الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الحمل:
يمكن أن ينظر إلى النمو قبل الولادي من وجهة النظر النفسية والاجتماعية للمرأة التي يحدث لها هذا الحدث. ولقد أشار بعض السيكولوجيين أن الحمل يعتبر بمثابة حياة أزمة رئيسية مشابهة لتلك الموجودة في فترة المراهقة وركزوا على الدلالة والمغزى النفسي لهذا الحدث للأم، وكذلك للأب. وعمومًا سنتأمل سويًا بعض الجوانب النفسية لهذا الحدث.
منذ سنوات كان يوجد جدل واختلاف في الآراء عن العلاقة بين أفعال وانفعالات الأم وبين صحة جنينها، وكان يعتقد في وقت من الأوقات أنه حتى الضغط الانفعالي البسيط أو الإفراط في الطعام والشراب والنشاط الجنسي يمكن أن يؤثر على الجنين، وفي مقابل ذلك نجد الرأي الذي يشير إلى أن الجنين في حماية وبالتالي فإن إفراط الأم لا يؤثر في نموه، ويتخذ كل من الأطباء والسيكولوجيين وجهة النظر المعتدلة المتوسطة.
وسوف نتطرق كذلك إلى حدث الولادة ذاته، حيث نرى حتى الآن خلافًا كبيرًا عن أحسن الطرق وأكثرها جدوى وأكثرها صحة لولادة الأطفال، وهل استخدام العقاقير في حجرة الولادة وأثنائها مفيد أم لا وعن وجود الأب في حجرة الولادة أم لا، كل هذه التساؤلات سنرى الإجابة عنها في ثناي الصفحات التالية.
الحمل كأزمة:
إن رد فعل كل من الزوجين للحمل يعتمد في جوهره على عديد من العوامل منها هل الطفل القادم مرغوب فيه أم لا؟ ومنها كذلك مستوى نضج الأبوين الانفعالي والاجتماعي، وهل تربطهما علاقة حسنة طيبة أم لا؟ وكذلك علاقتهما بأبويهم، وهل لديهما الإحساس بالهوية وبارتباطهما مع الطفل؟ وهكذا بالإضافة إلى ذلك فإن ردود الفعل للحمل تكون في جوهرها انفعالية وليست عقلانية فقد نرى بعض الأزواج الذين يحاولونه ويخططون له قد نجدهم يصابون بخيبة الأمل عندما يحدث بالفعل، وأزواج آخرون يكون الحمل بالنسبة إليهم مفاجأة غير مرغوب فيها وقد يهتزون بالفعل لهذا الحدث.
وعمومًا فإن الأبوة تتضمن مرحلة جديدة من النمو، فعندما يصبح الزوج أبا وكذلك الزوجة أما، تقع عليهما مسئوليات جديدة وأعباء الأبوية التي لم يعهدوها سابقًا، ويجب أن يكيفوا أنفسهم لها كما أن الحمل بالنسبة للمرأة يعتبر علامة لنضجها الأنثوي وبالنسبة للذكور فإن الأبوة قد تكون انعكاسًا للرجولة والقوة، ومن جانب آخر يمكن أن ينظر إليها على أنها تعتبر علامة للخضوع الدائم فإنها نهاية الحرية والمغامرة، وبالنسبة لبعض الرجال نجد الجو المميز للحياة المنزلية والعائلية والتي يرمز إليها بوجود طفيف يمنحه الإشباع ويشعر بسعادة تجاهه. ولكن في بعض الأحيان نجد رجالا ينظرون إليه كعملية تهديد وتعويق لهم، ونجد عادة ما تنظر المرأة إلى الإخصاب والحمل كعلامة للأنوثة والإخصاب وجدير
بالذكر فعلى الرغم من وجود هذه الاتجاهات إلا أننا نجدها تتغير مع الحركة الدائمة المستمرة نحو المساواة في الحقوق بين الرجل والمرأة وكذلك بواسطة تحطيم المقولبات الصارمة المرتبطة بدور الجنس.
