الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مرحلة الجنين المكتمل Fetal Period:
يحدث أثناء هذه الفترة وهي من نهاية الشهر الثاني حتى الولادة كثيرا من التهذيبات والأشكال المحسنة في تركيبات الجنين الرئيسية فمثلا نجد أعضاء جسم الجنين المختلفة تحتاج إلى كثير من التفصيلات الإضافية مثل تكوين الأوعية الاتصالية حتى تكون قادرة على أداء وظيفتها الكاملة.
كما أن المخ مثله مثل أي عضو آخر يزداد بصورة سريعة في حجمه أثناء هذه المرحلة إلا أن نوعيته الإنسانية المحددة الدقيقة لا تحدث الا متأخرًا.
كما أن كثيرًا من أعضاء الجنين لا تكون في حالة من الكفاية الذاتية كالقلب والجهاز الهضمي والأجهزة المفرزة، وبالتالي نجدها تظل معتمدة على المشيمة، ولهذا السبب نجد الجنين ذا الجهاز العضوي الناقص أو المصاب بخلل ما، قد يحيى حتى الميلاد، إلا أنه لا يستطيع بعد ذلك. كما أن ميعاد الولادة ليس وقتًا عرضيًا، حيث أنه يحدث عادة بواسطة ميكانزمات داخلية تشير أن الجنين يكون كبيرًا بصورة كافية، وأن جهازه العضوي أمامه فرصة طيبة لأداء وظائفه بنفسه، وقبل أن نتحول لنتأمل الجوانب النفسية لنمو الجنين والولادة، هيا بنا نرى بعضا من الطرق التي يمكن أن تعوق النمو في مرحلة قبل الولادة.
النمو غير العادي للجنين:
كما أشرت فيما سبق أن نمو الجنين داخل رحم الأم يعتبر حقيقة شيئا معجزا للخالق عز وجل، حيث نرى كثيرًا من التفاعلات الدقيقة المحكمة لكثير من العمليات الكيميائية والفسيولوجية المختلفة، وإنه لمن المثير حقًا أن تسلسل المراحل عادة ما تسير في تدرجها العادي الطبيعي، ولكن نجد في بعض الأحيان أشكالا من النمو غير العادي للجنين ولا تكون من الخطورة حتى تعيق عملية الحمل أو الولادة كأن يولد الوليد بنقص ما أو بعاهة معينة، وعمومًا يوجد نمطان أكثر عمومية عادة ما تحدث للصبغيات أو للإنزيمات Enzymes.
وثمة نوع غير عادي للصبغيات فبدلا من أن تكون الصبغيات ثنائية، قد نجدها في بعض الحالات ثلاثية، وثمة شذوذ وخروج عن القياس قد
اكتشف للصبغي 21 وهو واحد من أصغر الأزواج الصبغية، حيث لوحظ أن الأطفال المصابين بأعراض داون Down's Syndrome أو بالمنغولية Mongolism كان لديهم 47 صبغي بالإضافة إلى صبغي من نوع الـ21. ونحن نعرف الآن وجود أعراض أخرى ترتبط بامتلاك 47 صبغي وتسمى عادة بحالات التريسومي Trisomies كما أن أعراض داون كذلك تعرف كذلك بامتلاك 21 تريسومي، ويبدو أن الصبغي الزائد يتلف النظام الوراثي، ففي حالة عرض داون مثلا تتميز الحالات بملامح جسمية كالمنغولية، وذلك بانثناء العينين، والأصابع القصيرة الغليظة والشعر الأبيض والتخلف العقلي، وكما هو شائع أن المنغولية هي نقص يتميز بزوج تالف من الكروموزومات يتكون من ثلاثة كروموزومات، وبذلك يكون لدى الفرد 47 كروموزوما بدلا من 47 كما هو معتاد، ويعتقد البعض من جانب آخر أن سبب هذا الشذوذ قد يرجع إلى البيئة الأولى للجنين داخل الرحم، ولقد ثبت أن متوسط عمر الأم للأطفال المصابين بهذا المرض يكون كبيرًا عند ولادتهم، بمعنى أن المرأة فوق الأربعين ربيعًا تميل إلى أن تكون أكثر عرضة لإنجاب هؤلاء الأطفال من المرأة ذات العشرين ربعيًا، وبالتالي فإن النظر يتجه إلى البويضة -أكثر من الحي المنوي- على أنها مصدر هذا المرض.
وأعراض "كلينفلتر" Kline Felter's Syndrome تنتج من نقص في انقسام زوج من الكروموزومات، فتظهر الخلية المخصبة محتوية على كروموزومي X المعتادين وكروموزوم زائد Y ويكون الطفل ذكرًا في هذه الحالة، كما يكون له مظهر الأعضاء الجنسية الذكرية ولكنه يتميز أيضًا بخصائص جنسية أنثوية كالانحناءات البدنية والنمو الغدي، ويكون الرجال المصابون بهذه الأعراض عقما وغالبًا ما يكونون ضعافًا عقليًا.
