الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:
تعتبر دراسة علم النفس النمو على جانب كبير من الأهمية، ويرجع ذلك إلى طول الفترة التي يأخذها الكائن الآدمي حتى يصل لمرحلة البلوغ، ويتم نضجه وتتزايد الدلائل على أن العديد من المشكلات التي يجابهها الشباب عادة ما يكون لها جذور في نموهم المبكر، كما أن كثير من السمات الشخصية التي تتكون لدى الطفل الصغير تستمر معه في مراحل مراهقته وشبابه، وعمومًا فيمكن أن نوجز أهمية دراسة علم نفس النمو فيما يلي:
أولا: إن التعرف على مبادئ وقوانين ومظاهر النمو في المراحل العمرية المختلفة ذات قيمة بالغة، ويرجع ذلك لما يلي:
1-
تساعدنا على معرفة ما الذي نتوقعه من الطفل ومتى نتوقعه، وإذا لم يتوفر هذا الشرط في تهيئة وتنشئة الأطفال، فقد نساهم في تعويق نموهم، فعندما نكون أكثر ميلا إلى أن نتوقع من الطفل مستويات من السلوك عالية جدًا أو منخفضة للغاية في مرحلة عمرية معينة، فإن هذين النمطين من مستويات التوقع السلوكي ينطويان على آثار بالغة الخطورة في رعاية وتربية وتوجيه الأطفال، ففي حالة المستويات الأعلى من السلوك يحتمل أن تنمو في الطفل مشاعر عدم الكفاية أو عدم الأهلية لأنه لا يستطيع أن يصل إلى المعايير التي ارتآها له والداه ومعلموه، وتوقع أنماط سلوكية أقل من المستوى يؤدي إلى خفض الحالة الدافعية في الطفل، وبالتالي ينجز بمستوى أقل من قدراته الحقيقية.
2-
إن المعرفة بمبادئ أو قوانين النمو توفر للكبار وللقائمين على تربية ورعاية وتوجيه الطفل المعرفة اللازمة، متى يمكن استثارة النمو في الطفل ومتى لا نستثيره؟ وهذه المعرفة تهيئ الأساس اللازم للتخطيط والتنشيط البيئي الذي ينبغي تقديمه للطفل والتوقيت الصحيح لتنشيط واستثارة النمو.
2-
إن الوعي بالنمط النمائي السوي يجعل في ميسور الوالدين والمعلمين وغيرهم من العاملين مع الأطفال أن يسعوا إلى تهيئة الطفل مقدمًا للتغيرات التي سوف تحدث في جوانب النمو المختلفة، الجسمية، والسلوكية، والميول، وغير ذلك. وبالرغم من أن هذه التهيئة النفسية سوف لا تزيل كل التوترات التي تصاحب عملية التكيف بطريقة سوية، إلا أنها سوف تسهم بدرجة كبيرة في الإقلال منها،
فالطفل الذي نقوم بتهيئته لما نتوقعه منه حينما يدخل المدرسة، على سبيل المثال، يأتي بتوافقات أفضل مع المدرسة ويكون أكثر سعادة بالمدرسة من الطفل الذي لم يهيأ لمثل هذه الانتقالة الجذرية في حياته بصفة عامة، وعلى هذا النحو فالطفل الذي يتعلم التعاون والأخذ والعطاء في الأسرة يبدي توافقًا أفضل مع الجماعات خارج الأسرة من الطفل الذي يكون مركز الانتباه في الأسرة.
4-
وإذا كانت عملية النمو مستمرة متكاملة، تسير على نحو متسق بالنسبة لأغلبية الأطفال، فمن الممكن أن نحدد معاييرًا معينة لما يمكن أن نتوقعه في كل مرحلة نمائية، وبالتالي تتوفر لدينا أعمار عدة للأطفال، مقاييس عمر الطول، مقاييس عمر الوزن، مقاييس العمر الرسغي، مقاييس عمر التسنين، مقاييس عمر قبضة اليد، مقاييس العمر العقلي، مقاييس عمر القراءة، ويتفق الأطفال في معايير هذه المقاييس، بالرغم مما قد يوجد من تباينات طفيفة فحسب.
