المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌مرحلة الرشد الوسطى - علم نفس النمو من الجنين إلى الشيخوخة

[عادل الأشول]

فهرس الكتاب

- ‌المحتويات:

- ‌مقدمة:

- ‌الباب الأول:‌‌ مدخللدراسة علم نفس النمو

- ‌ مدخل

- ‌الفصل الأول: تعريف علم نفس النمو "تاريخه وتطوره

- ‌الأهمية العلمية والعملية لعلم نفس النمو:

- ‌تطور علم النفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الأطوار غير العلمية

- ‌ثانيًا: بداية علم نفس النمو الحديث

- ‌الصورة العامة لتطور النمو:

- ‌مفهوم المراحل في علم نفس النمو:

- ‌الفصل الثاني: محددات السلوك الإنساني

- ‌مدخل

- ‌النضج

- ‌مطالب النمو:

- ‌مبادئ النمو:

- ‌مراحل النمو

- ‌مدخل

- ‌ مساهمات "جيزل وآلج وآمز

- ‌ نظرية بياجيه في النمو المعرفي:

- ‌نظرية كولببرج في نمو التفكير الخلقى

- ‌نظرية "فرويد" في النمو:

- ‌نظرية "أريكسون" النفسية الاجتماعية:

- ‌تفسيران بيئيان لتعلم سلوك الأطفال:

- ‌نظرية الدوافع:

- ‌هرمية "ماسلو" للحاجات:

- ‌أنماط تعلم الأطفال:

- ‌ الوراثة

- ‌الفصل الثالث: طرق الدراسة وأدوات البحث في علم نفس النمو

- ‌مدخل

- ‌أولا: الطرق الترابطية

- ‌ثانيًا: الطرق السببية

- ‌ثالثًا: الطرق التمايزية

- ‌رابعًا: الطرق التتبعية

- ‌خامسا: الدراسات المعيارية:

- ‌الباب الثاني: الطفولة

- ‌الفصل الرابع: النمو قبل الولادة

- ‌مدخل

- ‌تطور الجنين:

- ‌النمو غير العادي للجنين:

- ‌الحمل:

- ‌تفاعلات الأم والجنين:

- ‌الفصل الخامس: الوليد والفطيم

- ‌أولا: النمو الجسمي والحركي

- ‌الرضيع في السنة الأولى:

- ‌السنة الثانية:

- ‌ثانيا: النمو العقلى

- ‌الجوانب الكمية للنمو العقلى

- ‌ الجوانب الكيفية للنمو العقلي:

- ‌ثالثا: السمع

- ‌الحواس الأخرى:

- ‌رابعًا: اللغة

- ‌مراحل التعبير عند الطفل:

- ‌خامسا: العمليات المعرفية

- ‌حل المشكلة:

- ‌سادسًا: التفكير

- ‌المفاهيم الرئيسية لطفل العامين:

- ‌تعليم الآباء استشارة الرضيع

- ‌الأنماط السلوكية التوجيهية:

- ‌العوامل المؤثرة في الأنماط السلوكية الإشارية والتوجيهية:

- ‌الارتباطات مع الأشخاص الآخرين

- ‌مدخل

- ‌الأنماط السلوكية المدعمة للأرتباط

- ‌قلق الغرباء:

- ‌قلق الانفصال:

- ‌نظريات أصول الارتباطات المتبادلة:

- ‌الانفصال والتفرد:

- ‌تأثير الأطفال على العناية التي يتلقونها:

- ‌تطبيقات لتنشئة الرضيع:

- ‌التأثيرات طويلة وقصيرة المدى للعناية بتدريبات الأطفال:

- ‌الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5

- ‌النمو الجسمي:

- ‌النمو الجسمي والحركي:

- ‌النمو العقلي

- ‌مدخل

- ‌قياس الذكاء:

- ‌مقياس ديفيد وكسلر:

- ‌اختبار القدرة اللغوية المصور

- ‌النمو الإدراكي:

- ‌التذكر:

- ‌التعلم التمييزي:

- ‌السلوك الاحتفاظي

- ‌الاستدلالات الانتقالية:

- ‌ثبات العدد

- ‌النمو اللغوي:

- ‌اكتساب اللغة:

- ‌نظريات التحصيل اللغوي:

- ‌مهارات الاتصال المرجعية:

- ‌العالم التصوري للطفل الصغير:

- ‌التعلم في مرحلة الطفولة المبكرة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌العلاقات الاجتماعية لطفل ما قبل المدرسة

- ‌مدخل

- ‌دور الأب:

- ‌العلاقات مع الإخوة والأخوات:

- ‌مقدم طفل جديد:

- ‌التفاعلات مع الإخوة والأخوات الأكبر:

- ‌التفاعلات مع الصحبة والنظراء:

- ‌التطبيع الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌ التدريب أو فرض النظام

- ‌تساوق التدريب أو النظام:

- ‌التدريب المرشد

- ‌السلوك التدريبي الموجه:

- ‌التقمص

- ‌الفصل السابع: الطفولة الوسطي

- ‌‌‌النمو الجسمىوالعقلى

- ‌النمو الجسمى

- ‌النمو العقلي:

- ‌النمو اللغوي:

- ‌النمو الخلقي:

- ‌العالم التصوري للطفولة الوسطى:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي

- ‌مدخل

- ‌أولا: دخول المدرسة

- ‌ثانيًا: الاهتمام المتزايد بجماعة الرفاق

- ‌ثالثًا: هوية دور الجنس

- ‌رابعًا: العلاقات الأسرية

- ‌خامسا: الآباء لطفل المدرسة

- ‌سادسا: إعادة تقييم أطفال سن المدرسة لآبائهم

- ‌سابعًا: النمو وتكامل الشخصية

- ‌نظريات النمو

- ‌أولا: مفهوم دورة حياة الإنسان

- ‌ثانيًا: بعض نظريات النمو

- ‌بعض مشكلات النمو ووسائل مواجهتها:

- ‌الممارسات المدرسية ودورها في توجيه النمو:

- ‌الباب الثالث: المراهقة

- ‌مدخل

- ‌أولا: نظريات المراهقة

- ‌ثانيًا: التغيرات الجسمية والفسيولوجية

- ‌ثالثًا: النمو العقلي

- ‌النمو الخلقي:

- ‌دلائل التفكير الإجرائي الصوري:

- ‌رابعا: هوية المراهق وقيمه الخلقية

- ‌استمرار نمو الشخصية:

- ‌نماذج نمو المراهقة:

- ‌الشخصية والنمو الاجتماعي:

- ‌سادسا: الإرشاد النفسي للمراهقين

- ‌الاضطرابات النفسية والسيكوفسيولوجية

- ‌مدخل

- ‌القلق:

- ‌اكتتاب المراهق

- ‌توهم أو وسواس المرض

- ‌الاضطرابات السيكوفسيولوجية:

- ‌اضطرابات الأكل:

- ‌العلاج والإرشاد النفسي للمراهقين:

- ‌الباب الرابع: مرحلة الرشد

- ‌مرحلة الرشد المبكرة

- ‌مرحلة الرشد الوسطى

- ‌الباب الخامس:‌‌ الشيخوخة

- ‌ الشيخوخة

- ‌نظريات الشيخوخة:

- ‌المجال الاجتماعي:

- ‌الشيخوخة والمفاهيم والأفكار الخاطئة

- ‌مدخل

- ‌الخرافة الأولى أكثر تشابها:

- ‌الخرافة الثانية أن يصبح الفرد خرفا:

