الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل السادس: الطفولة المبكرة "سنوات ما قبل المدرسة 2: 5
"
النمو الجسمي:
إن السنوات ما بين الثانية والخامسة -سنوات ما قبل المدرسة- أقل إثارة أو فجائية من فترة السنتين الأوليين من حياة الوليد البشري فيما يتعلق بالنمو الحركي، ولا يوجد في النمو الجسمي لأطفال ما قبل المدرسة شيء نستطيع مقارنته بالتغير أو الإثارة التي تحدث للرضع بصفة عامة، حيث نجدهم يجلسون ويقفون ويمشون لأول مرة، وليس معنى ذلك أن النمو الحركي أثناء سنوات ما قبل المدرسة يتوقف، ولكنه يتسم بالتدرج ويكون أكثر تنوعًا، وأكثر ارتباطا بنماذج معينة من الخبرة والتدريب إذا ما قورن بالنمو الذي يحدث للرضيع، وعلى نقيض النمو الحركي نجد النمو العقلي حيث تحدث تغييرات كبيرة أثناء فترة ما قبل المدرسة أكثر مما نجدها لدى الرضع، بالإضافة إلى وجود ثمة إشارات ذات أهمية من التعلم والإدراك والتفكير والتذكر واللغة.
النمو الجسمي والحركي:
نمو طفل ما قبل المدرسة في الوزن والطول أقل سرعة عما يكون عليه عندما يكون رضيعًا، ولكن نلاحظ استمرار الزيادة في الوزن والطول بصورة أسرع عما سيكون عليه الطفل في الطفولة المتوسط، ففي سن الثالثة يصل طول الطفل إلى ثلث طول الراشد تقريبًا، وعند سن الخامسة يكون متوسط الطول 40-42 بوصة، وهذا يعني أن الرضيع الذي انتهى في السنتين الأوليين من 20-21 بوصة في طوله ينمو بمعدل 7-8 بوصات كل عام ونجده فيما بين 2-5 سنوات يكون معدل الزيادة في الطول ما بين 3-4 بوصات كل عام، كما أن الوزن يصبح أقل وقد يتوقف لفترة في حالة الطفل النامي الثقيل والذي يصبح أطول وأكثر نحافة بدون أي زيادة في الوزن أثناء فترة ما قبل المدرسة.
وأحد الإنجازات الحركية الرئيسية لفترة سنوات ما قبل المدرسة تتمثل في تدريب التواليت Toilet Training، وعادة ما نجد تدريبات الإخراج تسبق تدريبات المثانة لأطفال هذه الفترة، وذلك لأنه من السهل للأطفال ضبط والتحكم في حركات الأمعاء أكثر من ضبطهم وتحكمهم في بولهم وعلى الرغم من أننا قد نجد الأطفال يكون هذا التتابع
معكوسًا لديهم، إلا أن الأغلبية تتحكم في الضبط الإخراجي قبل أن يتمكنوا من التبول خاصة التبول الليلي، وأغلب الأطفال يصلون تقريبًا إلى ضبط البول والإخراج في سن الثالثة، ولكن توجد فروق واسعة وتكون مرتبطة بنضج عضلات التحكم الشرجي والعضلة العاصرة لجنس الطفل، وكذلك لاتجاهات الوالدين فالأطفال عمومًا لا يمكنهم اجتياز تدريبات التواليت إلا بعد أن يكونوا من الناحية الجسمية قادرين على ضبط التحكم في التبول وكذلك التحكم في عضلات الأمعاء والبنات تصل إلى ضبط تدريب التواليت مبكرين عن الذكور، في حين نجد الذكور أميل إلى الاستمرار في التبول الليلي لمدة أطول من البنات، وعمومًا فإن كلا من الذكور والإناث في سنوات ما قبل المدرسة لا يكون لهم إلا أحوال قليلة لعملية التبول اللاإرادي.
وكثير من الأولاد والبنات يدربون أنفسهم بالإشارة إلى والديهما متى يحتاجون الذهاب إلى دورة المياه، وبالنسبة لأطفال آخرين، نجد سن تدريب التواليت يعتمد على الوقت الذي يبدأ فيه الوالدين تدريب أطفالهم وكيفية، ممارستهم لذلك، ويتم ذلك بأخذ الطفل إلى التواليت في فترات منتظمة، أو في الوقت الذي يبدو أنه في حاجة إلى ذلك، ويشير Baler؛ "1975" أن الأطفال الذين يستمرون في بلّ اسرتهم أو اتساخ ملابسهم في فترة الطفولة الوسطى فإننا نجدهم يعانون من تأخر النمو في الجهاز العضلي أو من مشكلات انفعالية معينة أو من مزيج من الظاهرتين السابقتين، ويجب أن يناقش آباء هذه الحالات تلك المشكلة مع طبيبهم الخاص أو مع أخصائي في الصحة النفسية لتدارك هذا النمو غير السوي.
