الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
العالم التصوري للطفل الصغير:
قد نعتقد أن عالم الطفل الصغير عبارة عن تصنيف أشياء وأجزاء غير مترابطة، والحقيقة، فإن عالم الطفل الصغير لا يبدو كذلك على الإطلاق حيث إن تفكير الطفل الصغير له نظامه وتنظيمه الخاص به، فعلى الرغم من اختلافه عما نجد لدى الراشدين، إلا أنه ليس مألوفًا بصورة كلية لنا وذلك بسب عدم قدرتنا على الارتداد إلى نماذج فكرية ذاتية، وهي تلك النماذج التي تميز تفكير الصغار.
ولقد قدم بياجيه استعرضًا نظاميًا واسعًا لتفكير الأطفال الصغار، ونفس النتائج أشار إليها آخرون مؤيدون لوجهة نظر جان بياجيه، ويجب أن نشير في هذ المقام أن سلوك الصغار قد يساء فهمه عن طريق الكبار ويرجع ذلك إلى اختلاف نظرة الأطفال الصغار للعالم عما لدى الراشدين، فمثلا قد يصدم الطفل الصغير عندما لا يستطيع أن يتقاسم ويشارك دميته في انعكاساتها وردود فعلها، وذلك لاعتقاده أن دميته جزء من نفسه، وعمومًا فإن تفهم عالم الطفل التصوري يمكن أن يساعدنا على تقييم سلوكه بصورة أكثر موضوعية.
وأحد الخصائص التي تميز تفكير الأطفال الصغار ما يسميه بياجيه بالعلية الظاهرية Phenomenalistic Causality، وفي هذا النموذج من التفكير نجد الطفل يفترض وجود علاقة سببية أو علية بين شيئين يحدثان في وقت واحد، فمثلا قد يخاف الطفل من صوت الغريب ويمسك ببطانية دافئة لكي يزيل عنه الخوف، وحيث إن البطانية ترتبط بشعور الارتياح فإنه يعتقد أنها سوف توفر له الحماية، وسوف يبحث عنها عند إحساسه بالخوف مرة أخرى، وتميل بعض الأدوات والملابس أن تكون ذات قيمة عند الطفل الصغير، ويرجع ذلك إلى علية أو سببية هذه الأشياء الظاهرية، وهذا النمط يعتبر بمثابة أحد نواتج التفكير الذي يميز الأطفال الصغار، وكذلك بعض الراشدين، وسمي بالتفكير الانتقالي أو التحولي Transductie Reasning ويمكن تحليله كما يلي:
- أ، ب يحدثان سويًا.
- أموجود.
- إذن ب يجب أن يكون موجودًا.
وكثير من عناد الطفل الصغير يمكن أن يعزى إلى هذا النمط من التفكير الانتقالي أو التحولي، فالطفل الذي يرفض أن يجرب طعامًا جديدًا بسبب عدم استحسان آخر نوع من الطعام قدم إليه، فإنه في ذلك يتبع نمط التفكير الانتقالي، فالطعام الجديد والخبرة غير السارة قد حدثا معًا في الماضي، وبما أن هذا طعام جديد فإنه بالتالي سوف ينتج خبرة غير سارة.
وعند الراشدين نجد أن هذا النمط من التفكير غالبًا ما يؤدي إلى المعتقدات الخرافية "كالخوف اللاعقلاني" فالطالب الذي حدث وأخذ حمامًا باردًا قبل الامتحان الذي أداه بصورة جيدة، قد يشعر أنه يجب أن يستحم قبل كل امتحان، والتاجر الذي يزور مكان معين أو صديق معين قبل صفقة تجارية ناجحة قد يشعر أن هذا الشخص أو المكان "مصدر للخير" ويجب أن يفعل ذلك قبل كل عمل تجاري.
