الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثانيًا: الطرق السببية
Causative methods
عندما يكون الباحث مهتمًا بالعلاقات السببية بين الظواهر النفسية أو الظواهر التي تسبب أخرى حينئذ يجب عليه اتخاذ ميثودولوجية مختلفة عما سبق الإشارة إليه، وعمومًا فإن هذه التساؤلات يجاب عليها بصورة أفضل في ثنايا الطريقة التجريبة، وسوف نتأمل سويًا هذه الطريقة في ميدان علم النفس بصفة عامة وميدان علم النفس النمو بصفة خاصة.
فالتجريب Experimentaion في علم النفس يعتبر من أهم الطرق التي تتضمن تحقيق مقومات المنهج لعلمي، ويشير الاتجاه التجريبي في علم النفس أو معظم مشاكل علم النفس إن لم تكن كل مشاكله يمكن دراستها تجريبًا في معامله وفي مواقعه التجريبية، ومن أهم الخصائص التي يتميز بها التجريب في علم النفس النمو ما يلي.
- يسعى الباحث إلى تهيئة وترتيب ظروف وعوامل الظاهرة موضوع الدراسة بدلا من الانتظار والبحث والتنقيب "كما هو الحال في الملاحظة الموضوعية حتى تقع تلك الظاهرة ويقوم بدراستها وبحثها".
- يكون في مقدور الباحث تغيير الشروط والظروف التي تحدث فيها بدلا من تقبله لها كما وقعت أو حدثت.
- يمكن تغيير إحدى أو بعض العوامل التي تخضع لها تلك الظاهرة وتثبيت الظروف والعوامل الأخرى مما يسمح بمعرفة أثر ذلك كله على الظاهرة المراد بحثها، وبذلك يمكن تحديد علاقات تلك العامل والظروف بالنسبة لها.
- يمكن تكرار الظاهرة طبقًا لرغبة الباحث وحسب ما يتراءى له مما يسمح بدقة الملاحظة والقياس.
- استخدام أجهزة خاصة بالقياس تتميز بالدقة، مما يسمح بالتحديد الكمي للظاهرة وإمكان معالجتها طبقًا للطرق الإحصائية الملائمة.
أ- التجريب المعملي، ويقوم على أساس استخدام الآلات والأجهزة المختلفة، وغالبًا ما يجري في ظروف صناعية، وتنتشر الآن معامل
علم النفس في كليات التربية وعلم النفس بالعالم حيث تتوفر الكثير من الأجهزة الدقيقة التي يتمكن بها الباحث من جمع المعلومات والضبط والقياس الدقيق، ولا يتوقف أهمية التجربة العلمية على مدى ما يستعمل فيها من أجهزة وأدوات، إذ إن هناك الكثير من التجارب ما لا يحتاج إلى أجهزة البتة، كما أن هناك متطلبات وشروط معينة لاستخدام الأجهزة وفقًا لنوع التجربة نفسها والهدف من البحث وموضوعه، ولا يقلل من أهمية وقيمة التجربة عدم اعتمادها على مثل هذه الأجهزة.
ب- التجريب الطبيعي: ويرجع الفضل في استخدام هذا النوع من التجريب إلى لازورسكي، ومن مميزات "التجربة الطبيعية، أنها تجري تحت نطاق الظروف الطبيعية للظاهرة دون أي تغيير يذكر، فالظاهرة النفسية كما تحدث في واقع حياتنا قد يصعب إخضاعها للدراسة المعملية المصطعنة، لأن الواقع بما فيه من عوامل ومتغيرات متعددة يحدد شكل ومضمون الاستجابات والأنماط السلوكية المختلفة، وعزل الظاهرة عن واقعها أو إطارها يعني إغفال محددات معينة مسئولة عن حدوثها.
المجموعة التجريبية والمجموعة الضابطة Experimental& Control Groups:
وتقوم الطريقة التجريبية على تثبيت جميع المتغيرات فيما عدا متغير واحد "المتغير المستقل" وهو موضوع البحث، ويحاول الباحث أن يغير فيه ويوجهه بطريقة منظمة حتى يمكن أن يتبين ما إذا كان التغيير الذي تم إدخاله في هذا المتغير يؤدي إلى تغييرات أخرى في السلوك الناتج "المتغيرات السابقة" وكيفية حدوث هذه التغيرات.