- ‌الخرافة الثالثة: الشيخوخة فترة الصفاء

- ‌الخرافة الرابعة: انعدام القدرة الجنسية

- ‌الخرافة الخامسة: الجمود وعدم المرونة

- ‌الخرافة السادسة: عدم الابتكارية وعدم الإنتاجية

- ‌الخرافة السابعة: صعوبة تعلم مهارات جديدة

- ‌الخرافة الثامنة: غرابة الأطوار أو الخبل

- ‌الخرافة التاسعة: الوحدة

- ‌الخرافة العاشرة: أكثر تدينا

- ‌الخاتمة

- ‌‌‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌الموت كنهاية لدورة حياة الإنسان

- ‌عملية الموت:

- ‌نظرية كويلر -روس

- ‌الإنكار

- ‌الغضب

- ‌المساومة

- ‌الاكتئاب

- ‌التقبل

- ‌نمو مفهوم الموت:

- ‌المراجع:

الفصل: ‌مرحلة الرشد الوسطى

‌مرحلة الرشد الوسطى

Middle Adulthood:

تتقارب مصطلحات الرشد الوسطى، والعمر المتوسط، والحياة الوسطى من ناحية الاستخدامات اللغوية والتعبيرية، إذ إن الأوسط من الناحية اللغوية يعرف بأنه ما يأتي قبل وبعد أشياء معينة، وبالتالي فإن الأفراد ذووا الأعمار المتوسطة ليسوا بصغار السن، ولا مسنين، حيث تركوا وراءهم عنفوان وقوة الشباب، إلا أنهم لم يصلوا بعد إلى توتر وهدوء وتعقل كبار السن وتشير نتائج نيوجارتن Neugarten؛ "1965" وزملائها في دراستها الكلاسيكية أن الأفراد قد حددوا الرجل أو المرأة الذين يكونون في منتصف العمر عندما يكونون ما بين الأربعين والخمسين عاما، وعموما فإن هناك مراجعة للاتجاهات نحو فترة الرشد الوسطى وذلك كانعكاس لطول فترة الحياة المتزايدة.

إذن متى يستطيع الفرد تجديد نفسه بأنه يقع في منتصف العمر؟ إن الأعمار الزمنية الحدية مثل الأربعين والخامسة والأربعين لا تبدو ذات دلالة واضحة إذ تشير نيوجارتن أن التواريخ والأعمار الزمنية لم تعد ذات مؤشر إيجابي كما كانت في المراحل النمائية السابقة، إذ لا يمكن القول بأنه يتقدم السن في هذه المرحلة يصبح الفرد أكبر جسما أو أكثر جاذبية أو أكثر أهمية.

إن الازدياد في العمر عاما بعد آخر يزيد من تميز الفرد، وبالتالي يميل الفرد إلى أن يدرك نفسه كما لو أنه في منتصف العمر وذلك كانعكاس لأحداث وخبرات تحدث في محيط الأسرة أو العمل، وعندما يكون لدى الفرد أبناء بالغين أو في سن المراهقة فقد يكون ذلك علاقة على أنه لم يصبح شابا صغير السن، وبحصول الفرد على مركز مرموق في عمله أو تولي الفرد مهمة الإشراف على مرءوسين من الشباب، قد ينتج عن ذلك، الإحساس بفترة وسط العمر، وقد أظهرت الدراسات أن السيدات يملن إلى إدراك منتصف العمر في إطار ما يحدث داخل الأسرة من أحداث ويحدث ذلك بالنسبة للرجال في مجال العمل والمركز الاجتماعي والاقتصادي.

ص: 638

التغيرات الجسمية:

يصل الإنسان إلى قمة النمو الجسمي في مرحلة الرشد المبكرة، ثم يبدأ الانحدار بصورة تدريجية في العقد الرابع من الحياة، فعلى سبيل المثال يبدأ الطول في التناقض بصورة ضئيلة بين الخامسة والأربعين والخمسين، أما الجزء الوحيد الذي يستمر في النمو من هيكل الإنسان العظمي فهو الوجه والرأس، ويستمر مما ينتج عنه تجعدات في الوجه، مع ارتخاء في أجزاء أخرى من الجسم، ويتناقص الحجم والقوة العضلية، وتقل تدريجيا القدرة على أداء مجهودات جسمية شاقة، إلا أن الأفراد الذين تعودوا على أداء الأعمال الجسمية يستمرون في إنتاجياتهم حتى أواخر منتصف العمر، ولكن عندما يصل الفرد إلى الخامسة والخمسين من عمره فإنه، كما عبر عن ذلك أحد العمال في هذا السن بصورة صادقة وذلك بقولهن لقد أصبحت الشوارع أكثر طولا، وقلت قدرتي على أداء الأشياء، لقد أصبحت عجوزا.

ويشعر الأفراد في منتصف العمر وبصورة تدريجية بأنهم أصبحوا أقل قدرة على مواجهة الضغوط الانفعالية والجسمية، ولا يستطيعون تحمل البرد أو الحر الشديد، كما يصعب في هذه الفترة مقاومة التقلبات الجوية، وتصبح الشكوى من التقلصات المعوية والاضطرابات السيكوسوماتية أكثر شيوعا، كما لا يستطيع الفرد أن يتناول وجبة دسمة دون أن يشعر بآثارها في اليوم التالي وعندئذ يتذكر أن ذلك لم يكن حاله من قبل.

وبتقدم العمر يحدث انخفاض ملحوظ في القدرة على التنفس، ويشعر المرء بالإجهاد السريع لمجرد ممارسته الجري أو صعود الدرج، والقلب يعمل بصورة أكبر، إلا أنه بفعالية أقل، وتبدأ حالة انتكاس تتضمن زيادة في الوزن وزيادة في سمك وصلابة الحوائط الشريانية، وتكون مشاكل السمنة وتصلب الشرايين أكثر شيوعا في أواخر مرحلة وسط العمر.

كما يحدث تغيرات في الجهاز العصبي تؤثر -بصورة خفيفة- على السلوك والإدراك والذكاء، ويقل وزن المخ بعد سن العشرين تدريجيا، ثم بسرعة أكثر في أواخر العمر.

وتشير دراسة بروملي Bromley؛ "1974" إلى حدوث تغير طفيف

ص: 639

بين الشباب والشيوخ في قياس ذبذبات المخ EEG، كما أن انعكاس الطرق على الركبة "الانعكاس البسيط" يبقى مقاربا لما كان عليه في سن العشرين وتصبح ردود الفعل للمثيرات المركبة، بما فيها تحولات النبض السريع أبطأ، ويصبح الانفعال أكثر بطأ، وهذا يعني أنه يتطلب وقتا أكثر بقليل من العقل حتى يتمكن من أداء عملية التنسيق والإنذار للنشاط العضلي، كما يحدث فقدان لبعض حاسة التذوق والسمع في الخمسينيات ولكنه غالبا ما لا يلاحظ من قبل الفرد.

وعلى الرغم من أن سنوات الرشد الوسطى يحدث خلالها تدهور تدريجي من قمة النضج التي وصل إليها الفرد في العشرينات من عمره، إلا أن الإنسان لا يجد ارتدادا فجائيا من النضج إلى التقهقر وحتى في سنوات العمر المبكرة فإن كل من عمليتي الهدم والبناء تحدث كذلك فمثلا الخلايا العصبية لا تتضاعف بعد السنة الأولى من الميلاد، وبالتالي يتناقص عددها تدريجيا، إلا أنه بسبب الزيادة الهائلة في تلك الخلايا، عادة ما يكون هذا التناقص غير ملحوظ، ويشبه ذلك التناقص الذي يحدث في طول الإنسان، والذي يحدث بصورة لا تكاد أن تلاحظ في السنوات المتأخرة من الحياة، وتحدث أمراض الشرايين في سنوات العمر الوسطى بصورة تدريجية أكثر مما تحدث بصورة فجائية، وتبدأ دقات قلب الفرد العادي "إذا ما قيست وقت الراحة" في التناقص ليس في منتصف العمر ولكن يبدأ ذلك في سن التاسعة عشر بنسبة 1% تقريبا، وربما يمكن ملاحظة هذه المشكلة في سن الخمسين، كما أن التناقص والانحدار قد يحدث في بعض الأنظمة ويكون أكثر وضوحا قبل فترة منتصف العمر بكثير "حاسة الرؤية قد تحدث تدهورا بها في فترة المراهقة أو الشباب" هكذا فإن منتصف العمر ليس نقطة تحول حادة فهي ببساطة تميز الفترة التي يبدأ خلالها الاتزان في التحول التدريجي المحتدم من النمو الموجب إلى الانحدار.

