلوك Hurlock؛ "1972" إلى أن كثيرًا من الآباء يربطون تلك التغيرات في النماذج السلوكية، بالتغيرات البيئية، وعلاوة على ذلك، فمن الأسوأ أن يربطوها في أغلب الأحيان بالطفل نفسه قائلين: إنه مزعج ودائم الشكوى ومتذمر
…
إلخ، وتستطرد "هيرلوك" بقولها: إن المشكلات السلوكية لا يمكن أن تكون انحرافات فردية على الإطلاق، ولكنها بالأحرى أنماط سلوكية متنبأة تصف مرحلة نمائية معينة يمر بها الطفل.
ولقد وصفها "آمز Ames" بطريقة أخرى بقوله في مراحل معينة: نجد جميع الأطفال يميلون إلى أن يكونوا خارج الجماعة التي ينتمون إليها، وإن ذلك يعتبر جزء عادي من النمو، ويجب أن يدرك الآباء أن هذا هو حال الفرد الذي يتعلم التعامل مع الأشياء بخطوات واسعة أو بقفزات.
كما أثير كثير من الجدل بين علماء النفس حول أدوار الوراثة والنضج وخبرات التعلم في النمو، وسوف نناقش هذا الجدل بتفصيل فيما بعد، إلا أنهم اتفقوا مع ذلك أن المراحل النمائية ما هي إلا نتيجة الاتحاد بين النضج والتعلم، كما أن وصف المرحلة نادرًا إن لم يكن مستحيلا أن يتم مستقلا عن البيئة التي يعمل فيها الطفل ولهذا السبب فإن كثيرًا من المراحل النمائية لا يمكن أن تنفصل كل منهما عن الأخرى، فالانتقال من مرحلة إلى أخرى تالية تكون في صورة تدريجية وتحدث في أوقات مختلفة للأطفال بواسطة خبرات تعليمية متباينة، كما أن دراسات التحليل النفسي قد اهتمت بصورة خاصة بخبرات الطفولة في فترات معينة من حياتهم.
ويجب أن نشير في هذا المقام أن التوقيت يكون حاسمًا في النمو، فالطفل الذي يحرم من العطف الأموي خلال طفولته المبكرة يتوقع أن يتأثر بصورة مختلفة تمامًا عن الطفل الذي حرم من العطف الأموي في طفولته الوسطى، وبهذه الطريقة فإن المرحلة النمائية تستخدم لتفسير الاختلافات أو الفروق الفردية في السلوك، بالإضافة إلى تفسير النمط السلوكي العادي.
وفي ثنايا الصفحات التالية سنلقي الضوء على بعض من النظريات في علم نفس النمو التي أشارت إلى أن النمو الإنساني يسير في مراحل معينة، وعلى الرغم من أن هذه المراحل قد تختلف أحيانًا، وأنها قد تتداخل، إلا أنها تحدث في نظام متوال، كما أنها تتغير في التعقيد والتركيب وتتحدد وتتميز مع العمر الزمني.
ويسمى هذا المنحى في النمو بمنحى المرحلة التابعة Stage dependent، ولقد اهتم كثيرًا من الباحثين في النمو الإنساني من أمثال "جيزل Gesell"، و"آمز Ames" بأنماط كثيرة مختلفة من النمو، والعلاقات المتداخلة المركبة التي توجد بينها، وسنرى بعض مساهمات "جيزل" و"آمز" و"بياجيه" و"كوهلبرج" و"فرويد" و"آريكسون" في مراحل النمو الإنساني.