ومثال على ذلك، يمكن التحقق تجريبيًا من صحة الفرض القائل بأن مواقف التنافس تؤدي إلى زيادة تحصيل الأطفال في مادة دراسية معينة، وذلك بتكوين مجموعتين من الأطفال، إحداهما تسمى بالمجموعة التجريبية والثانية تسمى بالمجموعة الضابطة. وبعد أن يقوم الباحث بتثبيت كافة المتغيرات التي قد تؤثر في تحصيل التلاميذ من المجموعتين كالسن ونسبة الذكاء والصف الدراسي والقدرة الحسابية وغير ذلك يعرض المجموعتين لمعالجات مختلفة، ولكن يدخل في المجموعة التجريبية متغير
التنافس المراد دراسته "كأن يقال للأطفال أن التلميذ الذي سيحرز أعلى درجة سيمنح جائزة"، في حين لا يدخل هذا المتغير في المجموعة الضابطة حيث لا يوجد موقف تنافسي كالذي سبق ثم نختبر مستوى تحصيل التلاميذ في المجموعتين فإذا تبين أن جماعة التنافس "المجموعة التجريبية" تفوقت في مستويات تحصيلها على المجموعة الضابطة، فإن ذلك يدل على أثر التنافس في رفع مستوى تحصيل التلاميذ "أي التحقق من صحة الفرض الذي ذهبنا إليه".
وكثيرًا ما استخدمت هذه الطريقة في دراسات علم النفس النمو، ففي إحدى دراسات Sarver، G. & Others؛ "1976" أراد الباحثون معرفة تأثير السرعة التي يقرأ به الأطفال قوائم الأرقام، بالإضافة إلى قدرتهم على استدعائها وتذكرها، حيث قدمت قوائم للأرقام على خمسة سرعات مختلفة، وتضمنت الضوابط في التجربة السابقة تقديم القوائم بصوت مسجل، وتم اختيار الأرقام من القائمة بصورة عشوائية، كما استخدم حالات من الذكور فقط، وكانوا في نفس المدرسة، وجميعهم كانت معدلات ذكائهم متوسطة، وبواسطة ضبط هذه العوامل في المجموعتين تمكن الباحثون من معرفة معدلات استدعاء الأطفال للأرقام ومدى اختلافهم في ذلك.
ونمط آخر من التجريب الذي عادة ما نجده في دراسات علم النفس النمو، ما يسمى بتجربة التدريب Training experiment حيث نجد نفس المجموعات أو مجموعات أخرى من الأطفال تعطي أشكالا مختلفة من التدريب على واجب معين، لكي يمكن أن نحدد أي نموذج من التدريب كان أكثر فعالية أو تأثيرًا في هذه المهمة، وكثير من هذه التجارب أجريت في ميدان علم النفس النمو وكان هدفها الكشف عن مدى ارتباط مفاهيم معينة بمستويات عمرية معينة، "فبياجيه" مثلا أشار إلى أن معظم الأطفال يحصلون مفهومًا حقيقيًا للعدد "وهو تفهم أن عدد العناصر في موقف ما يبقى نفسه بغض النظر عن كيفية ترتيبه أو تنظيمه، ويبلغون ذلك فيما بين الخامسة والسادسة من عمرهم الزمني، كما أن دراسات التدريب أجريت لتحديد ما إذا كان من الممكن اكتساب المفهوم الحقيقي للعدد لأطفال أصغر سنًا خلال فترة قصيرة من الوقت كنتيجة للتدريب والنماذج الرئيسية لذلك هو أن نختبر الأطفال ما قبل التدريب وبعده والاختلاف بين الدرجات في الاختبار الأول والاختبار الثاني يوضح تأثير وسائل تدريب متعددة.
تأثير المجرب:
إن العلاقة بين المجرب والحالات جانب من جوانب الطريقة التجريبية، ولقد لاقت هذه المسألة انتباهًا كبيرًا في العصر الحديث، وعلى الرغم من أن كثيرًا من المجهودات عادة ما تبذل في أي تجربة لتجعل أدوات الطريقة التجريبية ووسائلها أكثر موضوعية، إلا أنه يوجد دليل في أن المجرب يؤثر في نتائج البحث من خلال توقعاته لسلوك الكائن الآدمي Rosenthal؛ "1966" وسواء كان ذلك من خلال سلوك المجرب نحو الكائن الآدمي أو من خلال أخطاء في عملية الملاحظة.