ويعتبر العمر الزمني المقياس الرئيسي لتطور النمو بالنسبة لأغراض التنظيم المدرسية وتهيئة عمليات التعليم والتعلم. فالمدراس من الروضة إلى الجامعة، تتخذ من عمر الفرد مفهومًا أساسيًا، تحدد على أساسه متى تقام، وكيف تنظم الصفوف الدراسية؟ وكم يلزم من المدرسين؟ وكيف تخطط المناهج؟ غير أن البرامج التعليمية لا تخطط عادة لكل سنة من سنوات العمر بصورة مفصلة تمامًا، وإنما تنظم على أساس مراحل نمو عريضة، ومثل هذا التخطيط يعترف بقصور التقسيم الصارم على أساس السنن، كما يعترف بأن مثل هذا التقسيم إنما هو أمر تقريبي، وبأنه لا بد من النظر بعين الاعتبار إلى توزيع خصائص الأطفال على مدى زمني واسع.
وقد كشفت لنا المعلومات المتزايدة عن النمو سذاجة اتخاذ معيار
السن أساسا لمعظم الأغراض؛ لأن الفروق التي بين جماعة الأطفال في أي عمر زمني واحد أكبر بكثير من الفروق التي توجد بين الأطفال في الأعمار الزمنية المتعاقبة، ومع ذلك، فإن للارتباط بين تغيرات السن وتغيرات اكتمال النضج دلالة بالغة بالنسبة لمحتوى الخبرة وطرق التدريس وعلاقات الطفل الشخصية وحياته الاجتماعية والانفعالية، وهكذا تخدم السن غرضًا أساسيًا، إذ يسترشد بها عند معالجة المشكلات المتعلقة بملاءمة النظم التعليمية للأطفال.
وقد يكون من أوضح الأمور التي يهتدى بها في تخطيط المناهج الحرص على أن تكون الخبرات التي يزود بها الطفل ملائمة لسنه، فلا يتوقع مثلا من طفل في السنة الأولى مثلا حدوث طفرة النمو، أو البقاء في حالة يغلب عليها الثبات "الكمون" أو الوصول إلى النمو الأمثل، أو التدرج إلى الاضمحلال والانهيار.
ثانيًا: يتميز هذا العلم بأنه موضوعي، فدراسته تقدم للإنسان صورة واضحة المعالم عن ميوله وأهدافه كإنسان في مختلف مراحل العمر، كما أنه يشرح وسائله الخاصة لتحقيق تلك الأهداف.
والفرد العادي كثيرًا ما يتهم الآخرين بعيب قد يكون فيه، فقد يتهم سواه بالبخل والأنانية ويكون هو نفسه أشد الناس بخلا وأبعدهم عن الإيثار.
والإنسان -عادة- يتغافل عن إدراك حقيقة تكوينه إذ ينظر إليها بعين الكمال وكأنه ملاك، فدراسة هذا العلم تقدم للإنسان هيكله النفسي مجردًا عن عوامل التحريف والألوان والضلال وذلك أدعى ليعرف الإنسان نفسه، وإذا عرف الإنسان نفسه وأدرك ما فيها من نقاط الضعف والقوة، أو الخير والشر، فقد يسعى لتعديل دوافع الشر وتنمية مواطن الخير، وهذا هو الطريق العملي للتكامل الإنساني، وهكذا فدراسة هذا العلم تمهد السبيل أمامنا لتكون أحكامنا على أنفسنا أكثر حيادًا، ومعرفتنا لسلوكنا معرفة موضوعية إيجابية، وذلك ما يفضي إلى فائدة شخصية ذاتية في تحقيق التوجيه أو الوقاية والعلاج النفسي.
ثالثًا: إن دراسة هذا العلم تجعل الإنسان عمليًا في علاقاته