الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رابعًا: الطرق التتبعية
Genetic Methods
تتلخص هذه الطرق بملاحظة النمو الإنساني في أبعاده المختلفة الجسمية والانفعالية والاجتماعية والعقلية على فترات متتابعة من العمر تبدأ مع أول الحياة ثم تسير في مراحها المتعاقبة وذلك بتسجيل كل ما يتصل بذلك البعد عن مظاهر وسلوك وانفعال.
ففي دراسة النمو الحركي مثلا، يسير الباحث متتبعًا مظاهره من المهد وتدرجه المتصاعد في الطفولة والشباب، ثم تسير في فترة الاستواء في الرجولة أو الأمومة، ومنه إلى نمو حركي هادئ خمد حتى ينتهي بالسكون الذي يعني "الموت" وكذلك الحال في شتى أنواع النمو عقلية أو اجتماعية أو انفعالية، حيث يبدأ الباحث دراسته من نقطة الصفر ومنها إلى درجة الإحساس ثم الإدراك الحسي، فالإدراك، فالتذكر، فالتفكير، ثم إلى درجات النضج العقلي، ثم يسير مستويًا إلى أن يبدأ في الانحدار العقلي ليفقد الذاكرة الحادة، ثم الضعف في الضبط العقلي إلى ضعف في المدركات الحاسية في أواخر الشيخوخة.
فالطريقة التتبعية تدرس الإنسان في مظهر من مظاهر نموه سواء كان ذلك جسميًا أم عقليًا أم لغويا أم انفعاليا أم اجتماعيًا، وعلم نفس النمو لا يدرس إنسانًا واحدًا فقط ولكنه يدرس أكبر عدد ممكن من الأفراد وفي بيئات مختلفة في جماعات متباينة حتى يتوصل إلى النمو السوي لدى الإنسان وذلك ما يمهد السبيل للتنبؤ عن الأفراد، وما يتوقع منهم في شتى سني الحياة من مراحل النمو السليم، فهذه الطريقة تقدم لنا صورة متكاملة عن النمو النفسي للإنسان في مراحل العمر وفي أبعاد التكوين النفسي.
فإذا أدركنا أن ذلك الإنسان يمر الآن في مرحلة الطفولة أدركنا بالتالي تكوينه العقلي أو اللغوي أو الانفعالي، وإذا عرفنا أن فردًا آخر يمر بمرحلة الشباب أو الكهولة أدركنا ما يتفاعل فيه من عوامل انفعالية
وعقلية واجتماعية وذلك مما يساعد المربين والأخصائيين الاجتماعيين والآباء ويقدم لهم أكبر عون فيما يقدمون من مناهج أو تخطيط.
وعلم نفس النمو مدين في تقدمه الحديث إلى هذه الطريقة في البحث والاستقصاء وفي تجديد مواطن البحث والتجريب ونتائجه التطبيقية في شتى الميادين.
اتجاه الطرق التتبعية:
تسير الدراسات التتبعية في ثلاث اتجاهات رئيسية الاتجاه الطولي، والاتجاه المستعرض، والاتجاه الاسترجاعي، فالتتبع الطولي يبدأ من الحاضر إلى المستقبل، والمستعرض يسير في نفس الزمن الواحد بين الأفراد، والاسترجاعي يعود إلى الوراء من الحاضر إلى الماضي، وسوف نلقي الضوء على هذه الاتجاهات في ثنايا الصفحات التالية.
أ- المنحى الطولي في مقابل المستعرض Longitudinal versus cross- sectional approaches:
إذا عرفنا بدقة نمو طفل معين فيما مضى، فإننا يمكننا التنبؤ بنموه المستقبلي وشخصيته المستقبلية، وتكيفه وقيمه وأهدافه عندما يصل إلى مراهقته ورشده.
ولأجل هذا الاهتمام فقد كرست كثير من الدراسات لوصف الطفولة في أعمار زمنية مختلفة، وتوفرت بيانات في بحوث علم النفس النمو في جوانب النمو الحركي، والنمو اللغوي، والنمو العقلي، والنمو الاجتماعي، والنمو الانفعالي والنمو الجسمي، وجمعت هذه البيانات من خلال منحيين هما، المنحى الطولي، والمنحى العرضي، وسوف نتأملها بإيجاز في الصفحات التالية.