وتحدث هذه الأعراض بنسبة أكبر فيما بين ولادات النساء الأكبر سنًا، وهذا التكرار الكبير في ولادات النساء كبيرات السن كحدوث أعراض داون وكلينفلتر يؤكد نظرية الخلية المتعبة المرهقة، أي إن قوة التنظيم الخلوي تضمحل تبعًا للعمر الزمني.
ويتصف هؤلاء الأفراد المصابون بأعراض كلينفلتر بانكماش وصغر الخصيتين عن المألوف، وزيادة في طول الساقين دون أن تصحبه زيادة في طول الذراعين وندرة في شعر الوجه والبطن، وكبر في الثديين بالإضافة إلى الضعف العقلي، والعقم، والطول المفرط.
ونوع آخر من الصبغيات الجنسية هو Xyy قد نوقش في كثير من الكتابات، فحيث إن الصبغي هو الذي يحدد الذكور كما سنشرح ذلك فيما بعد، فقد يتوقع أن الذكور ذوي صبغي Y زائدًا سيكون لديهم سمات ذكرية مبالغ فيها، إلا أن هذا لا يحدث في الواقع حيث أشار بعض الأفراد الرجال ذوي صبغات Xyy بأنهم أميل إلى ارتكاب الجرائم وأشاروا إلى أنه يوجد عدد كبير منهم نزلاء سجون إلا أننا يجب أن نحذر من التعميمات من الجانب الوراثي والصبغيات إلى السمات السلوكية فليس كل الذكور ذوي Xyy مجرمون، كما أن هؤلاء الذين يدخلون في متاعب ومشكلات مع القانون من المحتمل أنهم قد يفعلون ذلك نتيجة التفاعلات المركبة بين معطياتهم الوراثية وخبراتهم الحياتية.
وعامل الـ Rh وهو مرض دموي يصيب الوليد فإنه يشير إلى أية حالة يكون فيها مدى حياة خلايا الجنين قصيرًا، وذلك نتيجة فعل جسيمات مضادة Anti-Bodies أنتجت لتواجه جسيمات مشتقة من الأم وانتقلت إلى الجنين عن طريق المشيمة.
وقد أطلق على المرض هذا الاسم لأن التجارب الأولى في هذا المجال أجريت على قرود ريزوس Rhesus Monkey وتبعًا لنمط الدم يكون
القرد إما +Rh أو Rh فإذا كانت الوراثة من الأب +Rh وكانت الأم -Rh، فإن دم الجنين يصبح +Rh لأنه صفة سائدة؛ لأن الأم تمل -Rh أي تخالف دم الجنين فإن جسمها يكون جسيمات مضادة يطلق عليها مضادات Rh تنتقل من خلال المشيمة إلى دم الطفل، وتتسبب هذه الجسيمات في هدم الخلايا الدموية للجنين، وبذلك قد يولد الطفل وهو يعاني من الأنيميا أو غيرها، وقد ينتج عن ذلك وفاة الطفل بنسبة حالة في كل 30 حالة، أو يتسبب ذلك في الضعف العقلي.
وتعتبر هذه الحالة في منتهى الخطورة بعد الولادة الثانية، وقد وجد أن هناك حملا واحدا من بين كل 200 حمل ينتج عنه اضطراب نتيجة عدم الاتفاق بين دم الأم ودم الوليد، ولقد اكتشف تعارض فصائل دم الأم ووليدها في عام 1940، وأصبح الآن من الممكن تدارك الطفل وذلك بإجراء عملية نقل دم بالكامل عند ميلاده حتى يتخلص من الأجسام المضادة، ولقد استخدمت منذ عام 1960 وسيلة علاجية جديدة تستغني عن الحاجة لعملية نقل الدم المغاير بعد الولادة، وهذه المادة تحطم خلايا الدم Rh الإيجابية في الدورة الدموية للأم وبالتالي تمنع بناء أجسام مضادة والتي ستؤثر على الأطفال المولودين التاليين.
وجدير بالذكر، فإن بعض حالات الوراثة اللاسوية قد لا تكون مرتبطة أو تعزى إلى جميع الصبغيات، ولكنها قد تعزى إلى الأليليات Alleles لسمة معينة، كما أنه أثناء مجرى النمو الإنساني والتحول، نجد أن أغلب الأليليات المرتبطة بسمات معوقة تطرد من الجسم ويتخلص منها، إلا أن بعض الأليليات المرتبطة بسمات معوقة ضارة تستمر بسبب التحول التلقائي أو التغاير الإحيائي "تغير في الوراثة مفاجئ يحدث مواليد مختلفة عن الأبوين" فخلل أو انحراف المورثات قد ينتج عن ثمة عوامل مثل تعاطي العقاقير، أو الإشعاع؛ ولأن بعض هذه السمات المسودة، تظهر فقط في حالات نادرة عندما يكون المورث المسود من كلا الوالدين، ففي حالة ضعف الإنزيم الوراثي ينتج طفلا غير عادي.