وبالنسبة للمرأة الحامل، خاصة أثناء حملها الأول، يمكن أن يلاحظ ثلاث تحولات اتجاهية متتالية من المشاعر والاتجاهات والمرتبطة بشهور الحمل، ففي بداية الحمل نجد المرأة تميل إلى التركيز على التغيرات التي طرأت على جسدها، فقد تتعجب أو تقلق على الصورة التي أصبح عليها جسدها، كما أن بعض التغيرات الجسمية كانتفاخ الثديين والغثيان والتعب كل صباح وبعض المأكولات غير العادية التي تحتاجها يوفر نوعًا من التمركز الذاتي لديها، كما أن أحاسيس الضعف والتعب والتهيجية والمزاج المتأرجح يميل إلى جعل المرأة تشعر أنها قد تغيرت في طرق لا يمكنها السيطرة عليها وازدياد التمركز الذاتي والتعب الجسمي الذي يحل بها قد يحعلها لا تحس بالسعادة مع زوجها حيث قد تشعر بأنه ليس لطيفًا أو مجاملا معها بصورة كافية.
ومن الناحية النفسية، فإن تخيلات الطفولة عن الحمل نجدها الآن حقيقة واقعة، ويصاحب ذلك شعورها بقدرتها على الخلق وأنها امرأة مهمة كاملة، وجزء من جميع المخططات الأسرية الكلية، وكما سنرى فيما بعد في فترة المراهقة عندما تصحب الفتاة ناضجة من الناحية الجنسية ويجب عليها أن تنمي وتطور مفهومًا جديدًا لذاتها، نجد نفس الشيء عندما تصبح المرأة حاملا خاصة أول مرة إذ يجب عليها أن تبدل مفهومها لذاتها وكذلك علاقتها بعالمها المحيط بها.
وفي المرحلة الثانية وبعد أن يتكون أعضاء الجنين، نجد المرأة تبدأ في أن تفكر بصورة أقل في نفسها، محولة ذلك بصورة أكبر إلى جنينها الذي يبدأ في التحرك داخل أحشائها، وفي بداية هذه المرحلة نجد تحركات الجنين عادة ما تكون خفيفة رقيقة، وفي أثناء هذه المرحلة فإن الحمل عادة ما يبدو ظاهرًا جليًا، ويستلزم منها التحول من ملابسها العادية إلى ملابس الأمومة، ونجد أن النساء اللاتي كن لديهن تصورًا عاليًا لمظهرهن وجاذبيتهن الجنسية قد ينظرن إلى عدم رشاقتهن وزيادة أوزانهن كشيء مروع مقلق، وتتخيل بعض النساء أن أزواجهن قد يتحولون عنهن إلى أخريات نتيجة لعدم جاذبيتهن، في حين نجد نساء أخريات يصبحن
مصدرًا للتوهج والإشراق أثناء هذه الفترة ويحصلن على متعة وإشباع نتيجة هذه الخاصية الأنثوية الجديدة.
كما أن إدراك المرأة بوجود حياة أخرى داخلها، يمكن أن يثير لديها أنواعا مختلفة من الصراع فمنذ أن تبدأ المرأة الحامل بالشعور بالجنين بداخلها، فقد تقرر كيف يجب أن تضحي من أجل وليدها، وجدير بالذكر فإن هذه الحاجة لا تعتبر بمثابة مشكلة بالنسبة للمرأة المعاصرة، حيث نجد معظم النساء العاملات غالبًا ما يعملن في وظائفهن حتى قرب ولادتهن، ويعدن بعد فترة تالية من الولادة إلى وظائفهن حتى قرب ولادتهن ويعدن بعد فترة تالية من الولادة إلى وظائفهن، حيث يمكنهن ترك وليدهن في أيدي أمينة تقوم بتقديم العناية والرعاية لأولادهن ويستلزم ذلك من الأم الكفاية حتى تستطيع أن تروض نفسها وتوفق بين مجريات وظيفتها ومطالب أمومتها وزوجها.
وأثناء المرحلة الثالثة والأخيرة نجد اتجاهات أم المستقبل تتغير مرة أخرى، فعلى الرغم من أنها أصبحت أضخم من حيث شكلها ومظهرها، إلا أنها أقل اهتماما بمظهرها، ويعتريها شوق زائد في انتهاء عملية الولادة.
