الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ويرتبط النمو الإدراكي كذلك بنمو القدرة اللغوية فبالنسبة لأطفال سن الرابعة، والذين يتلفظون بصورة نشطة أسماء الأشكال يساعدهم على استدعائهما بطريقة أفضل إذا ما قورنت في حالة سماعها من شخص آخر، ومع ذلك فإن سماع الأسماء من شخص آخر يسهل عملية الاستدعاء إلى حد كبير إذا ما قورنت بعدم سماع الأسماء على الإطلاق وعمومًا فإن الطفل الذي يبلغ الرابعة من عمره عندما يقول الكلمة، فإن ذلك يحرك انتباهه إلى مدى أكبر من مجرد سماع الكلمة تقال بواسطة أي شخص آخر.
واللغة قد تكون مفيدة للأطفال الصغر في إجراء تمييزات إدراكية ويرجع ذلك لصعوبة تركيز انتباههم بصورة انتقائية، والأطفال الأكبر سنًّا أميل من الصغار لاستخدام الانتباه الانتقائي وتجاهل الخصائص الإدراكية الثانوية والتي لا تكون مرتبطة أو ذات صلة بالعمل المعطي. واللغة كما أشرنا يبدو أنها تفيد الأطفال الصغار في جذب الانتباه إلى المثيرات وثيقة لصلة أو المرتبطة بالموضوع وبالتالي يتحاشوا الاضطراب أو اللهو، ويجب أن نشير في هذا المقام أن نصح أو تذكير الآباء لأطفالهم بقولهم:"انظر أو انتبه ماذا تفعل"؟ تحتاج هذه العبارة إلى أن تكون أكثر تحديدًا حتى تكون ذات تأثير، فالأحسن للآباء أن يقولوا:"لاحظ أعلى الكوب عندما تسكب العصير فيه".
التذكر:
كيف يتذكر الأطفال الصغار ما يرونه؟ وما يسمعونه؟ والإجابة عن هذا السؤال ليست سهلة، حيث تعتمد في جزء منها على نوعية المادة التي تستدعي "لفظية أو مصورة" وتعتمد كذلك على نوعية التذكير، هل هو تذكرا قصير المدى Short Term Memory "كاستدعاء رقم تليفون معين نظرات إليه وقتًا كافيًا"، أم تذكر بعيد المدى Ory Long Term Mem "كاستدعائك رقم تليفونك أو عنوان مسكنك". وعمومًا فإن تذكر الأطفال يعتمد كذلك على مستوى نموهم. ومعدل قدراتهم المعرفية وأنظمة ترتيب سلوكهم.
ويشير براون Brown وآخر "1972" أنه إذا افترض أن طفلًا يتذكر موضوعًا معينًا فهل من الأفضل أن نقدم له الموضوع نفسه، أو اسم هذا الموضوع، أو الاسم والموضوع معًا؟ وبمعنى آخر. هل يحتفظ الأطفال
بالخبرات المرئية أم الخبرات اللفظية أم ببعض من الاتحاد بين كليهما؟ وعمومًا فإن قدرة أطفال ما قبل المدرسة تميل إلى أن تكون غير عادية، وتفوق بصورة كبيرة تذكرهم لأسماء الأشياء والموضوعات.
ففي إحدى الدراسات التي تؤيد الحقيقة السابقة، أجرى برلموتر Perlmutte وما يرز 1974 Mayers دراسة حيث عرض فيها أشكال وصور لأطفال في سن الرابعة، وأشارت النتائج أن 93% من أطفال الرابعة تمكنوا من استدعاء 16 شكلًا قدمت إليهم عن طريق الرؤية. إلا أن الذين استطاعوا استدعاء هذه الأشكال لفظيًّا لا يتجاوزون 71% فقط. وهذا يعني أن تذكر الأطفال للصور والأشكال تكون أحسن من تذكرهم الأسماء. وقبل ذلك أشرنا إلى أن قدرة الأطفال التعرف على قوائم الصور والكلمات غير المترابطة، ولكن ماذا يكون الحال بالنسبة للمادة النثرية الأكثر تركيبًا وتعقيدًا؟ هل يستدعي الأطفال الصغار كمية من الأفكار أكثر من صفحة نثرية، تكون الأفكار مرتبطة فيها، بصورة أفضل من تذكرهم لأفكار صفحة نثرية أخرى تكون فيه الأفكار غير مترابطة بعضها بالبعض الآخر.
