الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يجدر الإشارة إليه نجد الآن اختفاء التحديدات الصارمة لدور الجنس لتزايد عدد النساء اللاتي يعملن خارج المنزل لإثبات ذواتهن والانتفاع بقدراتهن بالإضافة إلى كسبهن المادي، وبالتالي فقد نظر إلى العناية بالطفل على أنها مسئولية مشتركة يتقاسم فيها كل من الأب والأم.
ودور الأم يأتي في المقام الأول، حيث نجد ارتباطات الأطفال الأولى تتكون مع أمهاتهم وتبقي بصورة عامة الشخص الأكثر أهمية في حياتهم طوال سنوات ما قبل المدرسة، وكثيرًا ما نجد الأمهات يرجئن البحث عن عمل، أو يعملن جزءًا من الوقت فقط حتى يصل أطفالهن إلى سن المدرسة، وقد يوقفن العمل كلية في حالة المولود الجديد، وعلى ذلك فإن الأطفال الصغار عادة ما يقضون الوقت الأطول مع أمهاتهم أكثر من أي شخص آخر، كما أن سلوك الأم يكون مؤثرًا فعالا على شخصيتهم ونموهم الاجتماعي، ومع ذلك فإننا نجد أثناء سنوات ما قبل المدرسة أن الأم تبدأ بصورة متزايدة في تقاسم التأثير على الطفل مع الأب وإخوته وأقرانه.
دور الأب:
تشير نتائج دراسات كل من برلنجهام Burlingham؛ "1973"، وشافر وأميرسون Schaffer & Emerson؛ "1964" أن الأب قد يأخذ كثيرًا من مسئوليات العناية بالطفل، خاصة في إطعامهم، وغالبًا ما يكون للأطفال الصغار ارتباطات مبكرة مع آبائهم بالإضافة إلى أمهاتهم، وفي أثناء سنوات ما قبل المدرسة نجد أغلب الرجال مشاركين نشطين في حياة أطفالهم، فالطفل الرضيع عادة ما يؤخذ على غرة عندما يريد الأب ترك المنزل والذهاب إلى العمل، وبالتالي يصيح ويبكي، وقد يكون نائمًا أثناء عودة الأب من عمله مساء، إلا أن أطفال ما قبل المدرسة عادة ما يكونون مستيقظين في أوقات عودة آبائهم من أعمالهم كما أن لديهم فرص أكبر للتفاعل مع آبائهم بسبب نضجهم، مثل الجلوس مع الأسرة في أوقات تناول الطعام، واللعب سويًا، والاشترك في محادثات مختلفة، كما نجد أطفال ما قبل المدرسة أكثر ميلا إلى الرحلات والمناسبات الأخرى التي يوفرها الآباء لأطفالهم كالركوب على الظهر والأكتاف والرحلات إلى حديقة الحيوان أو السيرك، أو تصليح اللعب أو الدمى التالفة وما إلى ذلك.
وتشير نتائج دراسة لين وكروس Lynn & Cross؛ "1974" إلى اهتمام أطفال ما قبل المدرسة بآبائهم، وعلى الرغم من أنها دراسة بسيطة إلا أنها ذات مغزى كبير حيث سألوا عددًا كبيرًا من الأطفال تتراوح أعمارهم ما بين 2-4 سنوات عما يودون مشاركته في عديد من الألعاب الأم أو الأب، وأشارت النتائج أن أطفال سن 2، 3، 4 أعطوا تفضيلا واضحًا لمشاركة اللعب مع آبائهم ولدى الإناث لوحظ أن الآباء كان تفضيلهم أكبر لدى بنات من الثانية، إلا أن بنات 3 سنوات أشارت إلى تفضيل أقل في اللعب مع آبائهم وفي سن 4 سنوات فإنهن فضلن بصورة واضحة اللعب مع أمهاتهن، وميل الفتيات في هذه الدراسة يعكس ميلهن إلى التطابق والتماثل مع الأب من نفس الجنس كلما تدرجوا نحو الطفولة الوسطى، وسوف نتأمل هذا الموضوع في نهاية هذا الفصل.