وتشير "لويس" Lewis، A؛ "1950" إلى ذلك بقولها: "لقد كنت في الشهور الأولى من الحمل على إدراك ووعي كامل بذاتي، وأحسست بثلاثة مرحل تقريبًا لهذا الوعي بالذات الأولى عندما كنت أتساءل إن كان مظهري لافت للأنظار أم لا، ومن المستحسن أن لا يتحقق الناس بحملي وتركهم يعتقدون بأنني قد أصبحت أثمن قليلا، والمرحلة الثانية وهي أثناء الشهور الوسطى للحمل، حيث يكون جليًا واضحًا بأنك حامل، فإنك تسيرين في الشارع ولا تشعري بقلق ما، متحققة بأنه لا يوجد شيء خاف أو أسرار في حياتك، حيث إن فردا يمكنه ملاحظة ذلك بمجرد النظر إليك، كما أن هذا المظهر قد يزيد من الإحساس بالهوية الذاتية بأنك امرأة ناضجة تستطيعين الحمل والإنجاب، والمرحلة الثالثة تعتري المرأة عدم الاهتمام بمظهرها أو بنظرات من حولها، فالحادث قد أصبح من القرب حيث يجعلك تعيشين في المستقبل أكثر من الحاضر.
وتوجد جوانب سلبية معينة تصاحب هذه المرحلة الأخيرة من الحمل، ويرجع ذلك إلى زيادة حجم المرأة وكذلك إلى اعتبارات نفسية معينة أخرى، فكثير من النساء اللاتي كن يتسمن بالنشاط والحركة في
المراحل السابقة، يجب عليهن في هذه المرحلة أن يقللن من نشاطاتهن الجسمية، حيث أصبح ضرب الجنين الآن كضربات ثقيلة والتي تكون في بعض الأحيان مؤلمة، إذا ما قورنت بزفرات فراشة في بداية الحمل، وقد توقظ هذه الضربات الأم من نومها، كما أن التعب والإرهاق الذي تحس به في الصباح والغثيان يمهد الطريق للإمساك والبواسير والحاجة الملحة للتبول، كما تظهر لدى بعض النساء دوالي الأوردة، وتكون المرأة في بعض الأحيان غاضبة متعبة من الجنين عندما تصبح رفسات الجنين شديدة.
وبطبيعة الحال، فهناك يوم محدد يحدده الله عز وجل لميلاد طفل جديد، ومرة أخرى تجد الأم ينتابها أحساسيس متصارعة، فقد تكون قلقة لكونها قد أصبحت غير شيقة ولا تستطيع ارتداء ملابسها العادية، كما أن هناك تقييد لنشاطاتها، ومن جانب آخر فقد تخاف الأم مما سمعته وقرأته وشاهدته عن آلام وأخطار الولادة، وقد تحزن البعض عن تخليها عن هذا الاتحاد الفريد بينها وبين جنينها، إلا أن اجتياز هذه الأحاسيس والمشاعر بين أغلب النساء عادة ما يحدث بنهاية الحمل وأن تعود إلى ذاتها الطبيعية.
وبصورة جلية فإن ردود فعل الآباء قد يبدو ألا يكون لها علاقة بمراحل الحمل حيث إن استجاباتهم تتعلق في كيفية نظرتهم إلى مولد الطفل وارتباطه بذواتهم وزواجهم وعملهم وهكذا، كما أن الآباء لهم تأثير على الجنين داخل رحم الأم، فعن طريق توفير الجو الآمن من الناحية النفسية والاجتماعية، بالإضافة إلى توفير الغذاء اللازم للأم الحامل وتجنيبها التوترات والقلق النفسي، يسهم الآباء بالتالي في النمو السوي للجنين داخل رحم الأم، ففي إحدى الدراسات التي قام بها McCorkel، R؛ "1964" الأخصائي الاجتماعي، حيث قابل 29 طالبًا متزوجين بجامعة شمال كارولينا، وكانت زوجاتهم تتوقع أول مولود لهم، وقد وجد "ماك كوركل" ثلاثة أنماط من الاتجاهات سائدة بين هؤلاء الأزواج فيما يتعلق بالزواج والأبوة، ففي إحدى الجماعات كانت ذات توجه رومانتيكي تجاه دورهم الوشيك كآباء ومجموعة أخرى كان لديها ما يسمى بالتوجه العائلي، وفي المجموعة الثالثة كان لديها ما يسمى بالتوجه المهني Carrer Orientation نحو الأبوة، وعلى الرغم أن هذه التوجهات الثلاث كانت متغيرة وبارزة، إلا أن الباحث أشار إلى وجود تداخل بين هذه الأنماط الثلاثة، كما أنها تتغير كلما نضج الأب اجتماعيًا وانفعاليا.