ونمو طفل ما قبل المدرسة يكون واضحًا وظاهرًا في جوانب أخرى كذلك، فإن معظم أطفال العامين يمكنهم أن يطعموا أنفسهم إلى حد ما، وفي سن الثالثة تقريبًا يمكنهم استخدام المعالق والشوك ببعض الإتقان.
ولكن استخدام السكين لقطع اللحوم أو قطع الزبدة تتطلب اتساق أكبر، ولا يتقنون ذلك إلا بعد سنوات قادمة، وفي سن الثالثة نجد كثيرًا من الأطفال يمكنهم خلع ملابسهم بأنفسهم إلى حد ما، وفي سن الرابعة يستطيع الكثير منهم أن يرتدي بصورة جزئية ملابسه، ويتضمن ذلك استخدام الزراير والسوستة كما أن القدرة على لبس الأحذية وربط رباط الأحذية عادة لا تتم إلا في سن الخامسة أو السادسة. "جيزل" Gesell؛ "1940". وعلى الرغم من أن الأطفال قد تعلموا في هذا السن الإمساك
بالشوك والملاعق والسكاكين بطريقة مقبولة اجتماعيًا إلا أن هذه الأدوات يجب أن لا تعطى لهم إلا بعد تمكنهم من قدرة حركية مناسبة لكي يستخدموها ويكون ذلك في سن السادسة أو السابعة تقريبًا، ويجب أن يكون الآباء متسمون بالصبر مع أطفالهم عند استخدامهم المعالق والشوك والسكاكين استخدامات غير ماهرة أو غير ملائمة.
ومن بين الإنجازات الحركية الكبيرة لفترة ما قبل المدرسة، التوازن والتسلق وقذف الكرة، وفيما يتعلق بالاتزان نجد معظم أطفال الثالثة يمكنهم المشي بطريقة مستقيمة مقبولة على الأرض، إلا أنهم لا يمكنهم السير في ممر دائري حتى سن الرابعة أو الخامسة، ولا يستطيعون كذلك الوقوف على قدم واحدة وأيديهم على صدورهم لمدة ثوان قليلة إلا بعد وصولهم إلى الخامسة من العمر تقريبًا، ويبدو أن البنات أحسن من الأولاد في هذه العملية حيث يمكنهم الوقوف لمدة أطول في الوضع سابق الذكر.
كما أن لعب عارضة الاتزان يظهر تقدمًا تدريجيًا مع تقدم السن، فأطفال العاملين يمكنهم إجراء محاولة الوقوف على العارضة والأطفال الأكبر قليلا يحاولون المشي على المعارضة وأطفال الثالثة عمومًا يمكنهم أن يبدلون أقدامهم ويتحركون على ممر طوله 7.5 متر وعندما يصل الأطفال إلى 4.5 سنة يمكنهم السير باتزان على العارضة وبسرعة وبدون تردد. Keogh؛ "1965".
أما التسلق، يحدث كذلك نموا مطردًا لدى الأطفال فيه متضمنا العوامل الانفعالية بالإضافة إلى العوامل الحركية، فأحد العناصر الأساسية في كل من الاتزان والتزحلق هو الخوف من السقوط، وعادة ما يلاحظ التزحلق لدى الأطفال الذين يحاولون التقدم ببطئ على أعلى سلالم أو درج سهل، وبمجرد أن يبدأ الأطفال المشي يمكنهم صعد الدرج إلى أعلى ولكن دون تناوب أو تعاقب القدم، وعندما يصل الطفل إلى 4.5 سنة عادة ما يمكنه أن يناوب بين الخطوات وعادة ما نجد الأطفال الصغار لا يحاولون النزول أسفل بمفردهم، كما أن قدرة الأطفال فيما بين 2-5 سنوات على الرمي تتقدم بطريقة مماثلة.
ونشاطات اللعب في تلك الفترة تعكس كذلك نضج أطفال ما قبل
المدرسة في قدراتهم الحركية، ففي الملعب يمكنهم الصعود والهبوط من على الكتل أو الألواح المتزحلقة، ويمكنهم الجلوس فوق المرجيحة ويدفعون بأنفسهم إلى أسفل، ويمكنهم استخدام بعض الأدوات خارج المنزل كركوب المزالج التي تشد إلى نعال أحذيتم والدحرجة بها، وركوب الدراجة يكون شائعًا بين أطفال ما قبل المدرسة إلا أن ركوب الدراجة ذات العجلتين يكون أصعب ولا يحدث ذلك إلا في سن الخامسة أو السادسة تقريبًا، ومرة أخرى نجد الأطفال قد يخافون من ركوب الدراجة ذات العجلتين بسبب احتمالات سقوطهم على الأرض، وهذا الخوف قد يكون عائقًا كبيرًا لبعض الأطفال كما هو الحال في عارضة الاتزان.
