الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الصغيرة التي يمكن أن يؤديها الطفل، فإنه يتعامل مع وظائف الأشياء وليس مع نوعياتها وصفاتها، وجدير بالذكر، فإن الطفل عندما يصل إلى سن السادسة أو السابعة يستطيع أن يتصور خصائص وصفات الأشياء بالإضافة إلى وظائفها وهذا ما سنشير إليه فيما بعد.
ومع بداية المرحلة الحسية الحركية، نجد الطفل يستطيع تعديل وتبديل انعكاساته، إلا أن ذلك يتم عن طريق التمييز المتطور وتكمل المخططات Schemes، وبالتالي يمكن الطفل أن يستشكف بترو وتأن وسائل جديدة للحصول على أهدافه وغاياته المرغوب فيها، وجدير بالذكر فإن انبثاق القدرات المعرفية يسير جنبا إلى جنب مع بناء الطفل لمفاهيم أساسية عن العالم والموضوعات، وكذلك عن السببية والزمان والمكان.
المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:
أشارت ملاحظات بياجيه أن الرضيع الصغير لا يمكنه التميز بين العالم وبين ذاته، فمن وجهة نظر الرضيع لا يوجد اختلاف بين اختفاء وجهة الأم سواء كان بسبب تحريك رأسها أو خروجها من الحجرة، وأثناء الشهرين الأولين نجد الرضيع يوقف النظر إلى الأشياء عندما تتحرك خارج مجال رؤيته وينظر إلى أشياء أخرى بدلا منها، ولقد لاحظ Peter Wolff أن الرضيع عندما ينظر إلى وجه الراشد نجده يبكي عند اختفاء هذا الوجه، ولا ينظر إلى أن يعود هذا الوجه إلى الظهور مرة أخرى، والصياح في هذه الحالة يومئ إلى أن بعض الأشياء السارة قد ذهبت ولن تعود، وأثناء المرحلة الحسية الحركية الأولى، نرى الرضيع لديه مفهوم بدائي أولي عن السببية والفراغ والزمان، فالسببية عنده لا تكون أكثر من الدراية بالتغيرات المتعاقبة في حالة وجودها والمكان عادة ما يكون محدودًا بوعيه بجسمه وبيئته القريبة أو الحالية.
وأثناء مرحلة ردود الفعل الأولية الدائرية، يبدي الطفل ما يسمى بالتوقعات السلبية، ففي نهاية الشهر الثاني نجده يحملق في المكان الذي اختفى فيه الموضوع "خاصة الأم" كما لو أنه في انتظار عودتها من جديد، الرضيع في هذه المرحلة لا يبحث عن الشيء بنشاط أو بفاعلية، فإذا كان يمتص سكاتته، وسقطت منه على الأرض، فإنه قد يستمر في
الامتصاص كما لو أنه في انتظارها لكي تعود مرة أخرى، والحقيقة فإنه في هذا السن لا يبحث عنها، وهذا التوقع السلبي يوسع من إحساس الطفل بالسببية إلى حد ما، بمعنى أنه يبدأ في أن يفصل الموضوع عن حركته، وبطريقة مماثلة يبدأ الرضيع في تفهم المكان بصورة أفضل كلما أمكنه التمييز بين الأشياء وارتباطاتهم بالجسم، كما يشير الزمان إلى المدى الذي يتوقع فيه الرضيع حدوث الشيء مرة أخرى، ونستطيع أن نستدل على مفاهيم الطفل الرضيع للمكان والزمان من خلال حركاته فقط.
وأثناء الأربعة أشهر التالية في مرحلة ردود الفعل الدائرية الثانوية نرى الرضيع يبدأ في استخدام مسار الأشياء والموضوعات، ينظر إليها ويبحث عنها في مكانها المتوقع، وعادة ما يحدث ذلك عندما يسقط الطفل بشيء. أو يرمي بشيء ما بنفسه، وفي ذلك الوقت ترى الأطفال ينظرون إلى الأشياء أو يبحثون عن الموضوعات المخبأة أو المختفية عن أنظارهم، فعندما تعطى "شخشيخة" الطفل جزئيًا بغطاء سريره، نجده يدفع الغطاء عنها ويسحبها، ولكن إذا غطت اللعبة بكاملها فإن الطفل في هذا السن لن يبحث عنها.