فالآباء ذوو التوجه الرومانتيكي كانوا إلى حد ما يهولون بفكرة كونهم سيصبحون آباء، وكثير من هؤلاء الشباب كانوا يستمتعون في كونهم أبناء، وكما كان يشعرون ببعض من القلق والارتباك نحو مسئوليتهم الأبوية الجديدة، ولقد حدث لكثير من هؤلاء الشباب التدعيم عن طريق آبائهم أو بواسطة زوجاتهم، كما أن اعتمادية زوجاتهم وشيكة الحدوث قد جعلهم على دراية بدورهم الجديد كمعيل للأسرة، وبالتالي فإن الحمل قد يثير أزمات نمائية نضجية عند الآباء، والتي يجب على الأباء أن يغيروا من دورهم السابق كمراهق مبتهج خال من الهموم إلى دور الراشد المسئول، وتشير نتائج تلك الدراسة السابقة أنه بالنسبة لبعض من هؤلاء الأزواج فإن هذه العملية قد ارتبطت ببعض من الصراعات سواء مع آبائهم أو مع زوجاتهم.
وهؤلاء الأزواج ذوو التوجه الأسري قد تقبلوا بالفعل مسئولياتهم لإعالة زوجاتهم، وكان دور الأبوة بالنسبة لهؤلاء الأزواج من السهل واليسر أن يتخذ ويتبنى من كل منهم، حيث استلزم علاقة أكثر قربًا من زوجاتهم وقدر أكبر من التخطيط للطفل ولأجل مستقبل الطفل، وبعض الرجال قد بدءوا في ملاحظة أطفال آخرون متطلعين أن يكون أطفالهم متشابهين معهم.
والمجموعة الثالثة ذات التوجه المهني، غالبًا ما كانوا ينظرون إلى مجيء الطفل كعبء عليهم وتهديد لهم، وكانت مسئوليات الأبوية بالنسبة لهؤلاء الرجال تعني التخلي عن حريتهم بالإضافة إلى التخلي عن كثير من الأشياء المادية، ولقد نظر الكثير من هذه المجموعة إلى الطفل على أنه عقبة في سبيل مراكزهم المهنية، خائفون أن الطفل قد يعيق دراساتهم وبحوثهم، وأكثر من أي شيء آخر لم يكونوا راغبون في تغيير نمط حياتهم، كما أنهم لا يرغبون في تحمل المسئولية بالنسبة للوقت والتكاليف والرجال ذوو التوجه المهني قد أنكروا وتجاهلوا وجهة النظر التي تنادي بأن الأوبة سوق تغير مفهوم ذواتهم بأي طريقة من الطرق.
وبالتالي فإننا نستطيع أن ننظر إلى فترة الحمل، بأنها لا تعتبر فقط فترة نمو فرد جديد ولكنها كذلك فترة نمو ونضج للأم والأب معًا، ففترة الحمل تعتبر بمثابة أزمة للآباء ولها دلالتها مثل مرحلة المراهقة، إلا أن الاختلاف بينهما يتمركز في أن المراهقة تستلزم عملية الانفصال
والاستقلال عن الأبوين، إلا أن الأبوة من جانب آخر تجمع شمل الأب وطفله، ويتولى أدوار الأبوة فإن الشباب يعدون كذلك أنفسهم لاحتمالية العناية بآبائهم عند وصولهم إلى فترة الكهولة وبمعنى واقعي فإن الأبوة توحد الأجيال معًا