الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفيما يتعلق بحاسة التذوق فالرضيع يولد ببراعم للتذوق كاملة على اللسان، مرتبطة ارتباطًا كاملا مع المخ. ومنذ الميلاد نجد الرضيع لا يستطيع التمييز بين الحامض والمالح والسكر، إلا أنه بعدما يقرب من شهرين أو ثلاثة نرى تفضيلات الرضيع التذوقية تكون قد نضجت بصورة عالية، ويمكن أن يشير إلينا إن كان اللبن قد تغير في تركيبه، أو كمية الكربوهيدرات المحتوية فيه، بالإضافة إلى أن الرضع في هذه السن يظهرون أحيانا كراهيتهم لمذاقات معينة عن طريق إرجاع الأطعمة من أفواههم.
والشم يتطور في صورة مبكرة ويشير Rovee إلى ذلك أن التمييز الشمعي للأطفال الرضع ينمو بسرعة بعد الميلاد، ففي إحدى دراساته وجد أن الرضع يستجيبون استجابة تمييزية لخمسة أنواع كحولية معينة وذلك كما قيس بواسطة نشاطهم الحركي العام، فالجزئيات الأكثر كربونية في الكحول كانت أكثر فعالية واستمرارًا في حركات الرضيع. ويستطرد أنه مع الازدياد في العمر تطرأ تغيرات بسيطة في الحاسة الحاسية نحو الروائح.
ويشير كذلك أنه يبدو أن الشم ليس فقط أحد الحواس المبكرة التي تنمو، ولكنها بالإضافة واحدة من الحواس التي تضعف مع تقدم العمر الزمني للوليد الإنساني.
رابعًا: اللغة
اللغة تشبه العلم والرياضيات، حيث أن كليهما نتاج جمعي وإنجاز أو مآثرة فردية. فاللغة كنتاج جمعي تتكون من آلاف الكلمات والمعاني والتي نمت وتطورت عبر الزمان بواسطة جماعة اجتماعية معينة، وجدير بالذكر أن الفرد بمفرده لا يستطيع ابتكار لغة كاملة، أو يمكنه تعلم كل الأشياء التي يجب أن يعرفها عن لغة معينة، ومع ذلك فإن أعضاء جماعة معينة يتعلمون لغة تلك الجماعة، وكيفية استخدامها كوسيلة مؤثرة للتكيف الاجتماعي وسنناقش في ثنايا الصفحات التالية كيفية اكتساب الفرد للغة أما اللغة كنتاج اجتماعي فلها مجال آخر.
وعلماء علم نفس النمو قد استمروا في اهتماماتهم ودراساتهم في كيفية اكتساب الأطفال اللغة وتركزت هذه الدراسات على وصف كيفية
وسببية الاكتساب اللغوي. وجدير بالذكر فإن هذين الجانبين يرتبطان بصورة كبيرة وذلك يرجع إلى أن الطريقة التي يصف بها الباحث نمو اللغة تعتمد جزئيًا على كيفية تفسيره لها. والحقيقة يمكن اعتبار تاريخ دراسات النمو اللغوي كنتائج أو اتجاهات للمفاهيم التي تملي التفاعل بين عمليتي الوصف والتفسير.
ففي المرحلة الأولى لدراسة النمو اللغوي قد افترض أن الأطفال يتعلمون بصورة أساسية عن طريق تقليد ومحاكاة كلام الكبار من حولهم ولذلك ركزت الدراسات الوصفية للغة لمارثي McCarthy؛ "1954" على العمر الزمني والتتابع الذي يتعلم به الأطفال أجزاء الكلام وبناء الجملة.
فقد وجد على سبيل المثال أنهم يتعلمون الأسماء قبل تعلمهم الضمائر، ويتعلمون الأفعال والصفات قبل تعلمهم الأحوال والظروف، ويتعلمون حروف الجر وحروف العطف في النهاية، ولوحظ كذلك وبطريقة مماثلة أنهم يتمكنون من تكلم الجمل البسيطة قبل الجمل المركبة، وهكذا.
