الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
Vicarious، وعلى ذلك فإن الأطفال الذين يرون آباءهم يعاملون جيرانهم السود أو الملونين بازدراء، يميلون إلى تكوين اتجاهات متماثلة، والمدعمات الاجتماعية كالابتسام والاستحسان الأبوي والمديح والتشجيع جميعها تعمل كمدعمات لتعلم الاتجاهات، وعلى ذلك فالأطفال الذين يشجعون عن طريق آبائهم لتكوين الاتجاهات الإيجابية نحو المدرسة يميلون إلى الاستمتاع بالمدرسة إذا ما قورنوا بالأطفال الذين نجد آباءهم يشعرون أن التعليم مضيعة للوقت، وجدير بالذكر فإن اكتساب القيم الأبوية يحدث بصورة كاملة في الجو الذي يشيعه الحب والحنان، فالأطفال الذين ينمون في بيوت محبة دافئة يكونون أكثر ميلا إلى تبني قيم آبائهم.
كما أن نمو الاتجاهات بطبيعة الحال، يتأثر بمتغيرات كثيرة كالعمر الزمني، والجنس، والعرق، وجميع هذه العوامل لها علاقة مؤثرة في تكوين الاتجاهات.
ثالثا:
الوراثة
أهمية الوراثة للطفل:
أشار علماء الوراثة إلى أن الوراثة تؤثر في نمو الطفل في عديد من الطرق، فالوراثة تتحكم في لون العينين والشعر والجلد وفي الطول والعرض فكثير من الخصائص الفسيولوجية سواء السلبية أو الإيجابية لنمو الطفل تنتقل من جيل إلى الجيل الذي يليه، وسوف نلقي الضوء في ثنايا الصفحات التالية على ميكانزمات الوراثة وأهميتها بالنسبة للمجتمع.
وقدرات الطفل كذلك تشبه الخصائص الجسمية تتأثر بالوراثة إلا أن الارتباط ليس دائمًا بصورة مباشرة حيث نجد أن القدرات الوراثية تتأثر وتشكل في عديد من الطرق عن طريق العالم الخارجي، وبالتالي فإن كل طفل نجده يظهر قدرات، وأنماط سلوكية متفردة وللأسف فإن الميكانزمات التي بواسطتها يحدث هذا التباين والاختلاف غير مفهومة حتى الآن بصورة قاطعة، كما أن نقص المعلومات في هذا الجانب الوراثي يقود أحيانًا إلى كثير من الاضطرابات والخوف.
جدل حول الوراثة والبيئة:
إن ما يسمى بجدل الوراثة -البيئة- كان موضوعًا للمناقشة والمجالات الساخنة المثيرة بواسطة علماء الوراثة من جهة وعلماء النفس من جهة أخرى، وجدير بالذكر فإن ثمة خصائص كلون العينين ولون الشعر والجلد بين الآباء والأبناء قد فسرت بدقة تامة وفهمت فهما جيدًا بواسطة ميكانزمات التركيب الوراثي، إلا أن وراثة القدرات العقلية والشخصية ومدى التأثرية أو القابلية للأمراض تكون عادة أكثر تركيبًا وتعقيدًا.
وثمة سؤال قد يطرح نفسه في بداية المناقشة هذه مؤداه ما هو أكثر أهمية للطفل الوراثة أم البيئة؟ فمنذ سنوات قليلة انشغل علماء الاجتماع وعلماء النفس في جدل من مثل هذا النوع، والإشارة إلى الاختلاف في معدل نسب الذكاء بين الأفراد البيض والسود في الولايات المتحدة ما هو إلا دليل على ذلك، إذ نجد جينسين Jensen، A؛ "1972" يشير أن الوراثة تفوق في الأهمية كثيرا من العوامل الأخرى في تفسير الاختلافات في القدرات العقلية، ويشير "جينسين" ومعه كثيرون أن الاختلافات في القدرات الفطرية هي سبب إخفاق البرامج التعليمية التعويضية التي تجري لاستثارة معدل ذكاء الأطفال ومعدلات إنجازاتهم،
ونجد علماء نظرية التعلم البيئي قد استجابوا سريعًا لموقف "جينسين" بكثير من أوجه النقد، إذ يشيرون أن "جينسين" ومؤيدوه فشلوا في أن يضعوا في اعتبارهم العوامل البيئية مثل الفروق التعليمية المعروفة التي تؤثر في معدلات الذكاء، كما أن التحيز الثقافي للاختبارات المستخدمة في ذلك بالإضافة أن كثيرًا من علماء التعلم البيئي انتقدوا كذلك بشدة الأسس الإحصائية في مناقشات جينسين كما وجه إليه انتقاد عام مؤداه اتهامه باستخدام نظريته لتعويق التحسينات الاجتماعية في البلاد وذلك أكثر من إضافته أي أسس أو مبادئ جديدة تثري معلوماتنا في هذا المجال.