وإذا حدثت التغيرات الجسمية في فترات منتصف العمر بصورة محبطة، فمن الجدير بالذكر فإنها تنتج تدهورا في أعضاء المجتمع فلم يعد المجهود العضلى أو القوة هما من الضرورات الملحة في عمل الإنسان، والأهم من ذلك هو أننا نجد الأفراد في منتصف العمر لديهم القدرة على الإدارة وإصدار الأحكام والخبرة والرغبة في التكيف مع التكنولوجيا الحديثة، وعلى الرغم من أن بعض الوظائف قد تتطلب حدة الحواس أو زمن استجابة سريع فإن التكنولوجيا الحديثة قد خفضت أنظمة التكييف

ص: 640

حاجات الجسم لكي يتفاعل مع التغيرات الشديدة في درجات الحرارة، وابتكرت السلالم المتحركة والمنازل ذات الحدائق ووسائل النقل من الباب إلى الباب، كل هذا وضع الأفراد في منتصف العمر على قدم المساواة مع الشباب.

ويذهب بعض الكتاب إلى أبعد من هذا حيث يشيرون إلى فترة منتصف العمر "ما بين الأربعينات والخمسينات" على أنها تمثل ربيع العمل بينما كان نفس المصطلح يستخدم لسن العشرين أو الثلاثين، وهذا يعكس اعترافا بأن الانحدار التدريجي في الإمكانات الجسمية في فترة منتصف العمر يساعد على فعالية الفرد في المجتمع، ولم تعد بالتالي ذروة القدرة الجسمية هي المعيار الوحيد، حيث أصبحت الخبرة وحسن التقدير والقدرة على السيطرة في مرتبة أكثر أهمية.

معدل العمر الجسمي:

كان من المسلم به في الماضي -ومن المؤكد في عصرنا الحديث- أن معدل انحدار القوة الجسمية عند الفرد يحدد جزئيا عن طريق الوراثة، حيث نجد بعض العائلات التي يبدو أن طول العمر فيها شيئا وراثيا، فعندما يولد فرد في أسرة معينة يعاني الأبوان فيها من حالات مرض القلب أو السرطان، حينئذ يوجد احتمال بالإصابة الوراثية بتلك الأمراض.

والجدير بالذكر فإن كبر السن "الشيخوخة" ليس مجرد عملية جسمية، حيث تتداخل وتؤثر عدة عوامل بيئية أخرى فعلى سبيل المثال الصدمات التي تصيب الفرد كوفاة الزوج أو وفاة الزوجة، أو الطلاق، أو الحوادث، كلها من الممكن أن تؤثر في التقدم السريع في السن، واحتمال الإصابة بأمراض خطيرة وتشير بعض الدراسات أن العوامل الثقافية والحضارية والحالة الاقتصادية تؤثر أيضا في متوسط العمر لدى الإنسان، وعموما فقد يفترض أن عدم وجود الصراعات الحادة والضغوط النفسية ووجود نمط من الحياة المنتظمة قد يزيد فترة الحياة وذلك لأنه يقلل الضغوط والتوترات التي يجب على الفرد أن يتكيف معها.

أزمات القلب:

يستطيع الإنسان في الوقت الحاضر، بفضل التقدم في العلوم الطبية

ص: 641

والوسائل الإعلامية أن يعرف ما هو محظور وما هو مباح فيما يتعلق بأمراض الشريان التاجي في القلب، مثل ذلك تجنب الأطعمة الغنية بالكولسترول والمحتويات الدهنية، وعدم التدخين، وعدم أداء التدريبات الرياضية، عدم المشيء وعدم مراقبة الفرد لوزنه باستمرار، إلا أن ما يقرب من 50% ضحايا أمراض القلب لا يمكن إرجاع أسباب حالاتهم إلى أي من تلك العوامل المسببة المعروفة، ومن هنا بدأت شكوى العلماء تزداد أكثر وأكثر في أن هناك ثمة عوامل أخرى قد تؤثر في أمراض القلب ونتيجة سنوات عديدة من البحث والتجريب أشارت نتائج الدراسات إلى أن العامل المفقود والسبب الرئيسي لأمراض القلب المرتبطة بالشريان التاجي هي عبارة عن أسباب انفعالية يصاب بها الفرد، وأزمات قد يتعرض لها في حياته بالإضافة إلى الاستعداد الشديد لدى هؤلاء الأفراد من المرضى.

وقد يرتبط مع التقدم في العمر بعض من الاضطرابات الجسمية قد تكون نتيجة لبعض عادات وأنماط حياة الفرد، فقد تفقد سيدة في الخمسين من عمرها أسنانها وذلك بسبب عدم اهتمامها بها في سنواتها الماضية، وقد تشعر أن الطعام قد فقد مذاقه لأنها وحيدة، وقد تشعر بتناقص دوافعها الجنسية لفقدانها الشريك، أو أنها تفتقد الصورة الموجبة لذاتها، وعموما فإن كانت هذه التغيرات تستمر مع التقدم في العمر الزمني، إلا أنها ليست حتمية أو أنها نتيجة ضرورية للتقدم في السن، فقد تتواجد وتظهر تلك التغييرات عند الشباب أيضا.

سن اليأس وانقطاع الحيض:

أحد التأثيرات للتقدم في السن -والتي درست بعناية- تتمثل في التناقص في إنتاج الهرمومات التناسلية، وهي تلك الهرمونات الجنسية التي تنتج بواسطة البويضات والخصيتين، وهما الاستروجين والتستوستزون عند الذكر والأنثى على التوالي.

ومع أن الغدة النخامية تستمر في إرسال رسائل قوية إلى الغدة التناسلية، ومع أن الكظريات والغدة الدرقية والبنكرياس يستمرون في فعاليتهم كما سبق، إلا أن الغدة التناسلية تصبح أقل إنتاجا في سنوات العمر الوسطى، وهذا يؤثر في نمط الحياة عند الفرد.

أما بالنسبة للإناث، فإن أواخر الثلاثينات وأوائل الأربعينات عادة ما

ص: 642

تكون بداية للانحدار في معدلات الأيستروجين والجسفرون "والأول عبارة عن هرمون مثير للدورة النزوية والثاني هرمون يهيئ الرحم لقبول البيضة الملقحة". وفي حوالي سن الخمسين يبدأ الذكور في الإحساس بتناقص منتظم في هرمون التستوسترون، ويحدث ذلك الانحدار عند كل من الجنسين بتغيرات في هيئة الجسم كله، فعلى سبيل المثال قد ينتج عن سن اليأس زيادة في سمك الجلد والخصر وزيادة في ضغط الدم أو ارتفاع نسبة التأثر بأمراض الشرايين أو فقدان في أنسجة العظام عند بعض الأفراد.