الطريقة الطولية:
يشير Nunn، N أن هذا المنحى مناسبًا لدراسة النمو، ويرجع ذلك بسبب أن نفس الأطفال يدرسون طوال فترة زمنية، حيث يدرس موضوعًا منفردًا وبصورة على فترات دورية نظامية، وبالتالي فإن هذه الطريقة تمدنا بصورة للنمو المستمر، كما تمدنا الدراسات الطولية بمعلومات عن نماذج وعمليات التغير، على المدى الطويل، وبالتالي فإن
منحنيات نمو الفرد يمكن أن توضع في ثمة جوانب كاللغة والنمو الجسمي وهكذا، وعن طريق هذه المعلومات للتغيرات التي تحدث في فرد معين يمكن أن تربط بوجود أو غياب عوامل أخرى، فمثلا التغيرات في معدل الذكاء عند فرد ما يمكن أن تربط بأحوال بيئية مختلفة، ولكن لا يعني هذا بالضرورة وجود علاقة سبب ونتيجة.
كما أن طريقة سير حياة الأطفال التي نوقشت فيما سبق استخدمت المنحى الطولي لتسجيل ووصف السلوك لطفل معين طوال فترة زمنية محددة، وكانت أول دراسة في هذا المجال دراسة "بفون" Buffon، والتي أشار فيها إلى معدلات الطول لدى الأطفال حتى سبعة عشر عامًا من 1759-1776، وتتمركز مميزات هذه الطريقة في أنها تتيح للباحث جمع بيانات لأجيال مختلفة ومعرفة مدى الاتساق بينها سواء في أوجه نمو الأطفال أو في تدريبات الأطفال النمائية، ولقد أجريت عديد من الدراسات وطبقت هذه الطريقة في البحث والاستقصاء منها على سبيل المثال في عام 1959، دراسة Stone& Onque ودراسة Kagan؛ "1964" وغيرهما.
وقبل أن نضع في الاعتبار بعض معوقات هذه الطريقة، هيا بنا نتأمل سويًا بعضا من هذه الدراسات، فمن أول الدراسات الطولية التي أجريت في ميدان علم النفس النمو كانت بواسطة Shirley؛ "1931-1933"، حيث تتبع 25 طفلا منذ ميلادهم حتى نهاية السنتين الأوليين في النمو الحركي والعقلي والشخصية، حيث كانت الأطفال داخل إحدى المستشفيات تفحص يوميًا، وخلال الأسبوع الثاني كانوا يفحصون كل يومين، وباقي السنة الأولى كانت الرضع يفحصون كل أسبوع في منازلهم، خلال السنة الثانية كان يجري فحص الأطفال كل خمسة عشر يومًا.
وكانت تسجل في أثناء هذا الوقت استجابات الأطفال لبعض من الاختبارات البسيطة عن طريق وصف وتنوع الاستجابات وأضيفت كذلك تسجيلات الأم إلى بيانات الدراسة الكلية، وفيما يتعلق بالنمو الحركي فلقد ركز شيرلي على تتابع النمو، وانتهى إلى النتائج الآتية.
1-
يوجد اتساق في تتبع النمو الحركي، مع ظهور بعض جوانب المعكوسية في المظهر لبعض المواقف، رفع الصدر إلى أعلى، والجلوس بمفرده، والوقوف بمساعدة الآخرين والزحف.
2-
النمو الحركي يسير في نفس المنحى للقانون التشريحي لاتجاه النمو والذي يشير إلى أنه يبدأ من الرأس إلى القدم أو يتبع النو الذيلي Caphalo caudal وعمومًا فإن نتائج هذه الدراسة المكثفة على خمسة وعشرين طفلا كانت ذات فائدة كبيرة في ترسيخ جوانب معينة للبحوث النمائية، ومن جهة آخرى أمدت معلومات قيمة للطرق العلمية المتأنية الدقيقة الأخرى.
ودراسة أخرى قام بها "أندرسون" Anderson؛ "1950" عن التنبؤ للتكيف بين أطفال الصف الرابع، وكانت عينة هذه الدراسة 320 طفلا وأجريت عملية قياس الاتجاهات للأطفال نحو الأسرة وإحساسهم بالمسئولية واتجاهات العمل معتمدة على خبرتهم المنزلية وميولهم ونشاطات لعبهم، وكانت توجد اختبارات تقيس مخاوف الطفل وقلقه، وأمكن الحصول على ذكاء الأطفال ومهنة الأب والأم، والمستوى الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، وذلك في السجلات المدرسية.