ففي إجراء التجربة، أحيانا يبدأ الباحث بافتراضات معينة وتوقعات أو تحيزات فيما يتعلق بالنتائج، وهذه بالتالي تنقل للحالة من خلال تلميحات رؤيا أو سمعية متنوعة، مثل الإشارات والإيماءات، وكذلك نبرات صوت القائم بالتجربة، وعمومًا فإن الدراسات تشير بوجود بعض من العوامل التي تؤثر في هذه الطريقة وبالتالي في نتائجها وهذه تتضمن الجنس والعرق، والحاجة إلى الاستحسان الاجتماعي، ومركز المختبر، والمعرفة الشخصية المسبقة بين المختبر والحالة، وسوف نتأمل مثالين لتوضيح ذلك.
تشير نتائج دراسة Cown، p، وآخرين "1967" ما يقرب من 250 طفلا ما بين السابعة والتاسعة والحادية عشر، عرض عليهم عشرة صور ملونة ويطلب من كل طفل أن يحكي قصة عن كل صورة تعرض عليه، وبصورة عامة فقد أوضحت نتائج هذه الدراسات أنه كلما ازداد عمر الحالة كلما كانت الصور المستخدمة أكثر استثارة في الاستجابة. وأحد القائمين بالتجربة استثار استجابات أطول من أطفال الخامسة والسابعة، في حين أن أطفال السابعة والتاسعة كان أداؤهم أفضل من مختبر آخر، كما وجدت اختلافات، متشابهة فيما يتعلق بجنس الطفل حيث تمكن أحد الباحثين من استثارة استجابات كبيرة من الذكور، في حين تمكن آخر من إجراء ذلك مع الإناث.
وفي دراسة أخرى أجراها كل من Allen وآخرين "1966"، حيث اختبرت مدى تأثير جنس المختبر، ومقارنة نتائج المديح والنقد، ولقد اتفقت نتائج هذه الدراسة مع نتائج الدراسة السابقة، حيث أشارت أن الشخص المألوف بالنسبة للمختبر يكون أقل كمدعم اجتماعي إذا ما قورن بتأثير الشخص الغريب، وكانت حالات هذه الدراسة من الأطفال
البيض حيث تلقت المديح والثناء من مجرب زنجي، وأظهروا ازدياد في مدى استجاباتهم الصحيحة، في حين أشارت النتائج أن هؤلاء الأطفال الذين تلقوا الثناء والمديح من راشد أبيض قد أظهروا نقصًا في معدل استجاباتهم.
وجدير بالذكر أن هناك نقطتان فيما يتعلق بالتفاعل بين المجرب والحالة تتطلب بعضا من الشرح والتوضيح.
أ- يجب أن تفسر نتائج الدراسة وتحلل ببعض من الحذر وذلك بسبب أنها قد تتأثر بتحيزات المجرب، وكذلك بواسطة خصائص المجرب وخصائص الحالة نفسها.
ب- وثمة حقيقة مؤداها أن المجرب قد يؤثر في الحالة بطرق ماهرة ماكرة حاذقة حتى في الموقف المقنن المضبوط والمنظم لكي يظهر بعض من التأثيرات المتبادلة في عملية التفاعل بين الأدباء والأبناء والمدرسين والأطفال، ففي كليهما نجد أهداف الراشد وأغراضه تؤثر على سلوك الطفل واتجاهاته، وعمومًا فلا يوجد تفاعل إنساني يترك المشتركين فيه في حالة عدم تأثير بعضهم بالبعض الآخر لأن جوهر عملية التفاعل هي في مدى تأثير كل طرف على الآخر.
وعلى الرغم من كل ذلك، فإن الطريقة التجريبية تمثل أفضل الطرق لأنها تعيننا على إظهار العلاقات بين المتغيرات في وضوح وجلاء وبالتالي يؤدي ذلك إلى التحكم في الظاهرة إلا أن هناك بعض المشكلات التي يعتذر تناولها بهذه الطريقة، وبالتالي يجب الاستعانة بطرق أخرى في ذلك.