وعلى الرغم من أن مصطلح سن اليأس أو الفتور الجنسي يستخدم لوصف تغيرات في الأعضاء التناسلية الجنسية، فإنه عند النساء ينتج عنه انحدار معدلات الاستروجين، وينتج عنه نحافة في الجدار المهبلي وبطء في استجابة التزليق المهبلي، وتوقف عن الإباضة وضمور في المبايض والرحم ويؤدي انخفاض في معدل التستوسترون عند الذكور إلى انخفاض بسيط في عدد الحيوانات المنوية الصحية والنشطة وتضخم غدة البروتستاتا، ويحتاج الفرد إلى مدة أطول لعملية الاستشارة إذا قورن بفترة الشباب أو المراهقة.

وتتفق الطريقة التي يخبر بها الذكور والإناث في تلك المرحلة هذه التغيرات، مع الطريقة التي يخبر بها المراهق أوجه النمو التي تحدث أثناء فترة المراهقة فالمراهقة تمر ببداية مرحلة الأنوثة التي تتمثل في الحيض والدورة الشهرية، وعادة ما تكون في البداية غير قوية في خلال العام الأول ونجد المرأة تخير مرة أخرى أمارات واضحة نسبيا من التغيرات التي تؤذن ببدء فترة انقطاع الطمث والتي عادة ما تحدث في الخمسين تقريبا، ويوجد اختلافات فردية كبيرة في ذلك، وهذا لا يمنع الاستمتاع بالمعاشرة الزوجية بغض النظر عن حالة الإخصاب.

أما بالنسبة للذكور فلا توجد تطورات عضوية مفاجئة من الممكن أن توحي لسن اليأس، فمعظم الرجال عادة ما يحتفظون بالخصوبة طوال حياتهم، وكما تحدد مجيء الرجولة أمارات الرغبة والأداء، إلا أن سن اليأس إذا كانت تحدث يمكن الإحساس بها بفقدان الرغبة والعجز الجنسي، وكثير من الرجال لا يكونون على دراية بالتغيرات الجسمية التي تحدث لهم لانشغالهم في صراعات الحياة ونادرا ما يستشير الرجل طبيبه حول سن اليأس فالرجال عادة لا يبحثون عن علاقات قوية مع الطبيب ذي التخصص

ص: 643

التناسلي، كما تفعل معظم النساء، وتوجد العديد من الأعراض المرضية المرتبطة بسن اليأس عند الإناث، فقد نجد بعضهن يبحثن عن الرعاية والعناية الطبية حيث يتضمن أعراض حالاتهن العرق الغزير والرغبات المحمومة الجانحة.

ومن أعراض سن اليأس بعض الأعراض التي تتمثل في الدوخة والصداع والأرق والحساسية وزيادة الوزن ويفسر سن اليأس خاصة عند المرأة بعض المشاكل العاطفية والاضطرابات النفسية التي ترتبط بالأفراد في منتصف العمر.

العمليات العقلية والمعرفية:

عادة ما يكون موضوع الذكاء في منتصف العمر قضية قابلة للمناقشة والجدل خاصة عند علماء النفس، ومن ضمن التساؤلات التي تطرح في هذا المجال هل يتوقف الذكاء؟ أو يتناقص؟ أو يتزايد؟ وفي أي نوع من العمليات المعرفية العقلية يحدث ذلك؟

كان يعتقد حتى وقت قريب أن الذكاء مثله مثل القوة العضلية أو الطول، ينمو بصورة طبيعية حتى نهاية فترة المراهقة فقط، أو إلى السنوات الأولى من العشرينات من العمر، ويقوم هذا الافتراض على الأساس الحاوي للذكاء أو الأساس النيورولوجي، ولقد أثارت بعض الدراسات الحديثة أنه على الرغم من أن بعض جوانب الذكاء قد تنمو حتى نهاية مرحلة الرشد المبكرة فقط، إلا أن بعض أشكال النمو العقلي الأخري تستمر حتى فترة الرشد المتأخرة، ويحدث النمو في تلك القدرة العقلية أو المعرفية والتي تتأثر بشكل واضح عن طريق خبرات الحياة كالمهارات اللفظية والمعارف الاجتماعية، والأحكام الأخلاقية.

درجات الذكاء:

يعتبر معامل الذكاء IQ طريقة مألوفة لقياس الذكاء للأطفال والمراهقين، ولقد اكتشف جوتز وكونارد Jones & Conard "1923" نتيجة تطبيقهما مجموعة من اختبارات الذكاء المقننة على نطاق واسع، أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم حول سن العشرين قد حققوا درجات أعلى ممن كانوا في منتصف أعمارهم، أو من الراشدين الكبار، وتشير نتائج دراسات شاهي Schaie؛ "1975"، والتي طبقت على قطاعات عرضية من الراشدين أن

ص: 644

أن قمة أداء الفرد في اختبارات الذكاء عادة ما يكون ما بين الخامسة والعشرين والخامسة والثلاثين، ودعم الافتراض بأن الأفراد الذين يقعون في منتصف أعمارهم وكبار السن، تكون كفاءاتهم على أداء اختبارات الذكاء أقل إذا ما قورنوا بالأصغر سنا.

ويوجد بعض الانتقادات إلى هذه النوعية من الدراسات العرضية Cross Sectional، وأهمها ما يشير إلى أننا لا نستطيع أن نرجع الاختلافات بين المجموعات السنية إلى العمر الزمني وحده، قد يحقق صغار السن نتائج أفضل ممن هم في منتصف العمر، لا لأنهم أكثر ذكاء، ولكن بسبب تعرضهم لمثل هذه النوعية من الاختبارات فيما قبل، وبالإضافة إلى تعرضهم لوسائل إعلامية أكثر تطورا عما كانت عليه في عهد كبار السن، أي أنهم قد نموا في ثقافة مغايرة، وبالتالي فإن الدرجات الأعلى قد تمثل وتعزى إلى مجموعة من المؤثرات تتقابل مع أو تضاف إلى تأثيرات السن.

وللتأكد من مدى صدق الدراسات السابقة أجريت دراسات طولية، اختبر فيها مجموعة من الأفراد وأعيد اختبارهم في مراحل متتالية من عمرهم، ولم توضح النتائج انخفاضا في مستوى الذكاء عند الأفراد في منتصف عمرهم، ومن جهة أخرى فقد أشارت بعض الدراسات إلى أن أداء الراشدين في منتصف العمر مع اختبارات الذكاء كان أفضل من آدائهم في فترة المراهقة أو الشباب.

ولقد أبدت نتائج دراسة بايلي Bayley؛ "1968" نتائج دراسة أوينز السابقة، ولم تسلم تلك الدراسات الطولية من الانتقادات وأهمها يتمركز في أن الفرد ذو الدافعية الأكبر، والأكثر صحة، هو الذي يستمر في الدراسة، كما أن تلك الدراسات الطولية قد يتأثر نتائجها بالتغيرات التي تحدث في البيئة فمثلا لو حدث أن أصبحت الاختبارات أكثر شيوعا وعمومية فقد يؤدي كل الذي أجري عليهم الاختبار بطريقة أفضل عما مضى وبالتالي يرجع تحسن الأداء إلى الخبرة، ومن ثم يعكس التقدم في السن بمعناه البسيط، وأفضل النتائج التي يمكن ملاحظتها في تلك الدراسات الطولية هي أن التناقص في الذكاء خلال فترة منتصف عمر المرء إن وجدت أصلا، ليست عامة بين الأفراد.