وتشير نتائج الدراسات أن الأطفال الصغار فيما قبل سن المدرسة تمكنوا من استدعاء الموضوع المترابط بصورة أفضل مما فعلوه مع الموضوعات غير المترابطة. وفي هذا الميدان نجد أداء الأطفال الصغار يشبه أداء الأطفال الكبار والراشدين، والاختلاف الوحيد بينهما أن الأطفال الصغار لم يتمكنوا من استدعاء كمية كبيرة من المواد أو الموضوعات.
ويعن علينا تساؤل الآن، "كيف يتذكر الأطفال الصغار الأشياء والموضوعات المختلفة؟ وكيف يتذكرون قائمة من الكلمات أو صفحة نثرية أو سلاسل من الصور؟ وعمومًا فإنهم لا يملكون استراتيجيات لتذكر المواد كما نجد عند البالغين فالأطفال الكبار والراشدين مثلًا غالبًا ما يربطون العناصر الفردية إلى فئة أو صنف أكثر عمومية "فالقط والكلب والبقرة جميعها حيوانات، وبالتالي يمكن استدعاؤهم بسهولة عن طريق التفكير في صنف أو فئة أكبر" إلا أن الأطفال ما قبل المدرسة لا يكون الحال لديهم كما سبق حيث لا يملكون ثمة مهارات فئوية أو تصنيفية عامة، وعلى ذلك فإنهم قد يضعون الكلب والقطة معًا وليس معهما البقرة. وذلك لأن كل
من الكلب والقطة يعض، ويظل هذا الحال عند الأطفال الصغار حتى سن السادسة أو السابعة تقريبًا، حيث يتمكن الأطفال في هذه السن من عمل أشياء أو مواد مجتمعة حتى يمكن تذكرها تبعًا لأصنافهم أو فئات موضوعاتها.
ومع ذلك، فالأطفال يكون لديهم بعض الطرق والوسائل القليلة لتذكر المواد والموضوعات، إلا أنها تكون محدودة جدًّا وتتصف بالبدائية إذا ما قورنت بالاستراتيجيات الفئوية التي يستخدمونها فيما بعد، فمثلًا عندما يطلب من طفل الثالثة تذكر أين اختفت الدمية فإنه عادة ما ينظر إلى المكان الذي توضع فيه الدمية، ومثله في ذلك مثل طفل العامين، وبالنسبة للأطفال ما بين 3، 5 سنوات فعند سؤالهم تذكر أين وضعت الدمية؟ نجد ذلك يساعدهم إلى توجيه انتباههم لمثيرات ذات علاقة ومرتبطة بالدمية، على الرغم من عدم تمكنهم حتى الآن استخدام استرايجيات تصنيفية فئوية.
ناقشنا فيما سبق التذكر قصير المدى، أي انقضاء دقائق قليلة بين تقدم المادة واستدعائها أو التعرف عليها، ولكن ماذا عن استدعاء الطفل الصغير لأحداث انقضى عليها فترة طويلة من الوقت؟ ويشير كل من بياجيه وانهلدر 1968 Piager& Lnhelder إلى بعض الحقائق المثيرة في هذا الموضوع، ولكنه عملية نشطة، كما أن الخبرة الأصلية يمكن أن تجتاز كثير من التحولات قبل أن تستدعى. بالتالي فإن ما يتذكره الطفل قد لا يشبه بدقة الخبرة الأصلية.