وأطفال ما قبل المدرسة عندما يزيدون من تفاعلاتهم مع آبائهم وأمهاتهم، ويشير ذلك إلى شعورهم بامتلاك شخصين للعناية والاهتمام بهم وليس شخصًا واحدًا، ففي حين وجدنا الرضيع يبحث عن جذب انتباه الأم فقط، إلا أنه الآن يلتمس الانتباه من كل من الأب والأم معًا كما نجدهم يوجهوا بعض أنواع الاهتمامات بصورة رئيسية إلى كل منهما، فمثلا قد نجد الولد يسأل والده عن الحلوى، وذلك لعلمه أن الأب عادة ما يعطيه بعضا منها، ولكن لا يسأل أمه لأنها ترفض إعطاءه إياها لخوفها على أسنانه، وبصورة مماثلة نجد البنت التي كسرت مصادفة طبقا أو شيئا ما، قد تعترف بذلك لأبيها لأنها تتوقع ألا يوبخها على ذلك، انظر الشكل رقم "1" يوضح العلاقة التفضيلية لأطفال سن ما قبل المدرسة للأمهات والآباء.
كما أن قدرة أطفال ما قبل المدرسة على إدراك الاختلافات في اتجاهات آبائهم ونمط شخصيتهم قد يقودهم أحيانًا لمحاولة اللعب مع واحد من الأبوين في مقابل الآخر، وعادة ما يكون الأطفال في هذا السن ماهرين في التقليل من شأن أحكام أحد الأبوين في ضوء ما قاله الآخر فكثيرًا ما نسمع الطفل يقول:"سمحت لي ماما بعمله" كما أنه قد يرفض مطالب أحد الأطفال يقول: "لن أفعل ما تطلبين مني لآن بابا قال لي يمكنني أن أفعل ما أريد"، وكذلك نجد ذلك في تعبير المحاباة والتحيز في مجهود صريح للتعامل مع سلوك أحد الوالدين في مقابل الآخر، مثلا
يقول لأحد أبويه: "أنت دائمًا تفعل لي ذلك، أنا أريد أن تفعل ماما هذا، أو لماذا لا تذهبي يا ماما إلى العمل وبابا يمكن أن يمكث معنا للعناية والاهتمام بنا".
ومما يجدر ذكره في هذا المقام، أنه من المفضل والأحسن بالنسبة للأطفال، ألا يكون أبويهما متناقضان كل منهما في مواجهة الآخر، وعلى الرغم من عدم وجود طريقة مثلى لتربية كل الأطفال، إلا أنه يجب على الأبوين الاتفاق والاستقرار على الطرق والتي يعتزمان استخدامها مع الطفل، فالأبوان من هذا النمط يساعدان الطفل على أن ينمو لديه معايير داخلية للسلوك، وتنمية الضبط والنظام عنده كما سنرى فيما بعد، بالإضافة إلى أن ثبات واستقرار الأبوين يحول دون اتخاذ طفلهما طرقه الخاصة به.
ولقد أشارت نتائج الدراسة الموسعة الشاملة التي أجراها هنري بيلر H.Biler أن الآباء يلعبون دورًا هامًا في نمو الطفل أثناء سنوات ما قبل المدرسة بصورة خاصة، وبمقارنة الأطفال الذين نشئوا بواسطة أمهاتهم فقط وأطفال آخرين نشئوا وسط آبائهم وأمهاتهم اتضح أن المجموعة الثانية كانت أكثر نضجًا كما أن معاملاتهم مع الراشدين من حولهم كانت أفضل، كما أنهم كانوا يتعاملون بصورة أكثر إيجابية وأكثر فعالية في المواقف الإنجازية.
ومن جانب آخر اتضح أن الأطفال الذين كان آباؤهم غائبين عنهم أو مهملين لهم، اتصفوا بعدم الثقة والارتياب واضطراب في دور جنسهم، فمثلا وجد أن بعض أطفال ما قبل المدرسة الذين كانوا بدون أب ظهر أنهم يؤدون الأعمال بطريقة أنثوية "في كونهم معتمدين غير ميالين إلى التوكيد والجزم والتردد" ووجد أنهم أصبحوا مفرطون في الذكورة Hypermesculine عندما وصلوا إلى سن الطفولة الأصغر منهم، ويتجنبوا النشاطات الخاصة بالإناث، أو مرتبطة بالتخنث Sissy، وذلك لكي يغطوا ويخفوا الإحساس الضمني للذكورة غير المناسبة. Santrock، j؛ "1974".