والمرحلة الثانية في دراسة لغة الأطفال كانت في أواخر الخمسينيات وذلك بظهور نظرية كومسكي Chomsky في قواعد النحو والصرف المعمم، وأشار أن الجمل عادة ما تصنف بصورة مختلفة كما يلي.
هل الطفل أكل التفاحة؟ "استفهامية".
أكل الطفل التفاحة. "تقريرية".
يا ولد! كل التفاحة. "أمرية"
أكل الولد التفاحة بأكملها! "تعجبية"
وهذه الجمل متشابهة وبصورة كبيرة مع الجمل والتي عادة ما تصنف بطريقة مماثلة مثل.
الطفل عند الحيوان. "تقريرية".
جرى الكلب إلى المنزل. "تقريرية".
البنت كانت مريضة. "تقريرية".
المنزل كان باردًا. "تقريرية".
ويشير كومسكي بأنه على الرغم من أن الجمل الأولى ذات بناءات خارجية أو مظهرية Surface Stuructures مختلفة لأنها تعكس أنماط جمل متباينة فإنها بالإضافة ذات بناء ذي عمق معين حيث نجدها تقدم اختلافات لنفس المعلومات الأساسية، إلا أن الجمل في البناءات الثانية لها بناء مظهري عام إلا أنها ذات عمق بنائي مختلف، والذي أضافه كومسكي يتمركز في ربطه قواعد النحو والصرف "والتي كانت تقليديًا صورة من نظام فارغ" بالمعنى وبدلالة اللفظ، حيث أشار إلى أن البناءات العميقة للغة تتضمن مجموعة من القواعد لتنظيم مقدار محدد من المعلومات في طرق مختلفة لتوصل معاني مختلفة، فبالإضافة إلى ربطه القواعد اللغوية بالمعنى نجده اقترح نظرية جديدة في الاكتساب اللغوي لم تكن ذات جدوى في تعلم الكلمات فقط، ولكنها بالإضافة كانت ذات أثر في تعلم قواعد البناءات اللغوية العميقة لوضع الكلمات سويًا وكذلك لتصنيف واستخراج المعاني.
وعمومًا فإن إسهامات كل من كومسكي وهاريس Harris تعتبر مؤشرًا للمرحلة الثانية في دراسات نمو اللغة عند الطفل، وتلي ذلك مجهودات لوصف قواعد الصرف والنحو مؤداها أن الأطفال ينمون لغويا كلما تدرجوا في مدارج نضجهم، ويتضمن ذلك ما يسمى بالنحو المحوري Pivot Grammar حيث يستخدم فيها الطفل كلمة واحدة مع كلمات أخرى متنوعة مثال ماما فوق، ماما أكل
…
وهكذا. فالطفل قد يستخدم كلمة واحدة مع عدد من الكلمات الأخرى لكي يدل أو يعبر عن معاني مختلفة وعلاقات نحوية، فالجملة "ماما فوق" تعكس علاقة فعل بفاعل، في حين أن "ماما نقود أو فلوس" تعكس علاقات اقتناء المقتني.
ولقد حول الانتباه إلى أعمال "بياجيه""1970" وإلى وجهة نظره التي مؤداها أن اللغة تتضمن مجموعة من القواعد أو المبادئ التوليدية Generative بالإضافة إلى أنها تشتق من أفعال الطفل الخاصة، وكذلك من تصوراته العقلية، وحاولت كثير من الدراسات في هذا الميدان فيما بعد أن تربط النمو اللغوي بالنمو المعرفي، كما يوجد تأكيد في الوقت الحاضر على المضمون اللغوي الكلي لملكة الكلام عند الطفل أو على تعبير الطفل ونطقه على صيغة أو محتوى تعبيره أو كلامه.
وعموما، فقد جمعت بيانات كثيرة وضخمة في كيفية تعلم الأطفال الكلام، وسوف نرى سويا مراحل التعبير ونمو اللغة المعبرة Receptive بالإضافة إلى الدراسات المعاصرة التي ربطت النمو اللغوي للأطفال بنمو المفاهيم أو التصورات العقلية.