ص: 645

القدرات المتبلورة وغير المتبلورة:

تشير نتائج بعض الدراسات إلى أن نمو الوظائف العقلية في مرحلة الرشد عادة ما يكون وفقا لنموذجين وهما، القدرات المتبلورة والأخرى غير المتبلورة Fluid & Crystallized Ablities فالقدرات غير المتبلورة هي تلك التي يفترض أنها مرتبطة بسلامة وكفاءة الأنظمة الفسيولوجية العصبية كما ترتبط بتلك الوظائف العقلية التي تصل إلى ذروتها في بداية مرحلة الرشد والتي تتضح في القدرة الفذة الفنية والعلمية، ويمكن أن تتضح بصورة جلية في تلك الميادين التي لا تتطلب تكاملا لخبرات الحياة، منها على سبيل المثال التأليف الموسيقي، والأفكار والنظريات الطبيعية البحتة وأيضا الرياضية، وتتضمن تلك القدرات غير المتبلورة، القدرة على الحفظ والتفكير اللفظي ومهارات التصنيف، أي تلك المهارات التي تمكن الشخص من إدراك العلاقات المركبة وتكوين المفاهيم والتجريد واستخلاص المعاني.

ومن جهة أخرى تعتمد القدرات المتبلورة Crystalized على اكتساب الفرد للمعلومات والمهارات الهامة للثقافة والحضارة التي نحياها في عصرنا الحديث، وتتضمن تلك القدرات، المفردات اللغوية، التفكير الحسابي، المعلومات العامة، المعرفة الاجتماعية، وبينما تصل القدرات غير المتبلورة Fluid إلى ذروتها في مرحلة الرشد المبكر، تميل القدرات المتبلورة إلى الزيادة كلما اكتسب الفرد معرفة إضافية وخبرات أكثر في مراحل حياته هورن Horn، J؛ "1970".

الابتكارية:

بينما ركزت معظم الدراسات المهتمة بالوظائف العقلية خلال فترات الحياة على المهارات والمعرفة المتمثلة في نتائج اختبارات الذكاء المقننة، حاولت دراسات أخرى دراسة الجوانب الابتكارية في الوظائف العقلية، ومن أهم الإسهامات في هذا المجال دراسات ليهمان Lehman؛ "1953" ودراسات دنييس Dennis؛ "1966" فقد أشارت نتائج دراسة ليهمان التي أجراها على العلماء والفنانين ذوي الشهرة، أن هؤلاء العلماء والفنانين قد حققوا إسهامات ابتكارية أقل كفاءة كلما تقدم بهم العمر الزمني، كما أن الأعمال الابتكارية الفذة كانت أعمال من هم في مرحلة الرشد بل وفي بدايتها، كما حدث تناقص نوعية الانتاجات الابتكارية في منتصف العمر.

ص: 646

وتشير نتائج دراسية دنييس على الإنتاجية الابتكارية عند الرجال الذين عاشوا حتى سن الثمانين أن الفنانين كالموسيقيين والشعراء بلغوا قمتهم الإنتاجية الابتكارية قبل العلماء والباحثين، كما أن سن الأربعين ما يزال يمثل في كل المجموعات عدا مجموعة واحدة هي الموسيقيين، ذروة العطاء الابتكاري، بينما كان العلماء والباحثون أكثر عطاء خاصة في فترة منتصف ونهاية مرحلة الرشد.

وتشير بعض الدراسات الأخرى في هذا المجال، أن الأنواع المختلفة من الابتكارية مرتبطة بمختلف جماعات العمر الزمني في مرحلة الرشد، فدراسة جاكوس Jaques؛ "1964" تدعم ما يحدث من ابتكارية في مرحلة الرشد المبكرة والابتكارية التي تحدث في مرحلة منتصف العمر. ويستطرد بقوله: إن العمل الابتكاري عادة ما يكون مكثفا وتلقائيا في مرحلة الرشد المبكرة فالمتأمل لكتابات شكسبير وديكينز يرى فيهما مصداقا لذلك، ولكن تبقى تلك الأشكال من الابتكارية والتي تتطلب الخبرة والمراجعة والتفسير، تبقى ثابتة، وقد تزداد في منتصف العمر.

النمو المعرفي والخبرة:

تشير نتائج دراسة باباليا وبيلي Papalia & Bielby؛ "1974" أن النمو العقلي المعرفي يبقى ثابتا بصورة نسبية أو يتزايد في بعض جوانبه خلال مرحلة الرشد الوسطى، فالأحكام الأخلاقية تميل إلى الارتفاع إلى أعلى معدل لها في بداية منتصف العمر ويظهر الأفراد في منتصف حياتهم أكثر قدرة من الراشدين الآخرين على الاستماع وتفهم وجهات نظر الأفراد الآخرين ويبدو الأفراد في منتصف العمر أكثر قدرة على التفكير في بحث قضايا معينة وأكثر تفاعلا مع حلول المشاكل الأخلاقية.

ويظهر الراشدون في منتصف العمر اختلافا بسيطا عن الأفراد في بداية مرحلة الرشد، وذلك في الفحص والتأمل الانتقائي لمحتويات المشكلة.

ص: 647

المعروضة وإنتاج أكثر الاستراتيجيات من حيث الفعالية في متابعة المعلومات وإخراجها، وبمعنى آخر يتصف تفكير حل المشكلة في مرحلة الرشد الوسطى بأنه أكثر انتظاما ومنطقية وكفاءة وفعالية عن ذي قبل.

نمو الشخصية:

يبدو نمو الشخصية في منتصف العمر -عند بعض الأفراد- على أنه شيء غير محتمل، فقد يقال عن الأفراد في منتصف أعمارهم بأنهم يتسمون بالجمود ولكنهم أكثر إيجابية، كما أنهم أكثر ثباتا في شخصياتهم، ولقد أشارت إحدى الدراسات أن الأفراد في مرحلة الرشد المبكر كانوا في سن الأربعين بأنهم أظهروا زيادة ملحوظة في التكيف مع الأوضاع القائمة خاصة في المهنة جولد Gould؛ "1972".

ومن ناحية أخرى، تشير دراسات أخرى إلى أن مرحلة الرشد الوسطى من الممكن أن تكون فترة من النمو والتغيير غير العادي حيث ترى بعض الكتابات أن الحياة تبدأ بعد سن الأربعين، وهذا الرأي يدعم تلك الفكرة، لدرجة أنهم قارنوا عنفوان بداية الرشد المتوسطة مع عنفوان مرحلة المراهقة، مخرجين للناس مصطلحا جديدا يربط فترتي المراهقة والرشد، وذلك المصطلح عودة اليقظة يعزى إليه كل ما يحدث في هذه الفترة، حيث ينظر إليها كفرصة لترحيل كل أزمات الهوية في فترة المراهقة، كما تمثل هذه الفترة فرصة ثانية لكي تفعل أشياءك بنفسك ولتحقق ذاتك بصورة أكثر عمقا وصدقا، وتأتي مصطلحات عودة اليقظة الغريزية وخبرة إعادة الميلاد، والعنفوان المتجدد لفترة منتصف العمر، وكلها مصطلحات طبيب نفسي لذات الظاهرة. "فلاينت Vaillant؛ 1977".

