الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبزيادة العمرة تتزايد الاختلافات الفردية والتفرد فبكل المقاييس الاجتماعية والسيكولوجية والبيولوجية هناك اختلافات كبيرة الأهمية بين مجتمعات المسنين ومجتمعات الشباب، وتبدو الاختلافات أكثر مما يبدو التماثل كلما تقدم العمر، حيث يشير كل من مادوكس ودوجلاس 1974 MADDOX AND DOUGLAS إلى أن التشابه بين المسنين قليل إذا ما قورن بالتشابه بين نظرائهم الأصغر سنا.
وفي محاولة لزيادة تفهم هذه الزيادة في الاختلافات بين الناس والمرتبطة بالعمر، فإنه يجدر بنا أن نضع نصب أعيننا حقيقتين هامتين، الأولى عندما يتقدم الأفراد في السن فإن خبراتهم المتنوعة المختلفة تمارس تأثيرات مختلفة، وبمرور السنين يتعلم كل فرد أشياء مختلفة، ويواجه مواقف متنوعة، ويسلك أو يستجيب بأسلوب متميز متفرد لهذه المواقف وبالتحديد عندما يتقدم الفرد في السن فإن هناك تأكيدا مستمرا متدرجا للفردية والتفرد أو التميز، حيث تخلق الخبرات المختلفة التغاير أكثر مما تخلق التماثل، أما الحقيقة الثانية فهي أن العمر الزمني أو عدد السنوات التي عاشها الفرد تؤثر في كل فرد بطريقة مختلفة، فالبعض يهرم في الخامسة والستين، والبعض يبدو أكثر شبابا في نفس السن، وداخل الفرد نفسه فإن مظاهر أو جوانب مختلفة من الشيخوخة تتكون وإن اختلفت المعدلات، فالناس لا يهرمون فقط، ولكنهم يهرمون بيولوجيا واجتماعيا ونفسيا وزمنيا أيضا، فالطاقة الكامنة للاختلاف داخل كل عملية من عمليات الشيخوخة جد هائلة، إن احتمال أن يصبح أي فردين أكثر تشابها بتقدمهم في العمر واتباعهم نماذج متطابقة للشيخوخة هو احتمال بعيد المنال، فمع النمو يكون التغير، ومع الخبرة يكون الاختلاف، ومع تقدم الأفراد في العمر يصبحون أقل تشابها.
الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:
يعتبر التصرف الأخرق المخبول مرادفا مع ما يظهره المسنون من تصرفات، والأصل في هذا الارتباط هو الاعتقاد بأن الشيخوخة في حد ذاتها تشكل نمطا من الأمراض.
وبالطبع فإن هذا الاعتقاد خاطئ وبصورة جلية، فالخرف أو الخبل ليس مصطلحا عياديا أو تشخيصيا مقبولا، بل هو اصطلاح جرى استخدامه بشكل واسع لوصف حالات مرضية معينة لاختلال المخ الوظيفي حيث
مظاهره الأولية هي الخلط وسوء التوجه الزماني والمكاني، والنسيان، وعدم القدرة على تركيز الاهتمام أو الانتباه لفترة زمنية طويلة، مع احتمال ظهور بعض الهلاوس والأوهام، إن مثل هذا المخ المريض مختل الوظيفة يدخل تحت فئة ما يسمى بزملة الأعراض المخية العضوية، وينقسم إلى فئتين كبيرتين، الحاد والمزمن، وينتج عن زملة الأعراض المخية العضوية بعض التلف أو القصور أو التردي في القدرات العقلية، والتي تعكس بعضا من التغيرات العادية للقدرات العقلية التي تحدث في المراحل العمرية المتقدمة، إن زملة الأعراض المخية الوظيفية ليست وضعا أو حالة أو مرآة للشيخوخة العادية، فالسلوك الذي يتصف بالخبل أو الخرف يمكن أن ينتج عنه صدمات فسيولوجية أو سيكولوجية عديدة، ويشمل ذلك سوء استخدام العقاقير، التسمم، نقص السكر المرضي في الدم، الأزمات القلبية المتلاحقة العدوى واضطرابات التمثيل الغذائي، إن كل الفئات العمرية عرضة لمثل هذه الصدمات والاضطرابات وهي ليست قاصرة على المسنين، إن حوالي ما بين 2 و3% من الأفراد في سن 65 فما فوق تظهر لديهم أعراض أو علامات مرتبطة بالخرف وهم عرضة للوقوع تحت طائلة القانون أو العرف أو للعرض على الطبيب العقلي أو هم عرضة للمرض العقلي "بوس وبيفر 1977 BUSSE AND PFEIFFER، وفي بعض الأحيان يمكن تصحيح الوضع معتمدين على ما إذا كان هناك توحدا مبكرا من عدمه، أو أن توفرت احتياطات العلاج المناسب، فلو اعتبرنا الخرف نتيحة طبيعية للتقدم في السن فلن يصبح العلاج الفوري الفعال في المتناول، فلو توقعنا أن يتصرف المسن بطريقة مرضية وأن هذا التصرف المتوقع قد حدث فليس لنا حاجة لمحاولة إحداث التغيير، وفي غياب العلاج تسوء الحالة المرضية، كما يمكن توقع تدهورا شديدا للفرد، وبلغة الاحتمالات هناك سبب بسيط لتوقع أن يسلك المسن بطريقة تظهر خصائص الخرف والخبل، وبالتالي فإن الاحتمال الإحصائي لأن يصبح الفرد خرفا نتيجة لكبر السن هو احتمال ضعيف جدا.