وخاصية أخرى يتسم بها تفكير طفل هذه المرحلة وهي صفة الإحيائية أو الأرواحية Animism وهي نسبة الحياة للأشياء غير الحية، أو الاعتقاد بأن لكل ما في الطبيعة روحًا أو نفسًا ويتأتى هذا لميل الطفل إلى نسخ وتجسيم العالم المادي على خبرته، ولذلك فإننا نجده يشير إلى أن دميته تشعر بالألم أو البرد كما يشعر هو بذلك، أي أن أشياء تحن وتخبر نفس المشاعر والأحاسيس التي يخبرها والمظهر الرئيسي لهذا التفكير هو الاعتقاد بمادية الإحساس، فقد نسمع من طفلين يتحدثان قول أحدهما للآخر.
- لماذا أنت ممسك بخدك؟
- لأنني عندي ألم في أسناني.
- هل تؤلمك كثيرًا؟
- نعم إنها تؤلمني
…
ألا تشعر بها؟
وليس بمستغرب في ضوء مناقشتنا السابقة، عن مفاهيم الطفل عن
والأكثر والأقل، وقبل وبعد، نجد الأطفال يعتقدون أن الحياة والموت مترادفان، فبالنسبة لطفل الثالثة والرابعة لا يعني الموت لديه انتهاء الحياة، ويرجع ذلك إلى أن الحياة عنده بمثابة خاصية دائمة للأشياء مثل صلابتها أو ألوانها، والموت لديه يشبه الاختفاء المادي يكون مؤقتا فقط، وهذه محادثة بين أحد الأخصائيين وطفل في الثالثة والنصف من عمره.
أ: لماذا تدفن الأموت تحت الأرض؟
ب: أين تعتقد بأنهم يجب أن يدفنوا؟
أ: من الممكن وضعهم في النفاية.
ب: لماذا يمكن وضعهم في النفاية؟
أ: من الأسهل عليهم أن يخرجوا منها.
وبحلول فترة الطفولة الوسطى يبدأ الأطفال إدراك أن الموت هو نهاية الحياة بالمعنى المادي أو الفسيولوجي، وعادة ما يكون مفهوم الموت بمثابة خبرة مخيفة مرعبة بالنسبة للطفل.
والخاصية الأخيرة لتفكير الأطفال الصغار ما بين 2-5 سنوات هي القصدية أو الغرضية purposivism، حيث يعتقدون أن كل الأشياء في العالم عملت بواسطة الإنسان، ولأجل الإنسان، وبالتالي فكل شيء له قصد أو غرض، وكلمة "لماذا" الشهيرة عند أطفال هذه المرحلة يجب أن نتفهمها من وجهة النظر هذه، فعندما يسأل الطفل: لماذا تشرق الشمس؟ لماذا يكون لون الشجر أخضر؟ فإنه يريد أن يعرف أسباب ذلك، وعلى ذلك فالإجابات المناسبة:"لكي تبقينا في حالة دفئ". أو: "لكي يخفي يرقان الفراشة ولا تستطيع أن تأكلها الطيور، وهناك إجابات أخرى كذلك لا تكون مضللة أو خاطئة بصورة كاملة إلا أنها تكون ذات معنى بالنسبة للطفل وعلى ذلك فالحقائق المطولة عن الحرارة والضوء التي تفسر أشعة الشمس قد لا تساعد الطفل على تفهم السؤال الحقيقي الذي يسأله.
وهدف هذا الوصف الموجز السابق، نقصد منها لإشارة إلى أن الأطفال الصغار لا يكون لديهم تصورًا كاملا للعالم، إلا أنه يتسم بالغنى على الرغم من أنه يختلف عن ذلك للراشد، وعلى ذلك فإن عقل الطفل الصغير لا يكون لوحًا فارغًا يجب أن يملأ بواسطة الخبرة، والطفل بالتالي يبني عالمه التصوري الخاص به، وجزء من نموه يتمثل في تعلم العالم التصوري للراشدين بالإضافة إلى التخلي أو الكف التدريجي عن تصوره الطفلي للعالم المحيط به.