الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهؤلاء ينظرون إلى الطرق التي يتعلم فيها الأطفال فعليًا المفردات والقواعد اللغوية ويستطرد أصحاب هذا الاتجاه أن النمو اللغوي في نموه وطريقة بنائه متشابه مع النمو المعرفي، بمعنى أن الطفل يتعلم المفردات والقواعد اللغوية لكي يعبر عما تعلمه نتيجة الاستكشاف النشط الفعال للبيئة، ولنتأمل بعض الإنجازات المعرفية للطفل قبل أن ينمي اللغة، وكما أشرنا سابقًا أن الأطفال في هذا السن يدركون وجود الأشياء واختفائها ويدركون كذلك أنها يمكن أن تظهر وتختفي، وهذه الاكتشافات بين المظاهر الأولى لخبرة الطفل والتي يعبر عنها لفظيًا، فمثلا نجد الأطفال يتعلمون أسماء ووجود الأشياء، وكذلك صفة التغير مثل قوله:"كلها تختفي" ويسألون بإعادتها من جديد، وهذا يتساوق مع الإنجازات المعرفية المبكرة.
وجدير بالذكر، فإن المعلومات والبيانات المتوفرة عن النمو اللغوي، تدعم جميع هذه النظريات الثلاثة، حيث إن كلا منها قد يتضمن عناصر من الحقيقة، فبعض اللغة قد تكون فطرية، وأخرى قد تكون في كثير أو قليل منها متعلمة بالإضافة إلى أن بعض الجوانب الأخرى قد تكون مبنية على النموذج المقدم عن طريق النمو المعرفي للطفل، وعمومًا فاللغة تعتبر بمثابة إنجاز متعدد الوجود، والتي لا يمكن أن نشرحها ونفسرها عن طريق نظرية واحدة، حتى على الأقل بالنسبة لمعرفتنا المحدودة في الوقت الحاضر.
مهارات الاتصال المرجعية:
تعتبر اللغة الأداة الأولى الرئيسية لعملية الاتصال، وأحد الجوانب المهمة للنمو اللغوي يتركز في مدى قدرة الطفل على استخدامها لنقل الأفكار، ومن جانب آخر فلكي يتم الاتصال بصورة فعالية مؤثرة فيجب أن يضع الطفل في اعتباره وإلى حد ما وجهة نظر المستمع، بمعنى أن الطفل في استخدام الكلام لعملية الاتصال، يجب كذلك أن يكتسب مهارات تمكنه أن يأخذ في اعتباره وجهة نظر المستمع إليه، وهذه تسمى بمهارات الاتصال المرجعية Referential Communication Skills.
ويعتبر جان بياجيه من أوائل الباحثين الذين جذبوا الانتباه إلى مهارات الاتصال المرجعية، ففي إحدى أعماله المبكرة لاحظ أن الأطفال الصغار عادة ما يتكلمون مع أنفسهم أكثر مما يفعلون ذلك مع بعضهم
البعض، وهذا الكلام غالبًا ما يكون مرتبطًا بالفعل ولا يكون بمثابة مجهود يبذل لغرض الاتصال فطفلان في الثالثة من العمر حين يلعبان سويًا قد يقولا:
* أحمد، اشترت لي أمي هذا الحذاء الجديد.
* محمد، هذه اللعبة الصامتة.
وقد أطلق بياجيه على تلك اللغة بالكلام المتمركز حول الذات Egocentric Speech، وقد لاحظ أنه يشكل جزءا واقعيًا من اتصال الطفل الصغير مع رفاقه في مثل سنه، إلا أن هذا النمط لا يسود عندما يتكلم الطفل مع الراشدين.
ويشير بياجيه أن الطفل الصغير المتمركز حول ذاته لا يمكنه أن يأخذ وجهة نظر الشخص الآخر عندما يختلف معه، وعلى الرغم من أن بياجيه قد توصل إلى ذلك من خلال ملاحظاته على الطبيعة، إلا أن باحثين آخرين أثبتوا وجهة نظر بياجيه عن طريق مهام الاتصال المرجعية التجريبية، ففي إحدى تجارب Sussevein & Other؛ "1975" على أطفال ما قبل المدرسة عرض عليهم بعض الأشكال الهندسية الفردية وسئلوا أن يعطوها أسماء، ولقد فعل الأطفال الصغار هذا بسهولة بإعطائها ثمة أسماء كالتفاحة وبرتقالة، وقطة، وكلب
…
إلخ، وعندما استخدم المجرب واحدة من هذه الأسماء ليشير إلى الشكل، فإن الطفل كان قادرًا على اختياره من وسط مجموعة من الأشكال، وهذا يعني أن الأطفال الصغار يعطون أسماء خصوصية Idiosyncratic للأشكال الهندسية.
وعلى الرغم من أن الأطفال ما بين 2-5 سنوات لديهم صعوبة اتصال مع الآخرين عندما يكون للآخرين وجهة نظر مختلفة عن وجهة نظرهم، إلا أننا نرى أن لديهم مهارات اتصالية مرجعية أولية، فمثلا نجد أطفال الرابعة يبسطون ويسهلون من لغتهم عندما يتكلمون مع أطفال الثانية، إلا أنهم لا يفعلون ذلك عند التكلم مع أصدقائهم أو الراشدين من حولهم.