كما أن هناك عيوب خطيرة لعملية الأيض يمكن أن تنتقل وراثيًا فلقد اكتشف كل من بيدل وتيتم Beadle & Titum؛ "1958" أن الجينات تقوم بتنظيم أحداث كيميائية محددة، ومثال ذلك أن الجينات تتحكم في التفاعلات الأيضية والتي من أخطرها، وإن كانت أقلها شيوعًا
الفينلكيتونوريا PKU" Phenylketonutia" وينتج من نقص في كيمياء الجسم ناتج عن جينات خاطئة لا تمكن الجسم من إنتاج إنزيم معين لهضم أو أكسدة مركب كيميائي يسمى Phenylalanine ويوجد تقريبًا في كل مادة بروتينية يتناولها الإنسان، ونتيجة لذلك لا يستطيع الفرد تحول هذا المركب إلى تروسين Tyrosine بالمعدل العادي ويتجمع الفينلانين في الأنسجة ويعطي البول والعرق رائحة خاصة، وتزداد كميته مع كل تناول للطعام لدرجة أنه بالإضافة إلى نواتجه الثانوية تعمل على تلف المخ الضعف العقلي.
وقد وجد أن تحليل الدم قبل الحمل ينبه إلى ضرورة أخذ الحيطة والدراسة الدقيقة لحالة الوليد عند ولادته، ومن ثم يمكن مواجهة تلك الحالة والتحكم في ذلك النقص الوراثي.
وعمومًا، فإن الاختبارات لـPku تجري على جميع الأطفال حديثي الولادة، وعند اكتشاف هذه الحالة فإن الطفل يمكن أن يوضع تحت نظام غذاء معين يكون منخفضًا في البروتين المتضمن الفيلانين ويثار بعض الجدل عن المدة التي يجب أن يبقى عليها الطفل على الغذاء قليل الفنيل الينين، إلا أننا يجب أن نشير أنه بدون هذا الغذاء في حياة الوليد المبكرة فإنه قد يظهر درجات متنوعة من التخلف العقلي.
وحالات أخرى تكون نتيجة نقص نوعي إنزيمي، وهو المهق Albininsm وهو عبارة عن ابيضاض الجلد والشعر وعدم وجود الصبغ فيهما، وفي العينين، وعادة ما يكون الشخص الأمهق مصابًا بعمى الألوان، وهو شخص يفتقد إلى صبغ الفيتامين "وهي المادة الملونة في أنسجة أو خلايا الكائن" والشخص الأمهق يكون نتيجة تعطل أو انهيار بعض الأحماض الأمينية المختلفة داخل الجسم، حيث إنه لا يكون لديه الإنزيم لإنتاج هذا التصنيف الكيميائي، والمهق سمة مسودة ونادرًا ما تحدث، وهي حالة تعوق متوسط إلى حد ما وتكون الحالة معتدلة كلما تجنب هذا الشخص أشعة الشمس "وذلك لأن نقص القتامين Melanin وكذلك صبغ التنيك في الجلد" كما يتصف هذا الشخص بحساسيته العالية للضوء ويرجع ذلك إلى نقص الصبغ في العينين الذي عادة ما يساعد على امتصاص الضوء.
ومنذ عام 1960 اكتشف تعويقًا إنزيميا آخر وهو الخلية الأنيمية المنجلية Sickle cell anemia ففي هذه الحالة نجد المورث المعوق مسئولا عن إنتاج خضاب الدم "الهيموجلوبين"، والبروتين الصبغي الذي يوجد في خلايا الدم الحمراء، وعمومًا فإن هذا التعويق نادرًا ما يحدث للأجنة ويتصف الأشخاص المصابون بذلك بفقر الدم المزمن ويعانون بين الفينة والفينة من آلام قاسية من تجلط الأوعية الدموية حيث تغلق عادة بواسطة الخلايا المنجلية العاجزة المعوقة.
ولقد تطورت كشف اللاسويات الوراثية الجنينية قبل الميلاد بواسطة الأمنيوسنتس Amniocentesis، فحيث أن السائل الأمنيوتي يتضمن خلايا جنينية أو غير ناضجة، فإن ذلك يمكن أن يتم بتحريك بعض من هذا السائل الأمنيوتي وذلك بإيلاج إبرة رفيعة إما في المهبل أو خلال الجدار البطني، كما يمكن اكتشاف تلك اللاسويات الوراثية "الجنينية" والتي تبدو في خلايا متفردة عشوائية مثل عرض داون الذي سبق ذكره بواسطة هذه الطريقة، وعلى الرغم من أن اكتشاف الأمينوسنتس ما يزال جديدًا تمامًا إلا أنه يمكن أن يظهر معوقات جينية "وراثية" معينة في صورة مبكرة من ولادة الطفل.
كما تنتج أعراض تيرنر من عدم نشاط أحد كروموزومي X وعادة ما يصيب الإناث، وتتصف أعراض هذا النقص برقبات قصيرة وأصابع قصيرة وتظهر الاضطرابات الرئيسية لهذا المرض عند البلوغ حيث لا تظهر الخصائص الجنسية الثانوية على المصابات وتحدث هذه الأعراض في حالة واحدة من بين كل 2000 ولادة، ويبدو أنها نتيجة عدم الانقسام الصحيح في الكروموزومات.