ولقد تم الاستعانة بالمدرسين في معرفة درجة مسئولية كل طفل، وسماته الشخصية، وتكيفه المدرسي، وذلك بإجابتهم على استبيان خاص بهذه الجوانب، كما سجلت أحاسيس ومشاعر كل طفل عن نفسه وعن الآخرين من حوله، ووجهة نظره في علاقته بالآخرية، وهل يشعر بالإشباع والسعادة في حياته؟ وهل يعتقد أنه ينمو ويتقدم بصورة جيدة بالإضافة إلى انطباعات الآخرين عن الحالة، وكيف يراه الآخرون الذين يعرفونه، وإشارات نتائج دراسة أندرسون بجدوى التنبؤ التكيفي والمرتبط بثمة عوامل كالجنس ومعدل الذكاء سواء بالنسبة للبنين أو البنات.
وكذلك تشير نتائج دراسة Berkeley؛ "1928" والتي أشار إليها Bayley؛ "1965" لدراسة 61 طفلا أثناء الشهرين الأولين من حياتهم، وأجريت عليهم اختبارت للذكاء وفحوصات طبية في فترة دورية، ومقاييس أنثروبومترية، وكذلك قيمت مهاراتهم اليدوية والحركية والأداء الحركي العياني وجمعت البيانات من نتائج الاختبارات وتسجيلات عرضية، بالإضافة إلى أنه حدث تقييم لسلوك الأم نحو وليدها.
وأشارت النتائج فيما يتعلق بالفروق الجنسية، وحيث اتضح أن معاملات الارتباط الإيجابية بينها وبين المقاييس الاجتماعية والاقتصادية
"كدخل الأسرة، مهنة الأب، تعلم الآباء" كما وجدت الارتباطات الإيجابية بين معدل طول الآباء والأبناء، وظهرت ارتباطات كذلك بين أنماط سلوك الأم ومعدل ذكاء الأطفال في فترة المراهقة حيث اتضح أن الأطفال الذين كانت لهم أمهات يتسمن بالحب والدفء والديمقراطية وذلك في مرحلة الطفولة كانت معدلات ذكائهم أعلى من معدلات ذكاء الأطفال ذوي الأمهات النابذات العدوانيات، ولاحظ ذلك في البنات أكثر مما وجد عند الأولاد الذكور، واستنتج Bayely أن معدل ذكاء البنات يميل إلى أن يكون مرتبطًا بصورة قوية بالسلوك الأموي المبكر.
وجدير بالذكر فإن هناك بعض الخصائص للمنحى الطولي تجعلها مكلفة سواء في الجهد أو الوقت بالإضافة إلى صعوبة إجرائها، وأول هذه الأشياء هو تحول أفراد البحث أو انتقالهم أو عدم إمكان اتبعهم، كما يفقد وقتًا طويلا في حالة تغيير القائمين بالبحث أو الإداريين القائمين عليه.
أولا: بالإضافة إلى مشكلة الحالات التي تتسرب أو تتساقط أثناء الدراسة، وبالتالي تفقد معلومات ذات قيمة وساعات ضخمة من العمل والجهد التي بذلت مع هذه الحالات.
ثانيًا: عندما تستقر بناء خطة الدراسة، وتختار الأدوات ويستقر على الحالات فمن الصعب إن لم يكن من المخاطرة تبديل هذه العناصر السابقة بدون خطر محيق لنتائج الدراسة ككل.
الطريقة التتبعية المستعرضة Cross-sectional method:
نظرًا للصعاب المشار إليها التي تكتنف الطريقة الطولية لجأ الباحثون في سيكولوجية النمو في بحوثهم ودراساتهم إلى الطريقة التتبعية المستعرضة.
ويدرس الباحث في هذه الطريقة بعدًا واحدًا من أبعاد النمو جسميًا أو عقليًا أو انفعاليا لدى أفراد كثيرين ذوي عمر زمني واحد كدراسات Templin؛ "1953، 1977" للنمو اللغوي على ستين طفلا تتراوح