وتصوير مرحلة منتصف العمر بأنها فترة ثبات، وفترة تغير، كليهما صادق إلى حد ما، إذ أن الحياة لا تبدأ بالفعل عند سن الأربعين، كما أن النمو والنضج لا يتوقفان عند سن الأربعين أو الخمسين أو الستين، أو أي فترة على مدار العمر، وحيث يخبر الإنسان بعض الأزمات في منتصف العمر، فإنها تميل إلى إحداث تغيرات تنحو بالفرد في اتجاه تكامل هويته، كما يشير مصطلح وعودة "اليقظة" إلى بعض المشاعر المستبعدة في السنوات التي يشوب فيها قلق المهنة، أو في محيط الأسرة، مما يجعله يشعر بها مرة أخرى، مما ينتج عنه شخصية أكثر شمولية، وقد يؤدي مفهوم المرء بأنه قد أصبح حرا إلى أن يحقق ذاته بصورة أكثر صدقا وعمقا، وقد

ص: 648

يؤدي به إلى الإتيان ببعض الأنماط السلوكية الجديدة المثيرة كالطلاق المفاجئ أو تغيير المهنة، إلا أن هذه الأفعال يمكن أن تعتبر كخبرة نحو الانتقال إلى الثقة بالذات، ويشير إريكسون في ذلك بقوله إلى أن الناتج السلبي لأزمة الرشد يتمثل في الجمود أو الركود أو العجز عن التغيير ويستخدم الأفراد أحيانا لوصف مرحلة الرشد الوسطى مصطلح "الإرهاق" ولا يكون نقيض الركود عند إريكسون هو مجرد التغيير بل هو القدرة على الإنتاجية، وقد يمر الفرد في مرحلة منتصف العمر بأزمات ترتبط ببحث أشياء مثل، ماذا ينبغي عليه الاعتناء والاهتمام به؟ وما ينبغي عليه أن ينجزه؟ وفي عملية إعادة تأكيد الاختيارات السابقة قد يحدث تصحيحات وتعديلات لكيفية ونمط الحياة التي يحياها، وحيث يتحرك الإنسان في هذه المرحلة بصورة نموذجية نحو شمول أعظم وتكامل أكبر.

استجابات الفرد لعمره الزمني:

يجب على الفرد في فترة منتصف العمر أن يتكيف لبعض التغييرات الجسمية التي تحدث له مثله في ذلك مثل المراهق، والتي قد تؤثر على مشاعره وأحاسيسه عن نفسه وأيضا تؤثر في وضعه ومركزه في المجتمع. فقد يشعر المرء باضطراره لإلغاء بعض ارتباطاته بسبب التهاب مفاصله، وعادة ما يشعر باهتمام جديد بمظهره العام وصحته، وقد يخبر المرء الصور من الاكتئاب البسيط، فإذا لم يقاوم تلك الحالات فقد يعاني من بعض الأزمات السلبية، فقد يشعر بالتعب والإجهاد لأي قدر من المجهود أو من جراء عملية المجانبة أو بأعراض توهم أو وساوس المرض كما قد يعاني البعض "خاصة المدمنون" من حالات التوتر أو الانسحاب.

وعادة ما تكون كيفية التغلب على الأزمات بمثابة عملية صعبة، فالمرأة المتكيفة من الممكن أن تقبل ثمة حقيقة بأنها أصبحت أقل جمالا ونضرة وقدرة، عما كانت عليه فيما مضى، وبالتالي تجعل عملية تقدمها في السن أكثر سهولة وتقبلا، كما يمكن للمرء في منتصف عمره الاعتراف بالألم الذي ينتابه وأنه يمر بحالة من القصور الذاتي، وعلى المرء ذكرا كان أم أنثى أن يعيد ترتيب قيمه ومبادئه حتى يمكن أن يتواءم مع وضعه الجديد في الحياة.

ويشير بيك Peck 1968 إلى ذلك بقوله: "إن كثيرا من الأفراد يستجيبوا إلى الفقدان الظاهر للقوة الجسمية بواسطة تحويل هرمية القيم

ص: 649

الخاصة بهم بهدوء، حيث يبدءون استخدام عقولهم بصورة أكثر من قوتهم الجسمية كمعيار لتقييم ذواتهم وإمكاناتهم في مجابهة وحل مشكلات الحياة.

وقد يخبر الفرد في منتصف العمر علاقة جديدة بالزمن حيث تتمثل الحياة عنده في الوقت المتبقي لكي يحياه، وذلك أكثر من مفهومه وفكرته عن كم عاشه وحياة منذ الميلاد حتى الآن، ومن ثم يتم مراجعة أهدافه وقيمه، كما يتيح ذلك الاختلاف في فكره ماذا حقق حتى الآن؟ وماذا يريد أن يفعل؟ ويمثل ذلك بحث جاد من أجل المعرفة، وقد يراجع الفرد مفهومه السابق عن النجاح، فإذا حقق نجاحا، فإنه قد يؤدي به إلى آخر، أما إذا أخفق تجده يروض نفسه على أوجه قصور ذاته، أو ربما لنقائص أو عيوب المجتمع، وفي كل من الحالتين يميل الشخص إلى إعادة توجيه ذاته نحو الأنشطة الأكثر اهتماما، وقد يجد الرجل الناجح نفسه في حاجة جديدة إلى أن يكون نشطا في المجتمع، وأن يطور علاقاته بمن حوله، أما الشخص الأقل نجاحا فقد يجد سلواه في خبراته الشخصية كما يحدثه عنده اهتمام متجدد بالأصدقاء والأنشطة الاجتماعية في منتصف حياته، وبينما يكون اهتمام المرء في العشرينات والثلاثينات من عمره منصبا على الحياة الأسرية والمهنية، نجده في الأربعينات والخمسينات ازدهارا في العلاقات الإنسانية والتي تصبح ذات قيمة في ذاتها، وجملة القول فإن قدرة الفرد -أثناء تلك المرحلة الحياتية- على الاهتمام بالآخرين ذات قيمة أكبر لديه، وتقل أهمية إنجاز الأعمال بصورة نسبية، ومرة أخرى فإن مراجعة القيمة يساعد متوسطي العمر على أن يتعاملوا مع أوجه قصورهم المرتبطة بثمة حقيقة مؤداها أنهم قد لا يتمكنون من إنجاز ما اعتادوا على إنجازه فيما مضى، وإذا تمكنوا من ذلك يكون أداؤهم أبطأ مما كان في الماضي.

وهناك أثر آخر يصاحب تقدم الإنسان في العمر حيث قد يصبح أقل كفاءة وتقليدية وأكثر رومانسية كما تظهر الأشواق الرومانسية في فترة العمر المتوسط، ويبدو كل من الرجال والنساء عرضة للخيالات الرومانسية والجنسية، وهو ما يشبه ما يحدث للمراهقين، ويرجع هذا الإحساس للشوق والتوق الذي ينتاب كل من الذكر والأنثى في هذه المرحلة، وحاجتهم لكي يقنعوا أنفسهم بأنهم ما زالوا ذوي جاذبية على الرغم من أمارات كبر السن البادية عليهم، وقد تمثل تلك الأحاسيس انبثاق

ص: 650

للميول المضادة فقد نرى الرجل يعبر عن أبعاد الأنثوية شخصيته في نهاية المرحلة الوسطى من حياته، كما قد نجد المرأة تطلق العنان للميول الجنسية العدوانية لديها بصورة أكبر ما سبق، وحقيقة يظهر أثر يكون غير واضح لعملية التقدم في السن سواء من الناحية الجسمية أو النفسية، وهو ظهور خط التحديد الفاصل والقوي بين الذكورة والأنوثة.

الاستجابات لمفهوم الموت:

قد يهتم الفرد بمفهوم الموت في فترات نموه السابقة، إلا أن التفكير في ذلك المفهوم قد يكون مرتبطا بصورة أكبر في منتصف العمر، وبعد فقدان صديق عزيز لدى الفرد في هذه المرحلة أمرا طبيعيا، إلا أن ذلك قد يعاد صدمة عند معظم الأفراد وقد يكون ذلك من الأسباب الرئيسية التي تجعل الفرد يشعر بأنه في منتصف عمره ولم يعد صغيرا وقويا، ويبدأ الفرد حينئذ في مراجعة مفهوم ذاته.

التوافق النفسي الجنسي:

كان يفترض في الماضي أن متوسطي العمر لا يقبلوا على الجنس مثل ما يحدث في عنفوان الشباب، حيث ينتاب متوسطوا العمر القلق وعادة ما يحاصروا بالتعب وتوقف دورة الطمث والعجز الجنسي أو العقم وغروب الشباب، وقد يمر الفرد بحالة يظن فيها أنه قد فقد الرغبة، إلا أن من الخطأ الاعتقاد في ذلك، إذ إن كل فرد من الممكن أن يظل راغبا في الجنس إذا ما توفرت الصحة البدنية والمعنويات المرتفعة، وبالتالي يمكن استمرار النشاط الجنسي إلى سن الثمانين، وعموما فإن الجنس يعد بمثابة جزء حيوي في حياة متوسطي العمر إلا أن تكرار ممارسته يقل مع التقدم في السن.