وعندما نولي هذا الجدل النظر، وأهمية ذلك على المجتمع، فمما هو جدير بالذكر أن علماء الاجتماع منذ عشرين عامًا قد نقحوا ما كتب في هذا الموضوع وأعادوا النظر فيه، وأشاروا أن تساؤلا مثل: ما هي طبيعة العوامل التي تؤثر على الفرد منذ لحظة الحمل Nature nurture؟
لا توجد إجابة عليه، وعمومًا فقد وفر لنا أنصار كل من الوراثة والبيئة وأمدونا بالوسائل التقليدية، وتعبر عن ذلك أن أنستازي بقولها، إن الكائن المتفاعل ما هو إلا نتيجة موروثاته وبيئته الماضية، والبيئة الحالية تمدنا بالمثير الفوري لأنماط السلوك الحالي، كما كانت مهتمة بالتركيب التفاعلي بين الوارثة والبيئة، وتشير إلى أن هذا التفاعل يعتبر بمثابة العامل الأكثر أهمية للطفل النامي، وتميز أنستازي بين التأثيرات الوراثية والتي تكون مسئولة بصورة مباشرة عن سمات معينة والتأثيرات الأخرى والتي تكون مسئولة بصورة غير مباشرة، فلون العينين يعزى إلى نمط البنية الوراثي Genotype المباشر والذي يكون من المتعذر إلغاؤه، والتأثيرات الوراثية غير المباشرة تشبه الأخرى في أنها تحدد منذ فترة الحمل، إلا أن الاتجاه الآن يشير إلى أنها تتأثر بالتفاعل البيئي، فالسمة الوراثية ذات الطراز الظاهري Phenotype تعتبر شيئا مرئيا نتيجة التفاعل بين البنية الوراثية والبيئة، وكثير من الصفات المرئية للأطفال تعتبر تركيبات وراثية وكما أن السمات الوراثية كالموهبة الفنية والقدرة الاجتماعية والقدرة على أداء اختبارات الذكاء تكون نتيجة تفاعل عدد كبير من العوامل، فالأشخاص ذوو القابلية الوراثية لأمراض جسمية معينة، يجب أن يواجهوا بمكروبات أمراض معينة حتى يكون تأثيرهم مرئي وظاهر، وبكلمات أخرى فإن الفرد ذو البنية الوراثية قد يصبح مريضًا نتيجة الطراز الظاهري، أو أنه قد يكون محظوظا ويعيش بدون أن يجابه هذا الميكروب أبدًا، وفي هذه الحالة فإن نمط البنية الوراثي للشخص وكذلك التعبير الظاهري لوراثته قد لا تعكس تركيب هذا الشخص الوراثي.
ويشير Eisenberg؛ "1968" وبعض من علماء النفس الآخرين أن الفصام قد يكون سمة وراثية ذات طراز ظاهري Phenotype وقد يكون القابلية لهذا المرض العقلي وراثيًا، إلا أنه يجب أن تتوفر ظروف بيئية معنية لكي تظهر هذه القابلية نفسها، ونجد "ناش" Nash "1970" يصنف كثيرا من خصائص الشخصية وأنها قد ترجع جزئيًا إلى النواحي الوراثية بقوله:"نحن نستطيع أن نعدل الشخصية عن طريق التناول البيئي إلا أننا نفعل ذلك داخل القيود التي تحكم التطور والنشوء الإنساني، والعناصر الوراثية الحاضرة".
كما أن التأثيرات البيئية قد تكون مباشرة أو غير مباشرة، فمثال التأثير المباشر مع نمو الطفل يتمثل في النقص الشديد للبروتين في
مراحل معينة من النمو والذي ينتج عنه تأثيرات كتلف المخ Brain damage كما أن غياب الأم عن وليدها لأي سبب من الأسباب قد يكون له تأثير دائم في نمو شخصية هذا الوليد، وعمومًا فإننا لا نستطيع أن نغض النظر سواء عن تأثير الوراثة أو عن تأثير البيئة، فالطفل الذي يولد معوقًا من الناحية الوراثية، يولد مثلا بلا عينان، أو بلا أذنان فإن الخبرات الحياتية لهذا الطفل المعوق سوف تختلف بصورة كبيرة عن تلك التي نجدها عند الطفل العادي، ودائمًا فإنه من غير الممكن أن نحدد بدقة التغيرات أو التأثيرات التي قد تسببت بواسطة الوراثة وتلك التي تأثرت والخبرة، ولنضع في الاعتبار مثالا أكثر دقة، فالطفل الذي يولد ولون جلده يختلف عن معظم الأطفال الآخرين، فإننا نجده سوف يتأثر كذلك بالبيئة بصورة دقيقة، وجملة القول: فليست الوراثة أو البيئة وحدها تتحكم في نمو الطفل وذلك كما يدعي أنصار كل من المدرستين، حيث أن لكل منهما دور رئيسي في النمو والتفاعل المركب كذلك يعتبر عاملا حاسمًا في نمو الوليد البشري.