أما اللعب الحركي البسيط، فإن أطفال ما قبل المدرسة يمكنهم أداؤه، كالإمساك بالفرشاة ورسم الخطوط، والدوائر، وقطع الأوراق وعمل بعض الأشكال أو الملصقات كما يمكنهم التلوين بواسطة الأقلام والطباشير الملون، وبمجرد تعلمهم كيفية مسك الأقلام والطباشير الملون فإنهم يبدءون في الرسم بصورة عفوية تلقائية، وتظهر هذه الرسوم تقدمًا تدريجيًا مرتبطًا بأعمارهم الزمنية، وعادة ما يبدأ أطفال هذه الفترة ما يسمى بالشخبطة المتعجلة، ويتقدمون من ذلك إلى المرحلة المسماة بمرحلة الشخبطة Scirbble Stage.
وبعد انتهاء مرحلة الشخبطة أو الرسم بعجلة وبدون عناية، تأتي مرحلة أخرى وهي الشخبطة المضبوطة Controlled Scribble Stage والتي نجد الأطفال يعملون رسومًا "خربشة" في اتجاه مرغوب فيه مثل الدوائر أو الأشكال المائلة المنحرفة، وما بين 4-7 سنوات نجد الأطفال يحاولون تقديم بعض الأشياء التي يرونها فيما يسمى بالرسوم التخطيطية القبيلية Preschematic، وعادة ما يبدأ الأطفال برسم الرأس وبعد ذلك يحاولون وضع العينين والأنف والفم ولكن ليست بالضرورة في أمكانها الصحيحة، وفي المرحلة التالية وهي المرحلة التخطيطية Schematic Stage والتي قد تظهر في الخامسة نجد الأطفال يقدمون الملامح الإنسانية الكاملة، وعادة ما يكون هذا الرسم لأنفسهم أو لأبيهم أو لأمهم Lambert؛ "1970" ولكي نشجع نمو هذه المهارات الحركية فيجب على الآباء توفير الأقلام الملونة والأوراق حتى يجرب الأطفال فيها، بالإضافة إلى المكان المناسب والملابس الملائمة لذلك النشاط، كما يجب أن يتحاشى الآباء أن يفرضوا على الأطفال ما يرسمون، ويسألوا الأطفال ما قد يرسمونه أو
رسموه بالفعل.
ويجب أن نشير أن كلا من نشاطات لعب طفل ما قبل المدرسة والمهارات الحركية كلاهما يكتسب خلال هذه الفترة وتستخدم بصورة متزايدة لأغراض وأهداف اجتماعية وواقعية، على نقيض الأطفال الصغار الذين يندمجون في مهارات لعب تكرارية ينمون خلالها اتساقًا حركيا بسيطًا، إلا أن أطفال ما قبل المدرسة يميلون إلى توجيه لعبهم الحركي لبعض الأهداف العامة البعيدة وعلى الرغم من أطفال ما قبل المدرسة أحيانًا يجرون ويغنون ويرقصون بحماسة وحيوية، إلا أن ذلك غالبًا ما يحدث كجزء من مباراة معينة، فنجدهم يبنون المربعات أو الكتل الخشبية لعمل مرآب "جراج" ويلبسون دماهم كجزء من أجزاء لعبة ما، وتشير إلى ذلك ماريا منتسوري M. Montessori يعتبر اللعب بمثابة الشغل الشاغل للطفل الصغير، ولكنه يمكن أن يكون في بعض الأحيان بسيطًا لعرض الفكاهة وكذلك للتعبير الشخصي وبالتالي لا يكون دائمًا موجهًا للتكيف الاجتماعي.
وعلى الرغم من أن السيكولوجيين يتفقون حول التفاصيل الوصفية للنمو الحركي، كما يبدو في نشاطات متعددة كالتحرك، والتنقل واللعب إلا أنهم يختلفون في كيفية اكتساب هذه النماذج الحركية، فلقد أشار بعض الباحثين إلى أن الأطفال ينمون الحركات التي تتسم بالمهارة عن طريق اكتساب معلومات وبيانات تلك النشاطات، وهذا يعني أن الطفل يجب أن يجرب حركة عارضة الاتزان مثلا، ويصححها تبعًا للتغذية الراجعة التي يتلقاها من قدميه، وعلى ذلك وفقًا لوجهة النظر هذه فإن الأفعال الماهرة، تصبح أكثر اقتصادية وأقل تغيرًا كلما خطا الطفل في مدارج النمو، ويشير باحثون آخرون أن اكتساب نماذج الأفعال الماهرة يعزى في مثير منه إلى الواجب ذاته بالإضافة إلى المعلومات والبيانات التي يمتلكها الطفل، وتبعًا لوجهة النظر هذه نجد الطفل يبني رد فعل معياري لمثيرات معينة والتي ينوعها لتتفق مع المواقف الجديدة، فمثلا يحاول الطفل في عارضة الاتزان نفس خطوات المشي والتي عادة ما يستخدمها على الأرض ولكن مع ازدياد تحكمه وتوازنه لكي تتناسب مع موقف المثير الجديد ونظرية المعيار البنائي Construction Standard هذه تشير إلى أن الطفل يبني مخططات معيارية لأنماط متنوعة من المهارات الحركية، كما أن المهارات الحركية الجديدة تكتسب عن طريق تعديل المهارات الحركية القديمة Keogh؛ "1971".