ويتأثر التعبير الجنسي إلى حد ما في حياة متوسطي العمر بالتوقعات الثقافية وتشير نتائج دراسة بيفير وآخرين Pfeffer & Others؛ "1972" إلى وجود اختلافات بين الشباب ومتوسطي العمر من حيث الجنس إذ يصبح الذكور والإناث في وقت ما بين السادسة والأربعين والخامسة والخمسين أكثر دراية بنقص الميول والنشاط الجنسي، وعلى الرغم من أن كليهما يخبر العلاقة الجنسية الكاملة والمشبعة إلا أن الاستجابة الجنسية عادة ما تكون أكثر بطأ، كما أنها تحتاج إلى بعض المقدمات الرومانسية الهادئة، وهذا يزيد بالفعل من الألفة والمودة بين الزوجين، كما

ص: 651

يزيد الخصوصية بين الرجل والمرأة في هذا السن، وذلك بسبب مغادرة الأولاد المنزل واستقلالهم مما يزيد الألفة والمودة بينهما، وقد يختبر بعض الأفراد متوسطي العمر مشاكل تعلق بالأداء الجنسي، حيث إن بطء الاستجابة قد يسبب عند الرجل بعض المخاوف في عدم القدرة على الأداء بصورة مناسبة، ولهذا السبب فإنه يفشل في بعض الأحيان، ومن المعروف وبصورة واسعة أن معظم حالات العجز الجنسي في حالات متوسطي العمر عادة ما يكون نتيجة للقلق أو المشكلات النفسية الأخرى، أكثر مما ترجع إلى التقدم في السن، فقد ينتاب الزوج المسن القلق والتعب في الأمور المالية والمهنية أو قد يشعر بتعب وإرهاق في العمل، أو قد يتأثر ببعض المشروبات الكحولية أو العقاقير، وأيا كان سبب ذلك فإن النتيجة هي الخوف من الفشل، وبالتالي يفضل مثل هذا الرجل الانسحاب باختياره بدلا من مواجهة خبرة الصراع النفسي.

وقد توافق الزوجة في منتصف العمر على الزواج الذي يخلو من الجنس، إلا أن الزوج إن كان غير منتبه أو متجاهلا للزوجة فقد تعاني من مفهوم سلبي لذاتها مما يجعلها تشعر بأنها قد أصبحت غير مرغوب فيها، أو قد أصابها الكبر وذبل شبابها وزالت نضرتها ومن المعروف عموما أن المرأة يمكن أن تشعر بلذة الجماع مع زوجها في أي عمر زمني وبالتالي فإن المرأة ذات الخبرة تكون أكثر وليست أقل في أن تصل إلى قمة النشوة في أي سن من امرأة شابة أصغر منها عمرا، وكل ما يبدو ضروريا للمتعة في العلاقات الجنسية الزوجية في السنوات الوسطى والمتأخرة من الحياة يتمثل في التعبير الجنسي المنتظم.

وتشير نتائج الدراسات في هذا المجال أن توقف العملية الجنسية بين الزوجين لا ترجع بالضرورة إلى التقدم في السن ولكنها ترجع في أغلب الأحوال إلى عوامل نفسية واجتماعية وإذا ما افترضنا الاستمرارية في التعبير الجنسي، فإن الشيء الوحيد الذي سيحتاجه الزوج أو الزوجة لأداء جنسي أكثر فعالية هو صحة جيدة، بالإضافة إلى شريك لديه الرغبة. وعموما فإن العلاقة الجنسية المستقرة والأكثر متعة في السنوات المبكرة عادة ما تكون أفضل أساس لاستمرار الجنس بين الزوجين في متوسط وأواخر سنوات حياتهما.

ص: 652

التوافق الزواجي والأسري:

تشير الدراسات في هذا المجال إلى أن الحياة الوسطى قد تجمع بين نقيضين فقد تعتبر أفضل وأسوأ الفترات معا، حيث يحدث في تلك الفترة أن يكون الزوجين مهتمين بتربية أطفالهما والذين يتراوح أعمارهم ما بين سن المدرسة وفترة الرشد المبكرة، وفي نهاية فترة منتصف العمر يدخل الزوجان مرحلة ما بعد الأبوة، ويصبحا معا وحيدين مرة أخرى، ولقد حاول علماء النفس قياس مستويات الرضا الزواجي المرتبط بهذه المرحلة ومن الواضح أن وجود الأطفال والمراهقين داخل الأسرة يؤثر في نوعية العلاقات الزوجية، كما توجد عوامل أخرى لا تقل أهمية عن ذلك، قد يحتاج الزوجان في منتصف العمر أن يتكيفا مع التغيرات التي تطرأ على تفاعلاتهما الجنسية، فقد يحتاجا لأن يتدربا على أنماط مختلفة من الحياة وذلك للأسباب التي ذكرناها سابقا، أو قد يحتاجان إلى التغلب على العائق الرئيسي للتوافق الزواجي ويكمن في السأم والإرهاق، وعادة ما تكون قدرتهما على تحديد السبب المباشر لهذا السأم والتعامل معه شيئا صعبا حيث يتطلب تفاهما صادقا بالنسبة للاستجابات الجنسية والتحرر من الضيق والكبت الذي طال كبته، وجدير بالذكر فإن لم توضع نماذج التفاهم والاتصال بين الزوجين منذ بداية مرحلة الزواج، فإن الاقتراب من مرحلة منتصف العمر وما يحدث خلالها من سأم وغربة قد يكون اضطرابا مؤلما وبالتالي يحتاج إلى مساعدة المعالج أو المرشد النفسي.

وأخيرا فقد توجد بعض المشاكل والمتاعب المرتبطة بتلك المرحلة الحياتية، أكثر من كونها مرتبطة بنوعية العلاقة الزوجية، فإمكانية أن يعمر أحد الزوجين أكثر من الآخر قد تصبح تلك الاحتمالية شيئا مهما وذات مغزى خاصة بالنسبة للنساء، كما قد تكون الضغوط المالية قاسية خلال هذه الفترة حيث يخطط الزوجان لتعليم أولادهم بالإضافة إلى اقترابهما من سن التقاعد، وقد توجد بعض الضغوط الأقرب في حالة وفاة أحد الزوجين وليس بمستغرب أن يترك رجل يحيى أزمة منتصف العمر زوجته ليس بسبب أنه على غير وفاق معها، ولكن لأنه على غير وفاق مع ذاته التي تؤدي إلى كثير من المشكلات الأسرية.

وقد تتباين مشاعر الأمهات والآباء بالنسبة لاستقلال أولادهم، وتزوجهم إلى أسرهم الخاصة بهم، فقد يعبر بعض الآباء بأن هذه تعتبر مرحلة لتجديد واستعادة الحرية من جديد، حيث يزداد التفاهم والتقارب

ص: 653

بين الزوجين، وتقل التوترات والضغوط في الجوانب الأسرية، وإذا كان الزوجان في حالة اقتصادية متيسرة فإن السفر للنزهة والانتعاش يصبح على وجه كبير من الأهمية، وكثيرا ما نسمع من الآباء بعض التعبيرات المصطلحات التي توميء إلى ذلك بقولهما مثلا:"إننا لم نعد مقيدين بعد، لقد أصبح لدينا الآن الوقت الكافي لنتفرغ لبعضنا البعض، ولم يعد الزواج مثلا بالأعباء المالية ومشاكل الأبناء".