والأب اللطيف المجامل Attenive يسهم في تنمية الإحساس المريح
عند الابنة بدورها الجنسي، وذلك عن طريق سروره ورضائه بأن له ابنة ومعاملتها كما تحب أن تعامل، وبالتالي يساعدها في نمو مفهوم الذات الأنثوي إيجابيا، وتشير دراسة Hetherington؛ "1972" أن بنات ما قبل المدرسة اللاتي حرمن من علاقة وثيقة مع آبائهم غالبًا ما يفشلون في تنمية إحساس واضح بالأنوثة، وعلى الرغم من أن هذا الإحساس لا يلاحظ أثناء فترة الطفولة، إلا أن هؤلاء البنات غالبًا ما يصبحن مراهقات ذوي مشكلات مرتبطة بالأولاد، ويرجع ذلك إلى إحساسهن بعدم التأكيد وعدم الأمن بدورهن الأنثوي.
ولسنا في حاجة إلى القول: إن مدى كفاية العناية الأبوية لا يمكن قياسها ببساطة عن طريق كمية الوقت الذي يقضيه الأب في المنزل.
فالآباء غير المهتمين من المستبعد أن يوفروا العناية المناسبة للأطفال حتى ولو كانوا داخل المنزل بصفة مستمرة، ومن جانب آخر نرى الآباء الذين يمنعهم عملهم من قضاء وقت طويل مع أولادهم، قد يكونون آباء ممتازين عن طريق تقاسمهم ومشاركتهم لعلاقة قريبة إيجابية مع أطفالهم عندما يكونون معهم وبالقرب منهم، وكما أشرنا سابقًا أن أهمية العلاقة في نوعيتها وليس في كميتها هي التي تؤثر في نمو الشخصية الإيجابية والنمو الاجتماعي السوي، ولسوء الحظ فإن كثيرًا من الدراسات التي بحثت غياب الأب لم تأخذ هذه الحقيقة في حسبانها، وعلى الرغم من نتائج العديد من الدراسات قد دعمت ما أشرنا إليه عن النتائج المحتملة في الأبوية غير المناسبة، إلا أننا نجد أن هناك كثيرًا من البيانات غير المتناسقة ظهرت في عديد من الدراسات والتي افترض خطأ فيها أن كمية العناية الأبوية الجيدة التي يتلقاها الأطفال مرتبطة بصورة مباشرة بكمية الوقت الذي يقضيه الآباء داخل المنزل.
وبالإضافة إلى ذلك فإن الدرجة التي يعانيها الأطفال من التأثيرات غير السوية نتيجة غياب آبائهم تختلف وفقًا للظروف والأحوال المحيطة، فمثلا غياب الأب يؤثر في نمو الطفل الكبير "في الطفولة المتوسطة أو المراهقة" بصورة أقل من تأثيره في نمو الطفل أثناء سنوت ما قبل المدرسة، وثانيًا تشير الدلائل أن أطفال سن ما قبل المدرسة يمكنهم التكيف بسهولة لغياب آبائهم لأسباب لا يمكن تفاديها كالموت، أو الإقامة المستمرة داخل المستشفى، أو الطلاق ثالثًا، وإذا كان للآباء علاقة زوجية حسنة مع الأم، فإنها عادة ما تذكر الأب بكلام جيد عندما لا يكون موجودًا بالمنزل أمام وليدها، وإذا كانت علاقة الأم بطفلها علاقة دافئة، مدعمة فإنها بالتالي تشجع وتدعم سلوك دور الجنس المناسب لطفلها، وعلى ذلك تخفف نسبيًا من النتائج السلبية على غياب الأب، رابعًا، نجد أن أطفال ما قبل المدرسة يمكنهم تجنب مشاكل عدم وجود الأب، إذا توفر ذكور أخرون يقومون بدور الأب معهم كزوج الأم مثلا، أو العم، والخال أو الإخوة الكبار في الأسرة.