ومفهوم الذاكرة كعملية نشطة، ليست مفهومًا جديًّا، إذ أشار إليه فردرش بارتليت F. Bartlett وفرويد، في أن المواد التي تخزن في الذاكرة تخضع لتحولات تلقائية، وفي ذلك يشير بارتيت أنه في حالة استدعاء الحالات لقصص معينة عادة ما يزيدون من توضيح بعض الأجزاء ويختصرون ويوجزون في أجزاء أخرى. وأشار فرويد أن كثيرًا من الذكريات التي استدعاها مرضاه كانت مجرد اختلافات وتلفيقات تبنى بصورة لا شعورية لإبهام وإخفاء الأحداث المؤلمة.
وجدير بالذكر أن ما أضافه كل من بياجيه وانهلدر للوصف السابق لتحولات الذاكرة يعتبر بمثابة بعدًا نمائيًّا، ففي سلسلة من دراساتهما أشارا أن تذكر الأطفال يبرز تغيرًا لنمو قدراتهم العقلية في التعامل مع العلاقات الكمية، ففي إحدى الدراسات عرض على أطفال من الرابعة إلى السادسة من العمر مجموعة من العصي ذات أطوال مختلفة ورتبت من الأصغر إلى الأطول
…
وسئل الأطفال أن ينسخوا أو يقلدوا عمل هذه السلسلة من العصي، وبعد ذلك كلفوا برسم هذا النموذج من الذاكرة بعد رؤيتها مباشرة، وكررت هذه التجربة بعد ستة أشهر بعد ذلك.
وأشارت النتائج أن أطفال سن الرابعة كانت لديهم صعوبة في نسخ نموذج السلاسل وفي تذكرها، وعادة ما كانوا يرسمون أزواجًا من العصي واحدة فيها أكبر من الأخرى، وأطفال الخامسة والسادسة كانوا أكثر دقة مما كان عليه أطفال الرابعة، وعادة ما كانوا يجرون نسخًا صحيحًا للنموذج ونتيجة ذلك كانت لافتة للنظر في هذه التجربة وهي عندما سؤال أطفال الرابعة أن يرسموا نموذج السلاسل بعد ستة أشهر من إجراء التجربة الأولى، أظهروا تحسنًا ملحوظًا وذو دلالة على رسومهم الأولى، ويعلق بياجيه وانهلدر على ذلك بقولهما، أن تذكر هؤلاء الأطفال لنماذج السلاسل قد تحول في انسجام ومطابقة مع قدرتهم النامية لترتيب عصي مختلفة الأحجام في هيئة سلسلة وجدير بالذكر أن هذه النتائج دعمت بنتائج دراسات أخرى عديدة.
جملة القول أن كل من بياجيه وانهلدر قد أمدونا بدليل جديد للنظر إلى التذكر على أنه بمثابة عملية فعالة نشطة وليس عملية سلبية، ومن جانب آخر وجدنا كل من ارتيت وفرويد يشيران أن نشاط الذاكرة يعتبر عملية محرفة مشوهة بصورة أساسية، إلا أن كل من بياجيه وانهلدر يشيران بأنه ليس بالضرورة أن يكون التذكر على هذا النمط، فبالنسبة للأطفال الناميين فإن تذكر الخبرات السابقة يتحسن بتقدم العمر وكلما أعاد الطفل بناء هذه الذكريات مع عمليات عقلية ومفاهيم أكثر نضجًا.
وفيما يتعلق بتذكر الراشدين لخبرات الطفولة المبكرة، فإن معظم الراشدين لا يمكنهم تذكر هذه الفترة من حياتهم بصورةكاملة، فقد يكون لدينا بعض من الذكريات اللافتة للنظر عن هذه الفترة، وبعض من الحدس الغامض إلا أنها تكون شاحبة وغير واضحة بصورة كاملة. وقد يرجع سبب ذلك إلى النضج العقلي، فالذكريات تخزن في إطار زماني ومكاني معين، فعندما نسأل شخص ما أين كنت الليلة الماضية؟ فإننا نسأل عن الزمان والمكان. وعلى ذلك يمدنا بدليل للبحث عن ذاكرة معينة أو تذكر فرد معين، إلا أن الأطفال الصغار عادة ما نجد لديهم مفاهيم غامضة للزمان والمكان وبالتالي لا يمكنهم تخزين هذه الذكريات في إطار نظامي.