وقد تشعر بعض الأمهات بالإحباط نتيجة استقلال الأبناء في أسرهم الخاصة، ويرجع ذلك أن هؤلاء الأمهات قد ربطن بين تقديرهن لذواتهن وأمومتهن، وقد يتطلب علاج ذلك أن ينخرط هؤلاء الآباء والأمهات في بعض الهوايات والأنشطة التطوعية أو توسيع مهارات الأمومة إلى خارج محيط الأسرة كالاهتمام بدور الحضانة، وعموما فقد يؤدي رحيل الأبناء عند عديد من الأزواج إلى إعادة اكتشاف كل منهما الآخر، بالإضافة إلى الاستمتاع بمزاولة الاهتمامات المشتركة، بينما قد يؤدي ذلك عند أزواج آخرين إلى عودة المشكلات من جديد والتي قد تقودهم إلى الاغتراب والانفصال عن الأسرة.

وقد يصبح العديد من الآباء والأمهات في تلك المرحلة أجدادا، وبالتالي قد يخبرون علاقة من نوع جديد داخل الكيان الأسري، فقد تستعيد الأم الكبيرة صورة الحمل والولادة والأمومة فيما تقوم به ابنتها، وقد يقضي الجد بعضا من الوقت مع أحفاده، بينما لم يفعل ذلك مع طفله هو، وقد يتبنى العديد من الأجداد نمطا غير تسلطي مع الأطفال، حيث كثيرا ما نرى الجد يشارك الطفل في لعبته في علاقة تتسم بالتبادلية في اللعب، وقد يحاول بعض الأجداد تحقيق ما لم يتمكنوا تحقيقه في أولادهم أن يحققوا ذلك في أحفادهم وقد يكون الوقت سانحا لبعض الأجداد في مراجعة فترة أبوته، فكثيرا ما نسمع بعض الأجداد يقولون، أنهم كانوا أجدادا أفضل مما كانوا آباء.

التزمل:

يرتبط التزمل عادة بالسن المتقدم، ويبدأ التزمل في الظهور كشيء حتمي وعام في الحياة ويذهب روجرز Rogers؛ "1957" إلى حد إرشاد الرجل بأن يعلم زوجته كيف تكون أرملة ويرتبط معظم مشكلات التزمل بمشاكل النضج المتأخر "حيث يكون مفهوم السيدة عن ذاتها بأنها قد

ص: 654

أصبحت عجوزا، أو قد شارفت على نهاية عمرها، وفي القريب ستلحق بزوجها"، ومن بين المشكلات التي تقتصر على الأرملة في منتصف عمرها هي مقارنتها نفسها بصديقاتها اللائي لم يفقدن أزواجهن ومن ثم قد ينتابها شعور باللا أهمية واللا فائدة في أي مناسبة اجتماعية وقد لا يراعي أصدقاؤها مشاعرها وذلك بنسيان دعوتها في المناسبات الاجتماعية، وعموما فإن الأرملة يجب أن توسع مفهومها لذاتها، وتحاول أن تجد لها بعض الأنشطة المناسبة لعمرها الزمني وبعض الرفاق والأصدقاء وبالتالي تعمل على تكييف نفسها للمشكلات التي قد تواجهها بعد فقدان زوجها، إلا أن ذلك قد لا يخفف من حزنها على زوجها.

العزوبية:

قد يوجد بعض الأفراد في منتصف عمرهم، في حالة عزوبية ولم يسبق لهم الزواج، وقد يكون لهذه الظاهرة جانبان، أحدهما أن العازب قد يمكنه تحقيق بعض الإنجازات في مجال عمله، حيث يتوفر له الحرية من الالتزامات العائلية وذلك كما نجد بعض الكتّاب أو الفنانين والعلماء والجانب الآخر لذلك أن الرجل العزب قد يواجه مشكلات خاصة في منتصف حياته، إذ عليه أن يقبل هويته الاجتماعية لكونه أعزب وغير متزوج، "وهذا المؤشر لم يكن بمثابة مشكلة عندما كان شابا صغير السن"، وبالتالي عليه أن يخطط لرشده المتأخر، وشيخوخته، والذي تتقدم فيه مساعدة من الزوجة أو الأولاد كما أنه في حالات مرضه عادة ما يلجأ إلى أن يودع نفسه في مؤسسة صحية على خلاف الرجل المتزوج الذي عادة ما تعنى به أسرته.

العمل والإنتاجية:

يبدأ الأفراد في الاهتمام بجيل آخر منذ بداية رشدهم ونضجهم، حيث يتولون تنشئة وتربية أطفالهم، وتلك العناية بالأطفال والتي تمتد إلى سنوات منتصف العمر هي تعبير لما يسميه إريكسون بالإنتاجية Generativity، وليس هذا هو الإحساس الوحيد في هذه المرحلة، حيث تتسع وجهات نظر الفرد ومداركه في منتصف العمر ويتسم بما يسميه إريكسون بالمسئولية الانتاجية نحو كل الكائنات البشرية، حيث يتضح ذلك في حب الرجل لعمله وأفكاره كحبه لأولاده، وإذا لم تتح الفرصة أمام الشخص لإظهار مهاراته وخبراته أو العناية بالآخرين، فقد يعاني من شعور بالجمود وبالتالي يشعر بالغربة عن كل ما أنتجه أو ما تركه وراءه.

ص: 655

وعادة ما نجد الأفراد في مرحلة منتصف العمر يهتمون بتدعيم مراكزهم المهنية وترقياتهم الوظيفية، فهو يميل إلى الاستقرار المهني والوظيفي إذا ما قورن بالشباب، وهذا يعكس حقيقة مؤداها أن الأفراد الأكبر سنا -بصورة عامة- أقل في اتخاذ المخاطرة من الشباب، وبالتالي فإن الرضا المهني قد يكون بمعدل أكبر لدى الأفراد الذين تجاوزوا الأربعين من عمرهم، حيث أشارت النتائج في مجال علم النفس الصناعي والمهني أن هؤلاء الأفراد عادة ما يكونون أكثر رضا من الشباب ليس فقط في عملهم، ولكن كذلك بالنسبة للعائد المادي الذي يحصلون عليه، إلا أن هذا الرضا كما أشارت نتائج دراسة كوين وآخرين Quinn & Others؛ "1971" لا يعني أن الذين في منتصف عمرهم دائما راضين عن أنفسهم، إذ نجد هذا الشخص وكجزء من مشاكل وأزمات منتصف العمر العامة، فإنه يميل إلى إعادة تقييم أهداف في وظيفته أو مهنته.

وعموما فإن الأفراد في منتصف عمرهم عادة ما يكونون محل تقدير لخبرتهم وحكمهم الصائب ورصانتهم، وتلك الخصائص التي تمكنهم من التكيف مع بيئات العمل.

جملة القول أن هؤلاء الأفراد كثيرا ما يحاولون الاستقرار في أعمالهم وهو أكثر اقتناعا ورضا بوظائفهم ومهنهم من الشباب، وكثيرا ما يعيد تقييم أهداف العمل في تلك السن، كما قد يقبل القيود على أهداف العمل.

ويهتم الأفراد في هذا السن بتدعيم مواقعهم وترقياتهم في عملهم، وتعني الترقية أنهم تحركوا من التخصص الضيق لمهنهم إلى الوظائف الإدارية أو الإشرافية فالشخص في مرحلة منتصف العمر يحاول أن يبحث عن بعض التأكيد لاستقراره المهني أو الوظيفي أي أنهم أقل في الأخذ بالمخاطرة إذا ما قورنوا بالشباب ويمثل ذلك رضا واقتناع إيجابي بالنسبة لهم.

ص: 656