ويستطيع الطفل في هذه المرحلة إجراء التمييز الدقيق بين الشيء وحركته، ويمكنه تفهم وجود الارتباط بين حركاته وبين ما يحدث للشيء أو الموضوع، كما أن العلاقات المكانية تصبح محددة بصورة أدق، فعندما يتمكن الطفل من التوصل إلى الشيء المختفي نسبيًا عنه نراه يبدأ في إدراك مفهوم "فوق" و"تحت" كما أن ملاحظته لسقوط الأشياء يسهم كذلك في مفهومه "فوق" و"أسفل" ويبدأ الطفل أيضًا في إدراك فترات الزمن وذلك عندما يرمي بشيء ما ويتوقع سماع صوت الشيء وأن يرى النتيجة بصورة فورية.
وخلال 8-12 شهرًا نجد الطفل يبحث عن الأشياء التي تكون مختلفة بصورة كاملة عن ناظريه، فعندما خبأ بياجيه قطعة حلوى بين يديه، وجد أن طفله حاول أن يفتح قبضة يده لكي يحصل على الحلوى، ولكن عندما وضع بياجيه القبعة فوق الحلوى، لم يستطع الطفل العثور عليها حيث استمر في النظر إلى أيدي أبوه غير قادر على التعامل مع مبدأ الإزاحة أو الإحلال المزدوج Displacement وعلى الرغم من أن الطفل بدأ في تفهم أن الموضوعات أو الأشياء يمكن أن توجد على الرغم
من عدم قدرته على رؤيتها، إلا أن خبرته كانت محددة بمكان واحد، حيث لم يتمكن من تفهم بإمكانية وجود الحلوى خارج مجال رؤيته في أي مكان آخر.
ومفاهيم الطفل عن المكان والزمان والسببية جميعها تتحسن بصورة متممة بعضها البعض أثناء تلك الفترة حيث نجد أن حركة الطفل تؤدي به إلى البحث عن الأشياء والموضوعات المرغوب فيها، ويفهم العلاقات الوسيلية التي يستخدمها للحصول على غاياته وأهدافه، ويتميز مفهوم المكان بصورة أكبر كلما بدأ الطفل التعرف على أماكن وأزمنة مختلفة، ويتميز المكان بما يمكن أن يؤدي فيه أو ما يتضمن عليه، كما يعزر مفهوم الزمان بصورة أكبر كلما استطاع الطفل التمييز بين الفترات الفاصلة المتطلبة لأحداث أفعال معينة، وأثناء النصف الأخير من السنة الثانية نجد الطفل ينظر إلى الموضوعات والأشياء المخفاة أو المستبدلة فمثلا ينظر إلى الحلوى داخل الأيدي أو الحلوى التي وضعت تحت شيء من الأشياء. وحقيقة أن الطفل يمكنه البحث عن موضوع ازدواجي مستبدل يشير إلى نهاية الفترة الحسية الحركية من حياة الطفل، فالطفل الآن يفهم أن الموضوعات والأشياء لها استمرارية إلى ما وراء خبرته الحالية المباشرة، كما أنها لا ترتبط بأماكن معينة، كما أن مفاهيم الذات والعالم تصبح في هذا الوقت مستقلة ومنفصلة ويمكن الطفل في هذا السن التعرف على النتائج السببية كجزء مستقل عن ذاته، ويصبح المكان منفصلا عن الأفعال، ويرى الطفل الأشياء والموضوعات "بما في ذلك نفسه" كما لو أنها في أماكن مختلفة متنوعة وبالتالي منفصلة عنه، ومفهوم الزمان يظهر نفس الاستقلال، حيث يشعر الطفل أن التتابع الزمني يمكن أن يحدث مستقلا وبمعزل عن أفعاله الخاصة، وبالتالي نجد الطفل في هذا السن يبدأ لديه إحساس موضوعي وغير شخصي عن الزمان.
وبإيجاز فإننا نجد الطفل في بداية هذه المرحلة ينظر إلى نفسه كمركز للعالم والأشياء المحيطة به، فكل شيء يقاس من وجهة نظره الخاصة وكذلك بواسطة أعماله وأفعاله، وفي نهاية هذه المرحلة أي في نهاية السنة الثانية يرى الطفل نفسه كجزء من العالم المحيط به المليء بموضوعات وأشياء مستقلة عن نفسه، والذي يتضمن الزمان والمكان والسببية، وجدير بالذكر فإن الطفل في نهاية هذه المرحلة يكون مستعدًا لتوسيع منظوريته "وجهة نظره" إزاء الكائنات البشرية الأخرى.